الرئيسة \  واحة اللقاء  \  نحن والانتخابات الأمريكية: يوم النحس 

نحن والانتخابات الأمريكية: يوم النحس 

06.08.2020
موفق نيربية



القدس العربي 
الاربعاء 5/8/2020 
يتوجّس الكثير من السوريين شراً مع اقتراب أوان الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ويتذكرون ببعض الاكتئاب ذلك المنعطف الذي مرّوا به في فترة الانتخابات السابقة عام2016 ، يوم انتُخب دونالد ترامب رئيساً، مكذِّباً كلَّ استطلاعات الرأي وتوقعات المراقبين، التي كانت تميل إلى ترجيح حظوظ هيلاري كلينتون. أحاط بتلك المعركة الانتخابية ضجيج غير مسبوق في نوعه وحجمه
كانت الشائبة الكبرى المزعومة آنذاك هي التدخل الروسي في سياق الانتخابات، واستخدامه الفضاء الافتراضي خصوصاً لذلك، بما في ذلك قرصنة إيميل هيلاري كلينتون ونشره عبر ويكيليكس، من خلال معركة عالية التنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي للتأثير في الناخبين. كلّ الأحاديث كانت عن اتجاه ذلك التدخل لدعم المرشح دونالد ترامب، لأسبابٍ ليس من الضرورة أبداً أن تخفي تآمراً مباشراً ما بين بوتين وترامب. ليس ذلك بالموضوع الذي يتعلق بنا وبأحكامنا غير المتأنّية، ولكن وراء الأكمة ما وراءها من رياحٍ على الأقل، وتوجهات في السياسات حولنا
في منتصف أكتوبر من عام الانتخابات ذاك، انعقد اجتماع مهم جمع وزيري الخارجية لافروف وكيري مع ممثلين من سبع دول في المنطقة، وكان عنوان تقرير "واشنطن بوست" على إثره يقول "ما نتج عن محادثات سويسرا هو قرار وحيد باستئناف الحديث". وكانت تلك ترجمة الصحيفة لما قيل في آخر اللقاء عن اتفاق على خفض مستوى العنف في سوريا عموماً، وفي حلب المحاصرة خصوصاً، والعودة بعد ذلك إلى مسار مفاوضات جنيف المتوقفة. وكان ذكر حلب نذير شؤم لم تنتبه إليه المعارضة السورية آنذاك
في المرحلة التي كان فيها باراك أوباما الرئيس الأمريكي النازل "بطة عرجاء" رسمياً، ودونالد ترامب الرئيس الصاعد الجديد، ينتقي ربطة عنقه لحفلة الاستلام والتسليم المقبلة، استطاعت غرفة افتراضية تركية روسية أن تنجز استخلاص حلب الشرقية من أيدي الفصائل المسلحة المعارضة، التي يغلب عليها الطابع الإسلامي، وتعيدها إلى قبضة النظام. كان أردوغان قد اعتذر في يونيو عن إسقاط الطائرة الروسية، الموضوع الذي كان يقف حجر عثرة كأداء أمام علاقة البلدين؛ وانعقدت في أغسطس قمة بين الرئيسين أطلق عليها اسم" قمة تصفية الأجواء" شكر فيها الرئيس التركي نظيره الروسي على موقفه من محاولة الانقلاب، التي حدثت في الصيف السابق. استطاع ذلك اللقاء تجاوز تلك الأزمة بينهما بشكل جذري، وانفرجت الأجواء، بحيث أشار تعليق "بي بي سي" وقتها إلى أن تلك القمة أقلقت الغرب عموماً. لم تستطع حادثة اغتيال السفير الروسي في تركيا في ديسمبر أن تهزّ عزم البلدين على التعاون في كلّ المجالات، بل إنهما اتفقا في تلك الأيام نفسها على الإقلاع بمشروع مسار أستانة لحلّ القضية السورية، الذي قاما بدعوة إيران أيضاً إليه لاحقاً
 
السوريون اليوم في قلب المأزق فالخسارة تنتظرهم أنّى توجهت الريح، ومهما كان الرابح في الانتخابات الأمريكية المقبلة 
 
