الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مَن المُستفيد من التصعيد بين واشنطن وطهران؟

مَن المُستفيد من التصعيد بين واشنطن وطهران؟

22.05.2019
مثنى عبد الله


القدس العربي
الثلاثاء 21/5/2019
عَرضَ مقال الأسبوع الماضي سؤالا عن من المستفيد من التصعيد الأخير بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية. ثم جاءت عملية تخريب أربع سفن تجارية قبالة سواحل دولة الإمارات، بدون إعلان أي جهة مسؤوليتها عن الحادث. تلاها بعد يومين من ذلك الهجوم طائرات مُسيّرة مسلحة ضربت محطتين لضخ النفط في السعودية، في هجوم أعلن الحوثيون المتحالفون مع إيران المسؤولية عنه. كلها أحداث جاءت لتؤكد السؤال المطروح، من المستفيد؟
يقينا أن التصعيد الأخير لم يكن خالصا بين طرفي المعادلة الرئيسيين وحسب. فهنالك أطراف أخرى لها مصلحة كبرى في أن تقع الحرب بين واشنطن وطهران. ومن هنا يأتي تزامن الهجوم على السفن ومحطتي ضخ النفط، وإذا كان الحادث الأخير قد بانت الجهة المسؤولة عنه، لأن هنالك حربا معلنة بين السعودية والحوثيين، فإن الحادث الأول يختلف تماما، لأنه ذو طبيعة استخباراتية، قد يكون المتضرر فيها هو الفاعل أيضا، بهدف جر الأمور إلى مديات أخرى، تحقق له الفائدة المرجوة مستقبلا. بينما الحادث الثاني عملية عسكرية واضحة المعالم، لولا الجهد الإيراني تدريبا وتسليحا وتمويلا وتخطيطا، لما كانت الجهة المسؤولة قادرة على القيام به. لكن تحليل الظرف المكاني للحادثتين يشير وبوضوح إلى أن الرسالة فيهما كانت واحدة. فتخريب السفن جاء على بعد تسعة أميال بحرية عن ميناء الفجيرة، الذي يُعتبر البديل لتصدير النفط في حالة إغلاق مضيق هرمز كونه لا يقع مباشرة في المضيق. كما أن الضربة على محطات ضخ النفط في السعودية جاءت على الخط البديل لنقل النفط السعودي، في حالة إغلاق المضيق أيضا. بمعنى أن الفاعل كانت رسالته واضحة بالقول إن كل البدائل لا تنفع إن وقعت الحرب في الخليج، وأن لا مهرب لأحد منها، فالجميع سيكون خاسرا.
هنالك أطراف لها مصلحة في أن تقع الحرب بين واشنطن وطهران، ومن هنا يأتي تزامن الهجوم على السفن ومحطتي ضخ النفط
كما أن العامل المشترك الآخر في العمليتين هو أن التنفيذ جاء بأدنى مستوى من الضرر، كي لا تكون ذات تهديد كبير، ثم مبررا لقيام ضربة انتقامية، أو الذهاب إلى حرب مباشرة. فحتى ترامب لا يستطيع اتخاذهما حجة، أو لافتة كبرى يستطيع تسويق فكرة الحرب على إيران بهما. وفي هذا المجال تصف مجلة "جينز ديفنس" العسكرية الأسبوعية مدبري الهجومين (ليسوا من هؤلاء الذين يسعون لجذب الأضواء، بل هو شخص يريد إبراز شيء ما بدون أن يشير بالضرورة لأي اتجاه معين. إنه لم يتجاوز خط الحرب). هنا يأتي الحديث عن الأطراف المستفيدة من التصعيد الأخير في الخليج العربي وهي أربع قوى.
*المستفيد الأول هو إسرائيل، وأحد أهم مسلماتها الاستراتيجية هو في حالة خوض حرب يجب أن تكون على أرض العدو، ويجب أن لا تكون الحرب طويلة بل خاطفة، وليست حرب استنزاف. وهي اليوم ترى أن التمدد الايراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن يضعها في حالة حرب استنزاف، لأنها مجبرة على خوض حرب جوية مستمرة لتدمير هذا التمدد. لذا هي تعتبر دفع واشنطن لتوجيه ضربة كبرى إلى إيران وإلحاق الهزيمة بها، وتدمير برنامجها النووي