الرئيسة \  مواقف  \  موقفنا : البرنامج العملي لهزيمة مشروع ( التطرف باسم الإسلام ) .. مسئولية قوى الإسلام الحق أولا

موقفنا : البرنامج العملي لهزيمة مشروع ( التطرف باسم الإسلام ) .. مسئولية قوى الإسلام الحق أولا

25.01.2015
زهير سالم




شكل ويشكل مشروع التطرف باسم الإسلام تهديدا عمليا ناجزا لمشروع الإسلام الحق . وهو بإيجاز شديد يصادر على الإسلام والمسلمين مشروعهم . ويرتدّ سلبا على ربيعهم ، ويُجلب عليهم ، ويحملهم جرائره وآثامه ، ويضعهم في مواجهة كل أمم الأرض . في مشروع استعداء عبثي لا يقوم على فقه ولا تدعمه حكمة ولا تؤيده قدرة لا مادية ولا معنوية ...
ومهما قلنا في تحليل ظاهرة التطرف وأسبابها ودواعيها ؛ فلا أحد يستطيع أن ينكر أن للظاهرة أسبابها وبواعثها التاريخية والمعاصرة ، وأنها يشتبك فيها : الديني بالسياسي بالثقافي والاجتماعي على حد سواء . ومهما حاول الفرقاء المحللون أن يتدافعوا المسئولية عن نشوء هذا التيار أو هذه القوى ، وإلقاء العبء كلٌ على من عداه ؛ فلا أحد ، بمن فيها قوى الاعتدال الإسلامي بكل مدارسها ، يستطيع أن يدفع المسئولية عن نفسه مطلقا . العقلاء الموضوعيون هم الذين يبحثون عن موطن الخلل ثم يضعون أصبعهم عليه .
 أزعم في هذه القراءة التحليلية أن مشروع التطرف باسم الإسلام – ولا أريد أن أقول الإسلامي – يهدد الإسلام : الدين والعقيدة والثقافة والمنهج والشريعة والإنسان أكثر مما يهدد الأمريكي والصهيوني والصفوي وأكثر مما يهدد الأمريكي والصهيوني والصفوي الإسلام ومشروعه وإنسانه وهو تهديد خطير وعميق . فدائما الداء الخفي أشد خطرا من الداء الجلي . والجواني أخطر من البراني كما تعودنا أن نقول .
اشتغل الكثيرون على بيان الخلل في الاستراتيجية الدولية والأمريكية فيما دعاه هؤلاء ( الحرب على الإرهاب ) . ليس من شأن هذه القراءة التحليلية أن تغرق في الحديث عن ( المشروع الأمريكي في الحرب على الإرهاب) . وإن لم يكن بد فمن الممكن أن نشير في هذا الموطن إلى ثلاثة عيوب قاتلة في الاستراتيجية الأمريكية في بلادنا بشكل عام : أولا الانتقائية في تكريس من هو ( المتطرف ومن هو الإرهابي ) دون الاعتماد على أسس واضحة وحاسمة وغير قابلة للتشكيك والبلبلة وإثارة التساؤلات. ثم ( التجزئية ) بحيث يبدو المشروع الأمريكي غارقا في نقاط محدودة لا يمكن لدولة عظمى أن تعوم في بركتها ، بحيث يبدو هذا المشروع عاريا عنصريا طائفيا أو عرقيا لا يمكن لأكبر ورقة توت أو تين في العالم أن تستر عريه . وثالثا – رفض الاعتراف بالواقع وبالقوى الحية الممثلة له في عالمنا الإسلامي . إذ لا يزال المخيال الأمريكي متعلقا بصورة للشريك العربي أو المسلم منتزعة من فضاءات القرن العشرين الاستعمارية . في صورة الجنرال العسكري المؤدي للخدمات والمحقق للرغبات .
