الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مَن الخاسر والمستفيد الأكبر من نقل قافلة تنظيم "الدولة"؟

مَن الخاسر والمستفيد الأكبر من نقل قافلة تنظيم "الدولة"؟

10.09.2017
إدريس سالم


القدس العربي
السبت 9/9/2017
في صفقة ألغت كل نظريات المؤامرة السابقة بشأن أصل تنظيم "الدولة" (داعش) والجهات التي يُزعم أنها تقف وراءه وتدعمه، حيث وصفها الرافضون لها بالجهنمية والخديعة الكبرى، والموالون بالانتصار السياسي ودحر الإيديولوجيات المتشدّدة "المؤكّد أنها عار تاريخي على جبين حكّام العرب"، إذ نُقل ما يقارب 300 مقاتل من عناصر تنظيم "داعش" مع عوائلهم من منطقة جرود عرسال اللبنانية إلى مدينة البوكمال في ريف دير الزور الشرقي على الحدود السورية العراقية الخاضعة لسيطرة التنظيم، وبحافلات مرفّهة معزّزين مكرّمين مَحميين "غالبيتهم قناصون وخبراء ألغام ومفخّخات وضباط كبار"، تحت مبرّرات بعضها ظاهر للعيان وبعضها الآخر مُبطّن مرتبط بمخطّطات المخابرات.
إلا أن التنسيق الذي كان في السرّ بين بشار الأسد وحسن نصر الله ونوري المالكي وقاسم سليماني على إدارة "داعش" مخابراتياً بات اليوم في العلن وسط صمت دولي "السكوت إحدى علامات الرضا!"، فحسب المدافعين عن الاتفاق والمهللين لنجاحها أن منطقة البوكمال حاضنة للتطرّف والإرهاب، مما يعني أن التحالف الدولي سيقضي عليه هناك. فليسألوا أنفسهم: لماذا لم يقضِ التحالف وطيران روسيا وسوريا عليهم هناك في جرود عرسال مع الجيش اللبناني بدل تقديم خدمات مرفّهة لهم ونقلهم بحافلات كبيرة إلى الحدود العراقية دون أن يعترض طريقهم أيُ أحد؟ لماذا نجح هذا الاتفاق في حين فشلت كل اتفاقيات السلام والهدنة ووقف إطلاق النار ونقل المساعدات الإنسانية والطبية بين المعارضة والنظام السوري في كل حصار أو مجزرة أو معركة طاحنة؟ "في هجوم داعش على مدينة كوباني قام طيران التحالف الدولي بإسقاط الأسلحة للطرفين المحاربين، والواقع يشير إلى أن تأسيس التحالف جاء للقضاء على داعش!"
في المقابل لماذا يمتعض العراقيون والسوريون من 300 عنصر من "داعش" على الحدود، ويعتبرون أنها مؤامرة خطيرة ضدّ أمنهم القومي، بينما يتغاضون عن وجود الآلاف داخل المدن السورية والعراقية أضف إليها أنظمتهم الشوفينية؟ ولماذا بعضهم يعتبر هذا الاتفاق الذي حصل بين حزب الله اللبناني من جهة (حزب الله حزب طائفي ووظائفي يأتمر من قم الإيرانية ويمول منها، هدفه حماية النظام السوري وليس الشعب اللبناني) وتنظيم داعش من جهة أخرى. إنه مؤامرة ضد استقلال كردستان أو ورقة ضغط قوية لإلغاء استفتائه أو تأجيله؟ أم أن هناك تعاونا سوريا – إيرانيا – عراقيا على عرقلة الاستفتاء المزمع إجراؤه في إقليم كردستان، وضرب مناطق النفوذ الأمريكي؟ "هل تحتمل المنطقة اندلاع صراع شيعي – كردي يضاف إلى الصراع الشيعي – السني الحـالي؟".
لعلّ تعطيب أو تحجيم "داعش" في دولة خلافته المزمعة كان أمراً مؤقتاً، إذ أنه سيبقى ببساطة خاملاً لبضع سنوات، وسيظهر مرة أخرى كنوع آخر من "داعش 2" تحت مسميّات أخرى ولكن بالأهداف نفسها، تماماً كما تحوّلت القاعدة إلى جماعات إرهابية أخرى، بسبب فوضى الدول الفاشلة والحاضنة للديكتاتوريات والسياسات القمعية في أفغانستان واليمن. وعليه فإن ما يحدث في العراق وسوريا قد يفتح الباب أمام بزوغ جماعات جهادية أخرى وأقرب إلى الراديكالية، في حال أرادت الدول العظمى على عدم حل الأزمة السورية وتمديدها "المفاجآت وخلط الأوراق قد تلعب دورها لتحقيق مكتسبات أفضل"، ولعل صدقية هذا الكلام وتحويله إلى واقع ملموس جاء على لسان السفير الأمريكي السابق لدى العراق زلماي خليل زاده معتقداً بأنه من الممكن أن تتأسّس دولة كردية في غربي كردستان قبل 15 إلى 20 عاماً، إذاً فهناك احتمال كبير أن يأتي بعبع إرهابي آخر على غرار حركة الطالبان وتنظيمي القاعدة و"داعش"، أو ربّما تهبط التنظيمات الإرهابية المتطرفة من حالة الصعود إلى الهبوط، خاصة وأن العراق وسوريا أصبحا منبعاً للإرهاب وفروعه، وهو أضعف الاحتمالات.
السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه: "ما الهدف من نقل آلة الإرهاب من لبنان إلى العراق؟". إن القافلة الإرهابية التي نقلها تجّار الحروب وسماسرة المعارك كانت بإدارة إيرانية مباشرة، ولم تكن وليدة المصادفة "لا مكان للصدف في سياسات إيران ووكلائها!
خاصة وأنها تخوض حربها من خلال جيوش غير إيرانية، بينها الجيش العراقي والجيش السوري، توازيها ميليشيات الحشد الشعبي العراقي وحزب الله اللبناني والميليشيات السورية المستحدثة، ولهذا الحدث هدفان كلاهما استكمال للآخر.
فالهدف الأول يكمن بالدرجة الأولى في محاربة إقليم كردستان ومعارضة ورفض مشروع استقلاله، الذي يجري على قدم وساق، هنا يجب أن نتذكّر أن الموقف الإيراني ليس حباً في وحدة العراق وتداعيات تفكّكها، وإنما خوفاً من إثارة الكرد في إيران وزعزعة استقرارها الداخلي وما يترتّب عليه من مطالبتهم إيران بشيء مماثل، فهي ترى أن قيام دولة كردية بالقرب منها يهدّد أمنها واستقرارها، خاصة وأنها تعمل منذ سقوط نظام صدام حسين على الاستيلاء على العراق ككل دون خروج مناطق منه عن طوعها، وكذلك فإن هذه الدولة، إن ظهرت، فسوف تحدّ من التدخلات الإيرانية في المنطقة العربية ويبرزها في دور العاجز الضعيف عن لعب دور الحامي في المنطقة وتوجيه أحداثها بما يخدم مصالحها، وإيران ستعمل جاهدة على هذا الهدف.
الهدف الثاني يكمن في مدى رغبتها العارمة للتسلّل إلى المحافظات السنية العراقية التي دفع أهلها الدمار والدماء للتخلّص من "داعش" وانتهاكاتها، وليعودوا مجدّداً لذبح السنة، بدعم من الشيعة العراقيّين التي يديرها قاسم سليماني من وسط المراكز الحسّاسة في بغداد، والذي يمسك بالكثير من خيوط المشهد السياسي في العراق، ويعمل على توجيهها بما يحقق مصالح إيران الرامية إلى إحياء وإعادة الإمبراطورية الفارسية، أي أنها ماضية في خطتها الإجرامية لتصفية سنّة العراق. مهما يكن شأن الإرادة الإقليمية والدولية "هل أمريكا وإسرائيل ستقفان للحدّ من تحقيق هدفي إيران من صفقة نقل الإرهاب وبيد الإرهابيين وجعل الشرق الأوسط شرقاً شيعياً؟".
اختصاراً لكل هذا الكلام، فإن المسرحية التي مثّلها كل من حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني ونوري المالكي ونظام الأسد من جهة، و"داعش" من جهة أخرى قد انتهت بإبرام صفقة سياسية ناجحة فيما بينهم، حصلوا بموجبها على إعادة الأمن والاستقرار وعلى طريقتهم "على الشعب أن يدرك أنهم مَن يزعزع أمنهم واستقرارهم، وينغّص عليهم عيشهم!!" وكسب تأييد شعبي وإقليمي ضد ما يسمّى، حسب مزاعمهم، الجماعات الإرهابية المسلّحة، إذ انتهت المعارك التي زُعم أن الجيش اللبناني خاضها ضد التنظيم داخل جرود عرسال اللبنانية وبقرب القلمون السورية بانتصار الجيش وانهزام التنظيم "لماذا يحصل المهزوم على امتياز التفاوض، والاتفاق مع مَن يعتبرون أنفسهم حماة الأرض والعرض؟ ولم هذا المهزوم هو مَن يكتب شروط هزيمته، وليس العكس؟!".
المؤكد أن منطقة الشرق الأوسط مقبلة على مزيد من التحوّلات المفاجئة والصراعات الجديدة، والتي لن تقتصر على سماسرة ووكلاء الدول الراعية للإرهاب والحروب وحدها، بل ستصل نيرانها إلى تلك القوى نفسها، لأن صانعي ومنفذي الحروب والأزمات لن يتركوا الشرق الأوسط لقمة سائغة لإيران الشيعية المهووسة بأحلام استعادة أمجاد حضاراتها، وعلى الكرد أن يكونوا أكثر حذراً واتزاناً وتفكيراً عميقاً، وألا يقايضوا على بناء دولتهم وأخذ حقوقهم مقابل أن يكونوا بنادق أو قنابل تستخدم في سبيل إطفاء نيران الأزمات والصراعات القادمة، بل عليهم أن يكونوا قوة للدفاع عن شعبهم لا للإيجار بيد مَن تآمر ضدّهم، والرسالة موجّهة بشكل خاص إلى ENK.S و PYD اللذين يتآمران على قوت الناس ويلعبان بمشاعرهم، وينفقان أموالاً رهيبة في مشاريع لا تخدم الكرد ولا تطلّعاتهم المقبلة.
 
كاتب وصحافي سوري