استمرّت لقاءات أستانة التسعة، وكان عاشرها في نور- سلطان، كما أصبح اسمها تيمّناً باسم حاكمها الأبدي، بعد ابتعاده قليلاً عن الأضواء. وقد استلهمت تلك اللقاءات في البداية ما كانت تطرحه بعض مراكز البحث النافذة في الولايات المتحدة، حول أهمية تثبيت وقف لإطلاق النار على حدود واضحة على الأرض، ترسم مواقع نفوذ القوى التي سوف تحلّ العقدة لاحقاً. وأقرت تلك الاجتماعات اتفاقاً على أربع مناطق "خفضٍ للتصعيد" كما سموها، لم تستقرّ طويلاً، وتمّ اجتياح اثنتين منها في غوطة دمشق وريف حمص فيما بعد، في حين تمّت تسوية وضع المنطقة الجنوبية بتفاهم روسي أمريكي فيما بعد، كان عامله الحاسم يراعي المصلحة الإسرائيلية، وكذلك ابتدأ قضم المنطقة في شمال سوريا الغربي. وللتأكيد مرة ثانية، ابتدأ ذلك المسار مع إنهاء عقدة حلب لصالح روسيا والنظام، بالتوازي مع بدء الحروب التركية الصغيرة الثلاث على التوالي: "درع الفرات" و"غصن الزيتون" و"نبع السلام" وتأسيس وجود تركي معيّن في المناطق المعنية بتلك الحروب الصغيرة
كان ترامب قد أقسم يمينه في بداية عام 2017، وابتدأ معاركه الداخلية مع المؤسسة بمشاريعه، لتحديثها على نمطه ونسقه وهواه، وحين تفرّغ بشكل أفضل لشؤون المنطقة، انصبّت حممه على إيران بالخروج من الاتفاق النووي، بالتنسيق مع إسرائيل التي كانت تراقب عن كثب عمل صهر ترامب المنكبّ على تصنيع مشروع "صفقة القرن" التي يتقدم فيها خطوات مغامرة إلى الأمام، على إيقاع حركة اليمين المتطرف الإسرائيلي وطموحاته. كان الاستنكاف عن التصدي للدور القيادي في المنطقة والعالم خصوصاً، حيث لهذا الدور كلفة تشغيلية، هو ميزة مرحلة ترامب الكبرى. وفيما يخصنا، نحن السوريين، كان ذلك استمراراً لسياسة باراك أوباما التي طالما قالت ولم تفعل، ولكنها تمركزت على خيبة كبيرة واحدة في أواخر صيف 2013، حين تجاوز النظام خطّ أوباما الأحمر باستهدافه المدنيين في غوطة دمشق بالسلاح الكيماوي، وظهر لاحقاً أن لون ذلك الخط لم يكن أحمرَ حقيقياً. وأعطى هذا لاستنكاف ترامب اللاحق مظهر المتصدي والحازم، من دون أي مضمون ومحتوى أو تأثير عميق. وكان التدخل الروسي العسكري في خريف 2015 معتمداً على لون خطوط أوباما الباهت ذاك، بحاجة إلى ضمانات وتأمين فيما بعد، الأمر الذي كان إلى جانب العديد من المصالح الروسية – الجيوبوليتيكية وغيرها- دافعاً تستند إليه السياسات الروسية العلنية والسرية تجاه المعركة الانتخابية الكبيرة في الولايات المتحدة عام 2016، بدهاء راسبوتين ومكر الموجيك وأناة كوتوزوف وتصميمه، التي اجتمعت كلّها في الكرملين
في النتيجة والحصيلة، مرت أربع سنواتٍ صعبة وأليمة على السوريين، كانت الانتخابات الرئاسية الأمريكية السابقة غطاءً وظرفاً ساعد على تحقيق كوارثها. فليس غريباً أن تكون الانتخابات القريبة التالية التي نحن بصددها موسماً للتشاؤم والحذر والترقب، تساعد عليه موجات الوباء التي تضرب كالقدر الأعمى، مع انكفاء تمثيل السوريين ووجودهم العملي، وانفتاح بلادهم للقوى العسكرية والسياسية المتعددة: من روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة وإسرائيل، وغيرها
نحن اليوم في قلب المأزق نضع أيدينا على قلوبنا، حيث الخسارة تنتظرنا أنّى توجهت الريح، ومهما كان الرابح في الانتخابات المقبلة قريباً. فيُقال لنا إن جو بايدن حين يربح السباق سوف يكون من أوائل قراراته إلغاء قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي. ونحن نخشى استكبار حكم الملالي الإيرانيين أكثر مما يستكبر حالياً آنذاك، ويستوطن؛ حين يطمئن إلى مصادر تمويله ويستعيد ثقته بنفسه، وتوازن مراكبه، بالإضافة إلى ما يهبّ من الذاكرة التي احتفظ بها السوريون من أيام أوباما، حيث كان بايدن يجلس وديعاً إلى جانبه. أمّا إذا كسب ترامب الجولة، وهو قد اعتاد على مفاجأتنا كما فعل في الانتخابات عام 2016، فسوف يستمرّ في محدلته التي لا ترى إلا مصلحة التطرف الإسرائيلي، ولا ترى في سوريا حقيقة إلا بلاداً "من رمال ودماء" ليس فيها لا ذهب ولا نفط حقيقي ولا مطمع.. تصلح أرضاً وشعباً للاختبارات والمعارك الجانبية، بحيث يمكن الانقضاض عليها أو الانفضاض عنها من دون حماسة ولا حرارة ولا ندم
لذلك كله، نتذكّر ما قيل عن يوم نحس ويوم سعد النعمان بن المنذر في الحكاية العربية، ونستند بظهورنا إلى الزاوية الأقرب إلينا أينما كنا في أرض الله