الرئيسة \  مشاركات  \  موقف الإخوان من وفاة الأسد وثورة الشعب - الحلقة (4) .. الثورة السورية ومتغيرات داخلية وخارجية

موقف الإخوان من وفاة الأسد وثورة الشعب - الحلقة (4) .. الثورة السورية ومتغيرات داخلية وخارجية

12.07.2018
محمد فاروق الإمام




إرهاصات قيام الثورة (15 آذار/مارس 2011) وادعاء المؤامرة
سوريا قبل حكم أسرة الأسد كانت القوى الإقليمية ممثلة فى مصر جنوباً والعراق شرقاً وتركيا غرباً، فلم تعط الفرصة لها بأن يمتد تأثيرها أو نفوذها خارج حدودها. غير أن السياق الذى جاءت فيه أسرة الأسد، بالاتفاق مع حلفائها الغربيين وإيران، جاء ليفرض معادلة ظلت راسخة عشرات السنين. بأن تتبوأ سورية مكانتها الإقليمية والاقتصادية مقابل قبولها لأن تصبح طابوراً خامساً لصالح الغرب.
وبالفعل أعطيت سورية آل الأسد المكانة الاقليمية التي حلمت بها، بتدبير غربي وتنسيق إيراني متكامل. لكن الغريب في المسألة أنها سوقت نفسها للعالم العربي كجبهة مقاومة ضد إسرائيل، وعلى هذا سارت الأمور كالتالي: عداء ظاهر بين الغرب وسورية، وتنسيق تحتي كامل يخدم الطرفين. وحتى تنطلي اللعبة على الشعوب العربية، تم تضخيم سورية المقاومة والممانعة بصورة غير مسبوقة. في مقابل تقريب الغرب للأطراف التي قبلت السلام مع إسرائيل لحرق وتشويه صورتها بين العرب. ولما كان هذا السياق يخدم جميع الأطراف التي رتبت لصناعته، جرى السير فيه حتى بداية 2011. حيث ظلت تلك المعادلة هي التي تحكم علاقات سورية الإقليمية والدولية على كل الأصعدة.
من المؤكد أن التغييرات التي جرت في العالم العربي في مستهل عام 2011، قد فرضت نفسها على الأوضاع في سورية.
رغم هذا، فإن تماسك الثوار السوريين وتقاربهم وإعلان تحديهم، واستمرارهم في ثورتهم، رغم التضحيات الهائلة التي قدموها، وأنهم على استعداد لتقديم المزيد حتى يرحل النظام الأسدي برمته، ستجبر الروس والغرب جميعاً على تغيير موقفهم. ولعل المقابلات الرسمية والعلنية التي جرت بين الساسة الروس وبعض أعضاء المعارضة السورية بمختلف تنوعاتها تقول بأن العامل الداخلي هو الملهم والمحرك لكل التحركات الخارجية، الإقليمية منها والدولية على كل الصُّعُد.
 
المواقف الخارجية
من المؤكد أن التغييرات التي جرت في العالم العربي في مستهل عام 2011 قد فرضت نفسها على الأوضاع في سورية، فكان قيام الثورة السورية منذ منتصف مارس/آذار 2011 هو العامل الحاسم في تغيير المعادلة التي فرضتها أسرة الأسد من قبل، ومن المؤكد أن رواية النظام السوري عن نفسه بأن الثورة تعد خيانة لجبهة المقاومة قد فتح الطريق أمام رواية أحادية الجانب سوقها نظام الأسد بأن العامل الخارجي هو العامل الفصل في قيام هذه الثورة، ولعل المؤشرات التي يسوقها النظام السوري عن تأثير الخارج في إشعال وتأجيج تلك الثورة تؤكد بأنه هو المصدر الوحيد وراء شائعة وجود أيدٍ خارجية تقف خلف الثورة السورية.
ويبدو أن النظام السوري استسهل عملية الارتكان للتسويق بالدور الخارجي، أملاً في سد الأبواب التي يمكن أن تفتح للثوار في الخارج من ناحية، ولينفرد بهم من ناحية ثانية، بل إن بشار الأسد وأعوانه منذ أن انطلقت الثورة السورية وهم يتوعدون بإحداث القلاقل في كل مكان، في السعودية والكويت وقطر وغيرها من الدول التي توجد بها أقلية شيعية، ضاغطاً على تلك الدول لحل أزمته الداخلية، ومساعدته في الاحتفاظ بحكمه إلى أقصى مدة ممكنة.
 