والصاروخي، بما يصعب عليها النهوض مرة أخرى أولوية بالنسبة لها. لذلك كانت أكبر معضلة واجهتها، عندما ذهب أوباما إلى توقيع الاتفاق النووي مع إيران، بما لا يلائم النظرية الاسرائيلية، فشعرت بأنها ستخوض الحرب مع طهران بمفردها. لكن في الوقت نفسه ترى إسرائيل أن راديكالية النظام الإيراني الحاكم باتت عامل استقرار مهم لها في المنطقة العربية. فسياساته الخبيثة والرعناء، هي التي أزاحتها من موقع العدو الاستراتيجي في عقل النظام العربي الرسمي، كي تحتل مكانها إيران كعدو أستراتيجي، وبذلك باتت سببا مباشرا في سريان الدفء في العلاقات بين إسرائيل والحكام العرب.
*المستفيد الثاني هو الولايات المتحدة الامريكية، فالرئيس ترامب يريد أن يدخل الحملة الانتخابية الرئاسية الثانية وقد حقق كل ما وعد به قاعدته الشعبية قبل أربع سنوات، حيث وعد بتغير سلوك إيران الإقليمي، وإبرام صفقة معها، وإنهاء الحروب الامريكية في الخارج. كما أنه يريد تطبيق ما تريده إسرائيل، كذلك وهذه هي متطلبات اليمين المتطرف. أذن الحشود العسكرية الامريكية، والطلعات الجوية لطائرات ب52 هي كلها مرتبطة بما يسمى بناء القوة، التي رسائلها للطرف الآخر تشير إلى أننا على استعداد تام. وهنا نرى في الجزء الظاهر من المشهد الرئيس ترامب الذي يضغط على إيران بالوسائل العسكرية والاقتصادية كي يستفيد، لكن أيضا هنالك مستفيد آخر ولاعب مهم في الجزء الخلفي من المشهد، وهم صقور الادارة الامريكية، وأبرزهم مستشار الأمن القومي بولتون، الذي بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" هو من طلب من القيادة العسكرية إرسال حاملة الطائرات لنكولن إلى الخليج.
*المستفيد الثالث من الأزمة الحالية في الخليج العربي هي إيران نفسها. فطهران ترى في الضغوط الخارجية السياسية والاقتصادية التي تتعرض لها، نعمة كبيرة لتعزيز الاستقرار الداخلي بعد التظاهرات الشعبية التي هزت صورة النظام. وأن التهديد الخارجي يقضي على مصداقية أي صوت داخلي معارض يخرج في هذا الوقت الحرج. كما أنها فرصة كبيرة لاختبار جاهزية الأذرع الخارجية التي صنعتها في دول المحيط. يضاف إلى ذلك استغلال الأزمة للضغط على الأطراف الموقعة على الاتفاق النووي، روسيا والصين ودول الاتحاد الأوروبي، لإيجاد حل سريع يضمن مصالحها المالية وتصدير نفطها.
*أما المستفيد الأخير من الأزمة الراهنة فهو النظام الرسمي العربي. فقد اتخذ الحاكم العربي من القضية الفلسطينية غطاء غطى به كل عوراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية. وكان يتخذ من مسألة الصراع مع إسرائيل شرعية لوجوده في السلطة، رغم كل إخفاقاته وكوارثه. وبعد مرور عقود من الزمن تكشف هذا الغطاء وبان زيف كل الشعارات في الهزائم المتتالية، وفشل استثماره في القضية الفلسطينية، فوجد في إيران وسياساتها الكارثية في المنطقة خير عدو أستراتيجي جديد يؤمن به استقراره الداخلي ويعلق عليه فشله. لذا هو اليوم يدفع بكل موارده ويضعها في خدمة التصعيد.
هل ستجد الأزمة الراهنة من يُنفّس ضغوطها؟ وهل ستكون مرة أخرى المرونة البطولية للمرشد الاعلى دافعا لمجلس تشخيص مصلحة النظام – للاتصال بصورة مباشرة أو عبر وسيط – بترامب على الهاتف الذي تركه في سويسرا؟ سنحاول الاجابة عن هذا السؤال في مقال مقبل.
كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية