الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مَنْ يقتل الثورة السورية !؟

مَنْ يقتل الثورة السورية !؟

05.12.2016
أحمد الراغب


رصد
الاحد 4/12/2016
إنّ المراقب لأحداث الثورة السورية سيجد أنّ الثورة في تراجع مستمر، ولعلّ سقوط أكثر من نصف حلب الشرقية، يعني بكل بساطة أنّ النصف الثاني آيل إلى السّقوط بكلّ لحظة، أو هو بحكم السّاقط؛ وسقوط حلب يعني أنّ الثورة السورية أصيبت بمقتل خطير، وأنّ بشار الأسد ونظامه قد يعودان إلى حكم سوريا بالحديد والنار، كما عاد حافظ الأسد بعد أحداث الثمانينات، ويعني أنّ مشروعاً فارسياً  بنكهة شيعية  سيمتد من إيران والعراق ليشمل بلاد الشام وأجزاء كبيرة من الخليج العربي، ليصل إلى اليمن.
هنا لابدّ من الإجابة عن سؤال جوهري: من الذي يقتل الثورة السورية ويذبحها من الوريد إلى الوريد..!!؟
الذي يقتل الثورة السورية هم ثلاث جهات:
الجهة الأوّلى  العالم الخارجي.
الجهة الثانية  السّوريون أنفسهم.
الجهة الثالثة  فئة من الأجانب (المهاجرون).
ولنتناول هذه الجهات بالدراسة:
الجهة الأوّلى  العالم الخارجي: ويتمثل ذلك في الأطراف الآتية:
أمريكا وأوربا: وهم من حيث الحقيقة أكثر عداوة من إيران وروسيا للثورة السورية؛ فهدفهم وأد ثورات الربيع العربي بالطرق والوسائل كافّة؛ لتحقيق مصالحهم الكثيرة...
2 العالم العربي: كلّ الدول العربية هي تَبَعٌ للعالم الخارجي، فقراراتهم مرتبطة من حيث النتيجة بأمريكا، ومن ناحية أخرى تَعْتَبر الأنظمةُ العربية ثورات الربيع العربي تهديداً لعروشها، فلولا الخطر الفارسي لما وجدْتَ دولة تساعد السوريين، فالعربُ هم الذين كانوا أداة لوأد الثورة المصرية والليبية واليمنية، وما يزالون يحاولون قتلَ الثورة التونسية...
3 العالم الإسلامي: وكأنّه غائب عن مسرح العلاقات الدولية...
4 تركيا: نتيجة لتضرر المصالح القومية التركية، تخلّت عن الثورة السورية، وبصفقة مع روسيا تنازلت عن حلب، وعلى الأرجح تخلّت عن إدلب، ثمّ باقي سوريا، وذلك مقابل إتمام مشروع درع الفرات الذي يضمن لتركيا أمنها القومي، وليس من الغريب إذا حدث تقسيم لسوريا أن يكون لتركيا نصيب من إدلب أيضاً...
5 روسيا: هي منقذ نظام بشار الأسد، بتوافق مع إسرائيل وأمريكا، وستضمن لنفسها مصالح استراتيجية عسكرية واقتصادية في سوريا...
6 إيران: هي المستفيد الأكبر من أحداث سوريا الدامية، وهي العمود الفقري مع فصائلها الكثيرة لقتل الثورة السورية، وإيران لا تخفي أهدافها، فهي تريد تشكيل حكومة إسلامية عالمية شيعية (إمبراطورية فارسية)، وهذا ما صرّح به الفريق رحيم صفوي مستشار خامنئي للشؤون العسكرية؛ وهذا يخدم المشروع الصهيوني الذي سيستريح من أمل ظهور صلاح الدين من جديد بين أهلّ السنّة...!!!
إذن كلّ العالم الخارجي بات عدوّاً للثورة السورية، ويشترك بقتلها بشكل مباشر أو شبه مباشر...!!!
الجهة الثانية  السوريون: ويتمثلون في الأطراف الثلاثة الآتية:
1  السياسيون: وهم جميع التكتلات السياسية التي حاولت قيادة الثورة السورية سياسياً، وعلى رأسهم المجلس الوطني والائتلاف السوري وكتلة التغيير...والأكثرية الساحقة من السياسيين هم من العلمانيين...ويجمع هؤلاء السياسيين أنّهم لم يستطيعوا أنْ يُكوّنوا جسماً سياسياً سورياً موحداً يعبّر عن أهداف السوريين، فمنهم الإيديولوجي الذي سيحكم سوريا لنفسه قبل أن تتحرّر، ومنهم الانتهازي، ومنهم اللص، ومنهم المنافق التابع للنظام، ومنهم العميل للدول الخارجية...
المهم أنّ الأكثرية الساحقة من السياسيين السوريين كانوا وما زالوا سكّيناً تذبح الثورة السورية، ولا يوجد في الأفق أمل لعودة العقل والصلاح إليهم، وستكون سوريا بخير إذا استبدلهم الله وأراح السوريين من نيرانهم...
2  العسكريون: وينقسم هؤلاء إلى فئتين:
الأولى  من انشقّ عن النّظام: وأكثرهم من الضباط الذين يعيشون في استضافة تركيا، ولم يشتركوا في الثورة السورية، وهم بالأصل تربية النظام السوري، وينتظرون نجاح الثورة؛ كي يحصدوا ثمار النصر...وقليل من الضباط السوريين من يشارك في الثورة السورية، وهناك قسم كبير ممن يشاركون في الثورة قد تلوثت عقولهم وأيديهم بالفساد والعمالة...
الثانية: المجاهدون: ويندرجون في الآتي:
1   ما يسمّى بالإسلاميين: وأهمهم أحرار الشام وجبهة النصرة وفيلق الشام وجيش الإسلام...ونحن حين نتحدّث عن هذه الفصائل نقصد بالتحديد قياداتها، وليس أفرادها، فأفرادها أبطال مخلصون قدّموا أرواحهم وأموالهم في سبيل الله...وهؤلاء القادة جميعاً ساعدوا بشكل كبير جداً في قتل الثورة السورية، وذلك من خلال الأمور الآتية:
أ  رفضهم المطلق لمشاريع الوحدة: فهذه الفصائل من دون استثناء هي عقبة في طريق الوحدة، وعندما تجلس معهم تظنّ أنهم يعشقون الوحدة، ويجتمعون مع بعضهم لمناقشة الوحدة كثيراً، وهناك اجتماعات تطول بينهم لأكثرن من 13 ساعة متواصلة، لكن النتيجة هي الإصرار على عدم الوحدة، فما زالت هذه الفصائل تتمسّك بإيديولوجياتها، فلا يتنازل طرف لطرف، أو على الأقل يترك الجميع هذه الإيديولوجيات مؤقتاً ويتحدوا على منهج يخدم الثورة السورية...
ب  تنفيذهم لمشاريع خارجية: هذه الفصائل ربطت مصيرها بالعالم الخارجي، فهذا مرتبط بقطر، وذاك بالسعودية، وذاك بتركيا، وهذه الدول جميعها تحت الوصاية الأمريكية، بالتالي هم ينفذون إملاءات خارجية، ومثال ذلك الفصائل التي تخدم في درع الفرات، فهذه الفصائل أصبحت قوات تركية بامتياز، ولو أنّ هذه الفصائل لم تنفذ لتركيا أجندتها؛ لاضطرت تركيا لعدم بيع حلب وسوريا، لكنّهم مطيعون لتركيا، فلا يناقشون؛ بل فقط يُنفّذون...وكذلك هذه الفصائل التي ربطت نفسها بالخارج لا تستطيع الوحدة مع الفصائل الأخرى خوفاً من انقطاع الإمداد المالي عنها...
ج  العداوة بين هذه الفصائل: إنّ هذه الفصائل إلى الآن في طور العداوة، أحياناً بشكل علني، وأحياناً بشكل مخفي؛ لذلك تراهم إلى الآن يُكفّرون بعضهم، ومن الطبيعي أن يقول لك بعضُ قادتهم، إنّ العقيدة الأشعرية مودة (موضة) قديمة قد ولّت؛ أي أنّ أهل سوريا كفار، وطبيعي أن ينظر قادة هذه الفصائل إلى الفصائل الأخرى نظرة الإقصاء أو الاستئصال، وكلّ الدماء السورية التي سالت، وكلّ تقدّم النظام...لم يجعلهم إخوة حقيقيين...!!!
د  حبّ الرّياسة: فهؤلاء القادة يجري في دمائهم وعقولهم حبّ الرّياسة، وعندما يترك أحدهم القيادة لظرف ما يصبح من أعداء الفصيل أو الثورة... فمن هنا يكاد أن يكون من المستحيل على هؤلاء القادة أن يتركوا مناصبهم، فهم يرون أنّ نجاح الثورة مرتبط بهم، وأنّهم الأصلح، وأنّهم الأفهم...فهم بالحقيقة يقاتلون ديكتاتورية بشار، لكنّهم يتمسّكون بكراسيّهم أكثر من بشار وسلمان والسيسي ومحمد السادس وعبد الله وقابوس...
2  ما يسمى بالجيش الحر: كذلك قادة هذه الفصائل في عمومهم، لا يرغبون في الوحدة، ولديهم ارتباطات خارجية، وعندهم الكثير من الفساد، لكن في صفوف هذه الفصائل مقاتلون رائعون من الطراز الأوّل من الرجال...
والجيش الحر يخاف على نفسه كثيراً من الفصائل الإسلامية، فهو محطّة طمع لتلك الفصائل؛ لذلك كل فترة يتعرّض للتصفية والاستباحة من بعض الفصائل الإسلامية، وبحجج مختلفة، وللحقيقة نقول: لو اتفقت الفصائل الإسلامية وتوحّدت، فبشكل تلقائي سيتجه الجيش الحر للوحدة...فالعلّة في ما يسمى الفصائل الإسلامية...!!!
3  الشعب السوري: لقد خضع الشعب السوري طوال 40 عاماً لسياسة ممنهجة لإفساده، والشيء شبه الوحيد الذي نجح فيه نظام الأسد بامتياز هو إفساد الشعب السوري؛ لذلك صُنِّفت سوريا   قبل قيام الثورة  في المرتبة التاسعة عالمياً في معيار الفساد، وهذا الفساد في مختلف الجوانب: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية...
ومضت ست سنوات ولم ينصلح حال الشعب السوري عموماً؛ بل بقي الفساد يعشعش في مختلف جوانبه...
وبكلمة دقيقة: لم يكن الشعبُ السوري على مستوى الحدث الجلل في سوريا؛ لذلك يعتبر عموم الشعب السوري مشاركاً في قتل الثورة السورية...
قد يقول قائل: هذا كلام مبالغ فيه، وقد انصلح حال العديدين من الشعب السوري...!!!
نقول: نعم قد انصلح حال ثلّة قليلة، لكن الأغلبية من أهل السنّة ما يزالون ينعمون بظلمات الفساد...!!!
ولا يخفى على من يعيش في الداخل السوري أنّ الكثير من أهل السنّة ليسوا على مستوى الثورة لا من قريب ولا من بعيد...!!!
الجهة الثالثة  الأجانب (المهاجرون):
المهاجرون ينقسمون إلى فئتين:
الأولى: تضم مجموعات من الشباب الصادقين المخلصين الذين لا يبخلون بدمائهم الطاهرة، فكان همّهم هو الجهاد، فجعلوا مقاتلة النظام هدفهم الوحيد.
الثانية: تضم مجموعات كبيرة من التكفيريين والمتشدّدين، فمعظم هؤلاء قادة وإداريين وقضاة وشرعيين...
وكان لهؤلاء الأثر القاتل في الثورة السورية؛ فبسببهم:
 انتشر التكفير في سوريا.
 وظهرت عمليات القتل والاغتيال...
 وشقّ الصفوف.
 وفشل عمليات الوحدة.
 وزيادة استعداء العالم الخارجي للثورة السورية.
 وزيادة الشقاق الاجتماعي بسبب سياسات التكفير والتفسيق والتبديع بغير حق...
والآن ما هي أخطر الجهات التي تقتل الثورة السورية..!!؟
الخطر الحقيقي هم السوريون أنفسهم، فلو كان السوريون على مستوى نبل وقيمة الثورة لما استطاع العالم الخارجي أو المهاجرون أن يقتلوا الثورة...
ففساد  عموم  الشعب السوري وقادة فصائله المقاتلة هم السكّين التي تُذبح بها الثورة السورية...!!!
والآن هناك فرصة لإعادة الروح إلى هذه الثورة التي تُذبح، وتتمثّل هذه الفرصة بانتفاضة الشرفاء من أبناء الشعب السوري، والشرفاء من المقاتلين...على القادة العسكريين في جميع الفصائل وعلى القادة السياسيين، وأن يرموهم على مزابل التاريخ، فهؤلاء القادة سرطان فتك بجسم سوريا الذبيحة، ولا أمل في صلاحهم...وكما قالت العرب قديماً: الذي يُجرِّبُ المجَرَّب عقلُه مُخرَّب...!!!!
وألا يربط الشعب السوري مصيره بالعالم الخارجي، ولو كان العالم الخارجي ملائكة، فلن يقفوا مع السوريين وهم بهذه الحالة من الفرقة والفساد، فالفرقة والفساد تجعل الأمم كالأموات...
فكيف يقف العالم الخارجي مع الأموات...!!؟