الموقف العربي
أمام تعنت الأسد واتباعه أسلوب القمع في القضاء على الثورة راحت الدول العربية تعمل قدر الإمكان على إنقاذ الشعب السوري من بطش هذا الطاغية السفاح، فتغاضوا عن تصريحاته العنترية، وأرسلوا الوفود، وقدموا مبادرة لإنهاء الأزمة، غير أن النظام السوري تمادى في تعنته وتماديه في جر البلاد إلى نوع من الحرب الطائفية وتخويف الأقليات إن هو سقط، وراح يركز على مناطق السنة في سورية، ويقتل المدنيين العزل ويشردهم، وبدا واضحاً كأنه يحضر لتقسيم سورية من خلال تفريغ مدن وبلدات وقرى كاملة من سكانها بهدف إقامة كيان ذي طبيعة طائفية من لون واحد يمكن أن يتعايش معه ويرتضيه حاكمً له مدى الحياة عندما يشعر أن الخناق ضاق عليه وأفلتت الأمور من يده ولم يعد أمامه إلا الاحتماء بحصنه الأخير الذي يستطيع الدفاع عنه بدعم من حلفائه في طهران والضاحية الجنوبية وموسكو والصين وبما يحتفظ به من أسلحة متطورة وحديثة جمعها ويجمعها في حصنه الأخير.
ظل الأسد ورجاله يتعاملون بتكبر وصفاقة مع الثورة ومع الأنظمة العربية التي روعها الحال التي وصلت إليها سورية وإلى حجم الدماء التي سفكت والأرواح التي أزهقت.
مرت شهور عديدة ولم يغير النظام السادي طريقة تعامله مع الداخل والخارج السوري، مرت شهور عديدة والداخل السوري هو الذي يضغط، وهو الذي يفرض نفسه وكلمته على كل الأجندات المحلية والإقليمية والدولية، مرت شهور عديدة لتصبح كلمة الداخل هي القول الفصل في كل الأحاديث وكل المنتديات، بل إن ما ارتكبه النظام السوري من حماقات ضد الشعب خلال تلك الشهور الطويلة جعلته يسير في نفق مظلم لا قاع له.
من هنا، فإن قرار الجامعة العربية في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 بتعليق عضوية سورية، قد جاء استجابة لضغوط الشارع السوري في الأساس، وتنفيذاً لإرادته وليس العكس، ومع أنه كان قراراً حكيماً في فهمه وتعبيره عن مطالب الجماهير، إلا أن مجيئه مفاجئاً لنظام كان يدعي دائماً أنه ممسك بزمام الأمور ومسيطر عليها، ومفاجئاً للقوى الخارجية التي تقف خلفه، مرسخاً فكرة أن الثورة السورية يحركها الخارج الإقليمي في إطار مؤامرة كونية يتعرض النظام المقاوم لها.
وبتحليل قرار الجامعة العربية بتعليق عضوية سورية يتضح أن القرار جاء بعدما استنزف أعضاؤها كل الجهود الممكنة وغير الممكنة لحل الأزمة، ولعل المبادرة التي قدمتها الجامعة العربية للنظام الس السوري تعد تلخيصاً لتلك الجهود التي بذلتها منذ قيام الثورة حتى قرار التعليق، ولعل قبول الأسد لتلك المبادرة لفظياً، ومحاربته إياها على أرض الواقع، يعد استمراراً للعبته بين الداخل والخارج. ومن ثم فإن قرار الجامعة جاء ملخصاً للفهم العربي لتلك الألاعيب التي يمارسها النظام السادي الغبي، وتأكيداً على عدم قبولها للرواية التي يصدرها لهم، فقد جاء القرار متضمناً موافقة الغالبية العظمى 19 دولة، ورفض اثنتين، اليمن ولبنان، وامتناع دولة واحدة عن التصويت هي العراق، بما يعنى فضيحة لأنظمة هذه الدول، وأنهم فقط هم الذين يقفون خلف نظام الأسد. حيث جاء القرار ليعلن أن هناك ثلاث دول فقط هي التي تشذ عن المنظومة العربية. وليؤكد بأن تحجيم الأنظمة الموالية لإيران في العالم العربي قد بدأ تنفيذه على أرض الواقع. وليقول للحالمين برسم الهلال الشيعي الممتد من طهران حتى الضاحية الجنوبية مروراً ببغداد ودمشق بأن هذا هو حجمكم الطبيعي، وهذا هو وزنكم الحقيقي.
بل إن دلالة القرار في غاية الأهمية، ليس فقط في ترسيخ أن الموالين للخط الإيراني أقلية، ولا أهمية لهم في أعين العرب، بل ليقدم رسالة قوية للغرب المتواطئ معهم ويلعب اللعبة لصالحهم، بأن أعوانه لا قيمة لهم ولا مكانة لهم بين العرب.
وهذا هو الأمر الذي جعل النظام السوري يترنح ويطلق التصريحات الصاعقة في كل مكان، ويهاجم العرب وبالأخص السعودية وقطر وتركيا، على اعتبار أن تلك الأقطار هي التي تمثل العامل الخارجي في اشتعال الثورة السورية. بل إن تركيا نالت النصيب الأعظم من الهجوم بحجة أنها تؤوي المعارضة السورية وقيادات الجيش الحر، وتمثل ملاذاً اَمناً للفارين من نظام الأسد. وحين شعر بأزمته الداخلية والخارجية راح يطلب اجتماعاً عاجلاً للجامعة العربية مرة أخرى لمناقشة الأزمة، ويحاول استجداء النظم التي كان يلعنها ويسبها ليل نهار.
من ناحية أخرى فإن قرار تعليق العضوية أحرج الطائفة التي ينتمي إليها الأسد، مما دفع بعضهم إلى التمرد عليه والانشقاق عنه والانحياز إلى مسيرة الثورة، وكذلك كان الحال مع بقية الطوائف والأقليات الأخرى، التي ظن الأسد أنه قد انطلى عليها تخويفه لها من المصير المأساوي الذي يمكن ان تتعرض له في حالة سقوطه، كالدروز والإسماعيليين والمسيحيين، فانضم بعض هؤلاء إلى الثورة.
السؤال الذي يطرح نفسه: هل المعادلة التي تغيرت في سورية تمت بأيدٍ خارجية أم بأيدٍ داخلية؟ الإجابة تبدو محسومة بأن العامل الخارجي كان في الماضي في صالح الأسد على طول الخط. الجديد الذي حدث هو أن الشعب هو الذي خرج على الأسد هذه المرة. فتقريبا75% من الشعب يقفون ضد الأسد. وكان من الطبيعي على القوى الإقليمية ألا تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى نظاماً يقتل ويشرد ويسفك الدماء ليل نهار، فكان ما كان من قبل الجامعة العربية.
 
الموقف الغربي
أما القوى الغربية التي تؤيد نظام الأسد من تحت الطاولة، فقد وجدت نفسها أمام حرج شديد: شعب يخرج برمته على رجلهم الذي صنعوه كما صنعوا أباه من قبل، على أعينهم في جانب، ووجدوا صنيعتهم أحمق يرتكب من الأخطاء ما يكشف ترتيباتهم ويفضحها بصورة تؤثر على مستقبلهم في المنطقة في جانب آخر، ويبدو أن الغرب وجد حل هذه المعضلة في وضع روسيا والصين كعقبة ضد أي حلول تفرض من الأمم المتحدة ومجلس الأمن لرعاية المدنيين، وبالطبع فإن هذا الترتيب كشف اللعبة التي تجري في الخفاء بين رجالات الغرب وروسيا، وهذا هو الوجه القبيح الذي أظهروه للثورة والثوار السوريين.
يتبع