لا نستطيع أن نجزم هل يدرك الأمريكي أن إطفاء الحريق هو المقدمة العجلى لمعالجة آثاره ، أو أنه بحاجة إلى من يذكره بهذه البدهية . يقول البعض إن العقل الأمريكي والأوربي أذكى من أن يذكر بذلك . وإنما هو بخبث يريد تسعير الحريق في سورية أكثر، وإنْ على حساب دماء الأبرياء من النساء والأطفال ، كنوع من التحدي لمشاعر مواطنيه من شباب المسلمين استفزازا وإثارة لسوقهم إلى ساحة الصراع على أرض بعيدة حيث يحققون هناك هدفين استراتيجيين : كشفهم أولا ونبذهم أو التخلص منهم بالقتل أو النفي ثانيا ..
نعود إلى الحديث عن مشروع التطرف باسم الإسلام حيث يوضع أصلا وأولا وقبل كل شيء في مواجهة المشروع الإسلام الحق فيصادره ، ويقطع الطريق عليه وعلى دعاته ، ويعطي عنه مثل السوء المنفّر الذي يشهد على الإسلام في عقول وقلوب الناس ولا يشهد له .
إن أخطر ما في مشروع التطرف باسم الإسلام أنه ، إن كتب للحاملين له، الانتصار الميداني وهو أمر مستبعد بكل المعطيات والمعايير ، فإنه بالطريقة التي يعرض بها ، وبالطريقة التي تطبق بها ابتسارات منه هنا أو هناك مشروع ميت غير قابل للحياة ، وغير قادر على الاستجابة لتحديات المجتمعات والدول العصرية ، وغير قادر ثالثا على تأمين متطلبات الحياة بآفاقها في القرن الحادي والعشرين ، هذا إذا تجاوزنا عن عجز وجهل وإفراط وتفريط .. ...
نعود إلى ما سبقنا الحديث عنه إلى أن أصحاب المشروع الإسلام الحق على اختلاف توجهاتهم ومدارسهم وتياراتهم وفصائلهم هم المتضرر الأول من هذا المشروع ، وهذا يقتضي أن يكون هؤلاء هم المبادر الأول للتصدي لهذا المشروع بطريقة لا تقع أولا في قوس الاستراتيجية الأمريكية ، لأننا نزعم أن الاستراتيجية الأمريكية بما تملك من قدرة على الاستعلاء والاستحواز الماديين ستكون قادرة على احتواء أي مشروع ، وتوظيفه في مصالحها وحرفه ، وهذا هو الأخطر ، عن هدفه الحقيقي .
يجب أن يبادر أصحاب المشروع الإسلامي الحقيقي إلى تقديم مبادرة عملية متكاملة للتصدي لمشروع التطرف بكل أشكاله . مبادرة تتجنب أولا كما أسلفنا الوقوع في الحبال الأمريكية ، وتتجنب ثانيا الوقوع في الأخطاء الأمريكية النظرية والعملية ، وتتجنب ثالثا الإغراق في الكلام النظري الذي يقود إلى المراء والجدل أكثر مما يقود إلى العمل . مشروع يمكن أن نلخصه بعنوانين : حضور ورؤية
فهاهنا مشروع مخالف أو خصم يعمل على الأرض ، يتحرك بخطوات عملية ، هناك من يزعم ونحن منهم أنها خطوات فوضوية عبثية غير محسوبة يجب أن تقابل بخطوات منظمة جدية وقاصدة ومحسوبة أيضا . ونرجو ألا يفهم من عنوان المواجهة ، المواجهة العسكرية المباشرة على الأرض ، فهذه طريقة تفكير العقل الأمريكي الذي بدأنا بالمطالبة بتجنبه . المواجهة العملية بأبعادها الدينية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية بخطاب يتجنب أولا عمومات ومطبات خطاب المراحل الغابرة والتأشير بحبر أسود على مفاصل التباين ومواطن الاختلاف بين مشروع ومشروع ومنهج ومنهج وفقه وفقه .
لا يمكن أن تتصدى لمشروع يجوس عمليا بين الناس بالريموت كونترول . ومهما يكن حجم الاقناع الذي يملكه خطاب هؤلاء المتطرفين فهم يستقطبون مؤيدين ومجندين من الداخل والخارج أكثر مما يستقطب الآخرون ، وهذه نقطة مهمة تعين على فهم ما نحن فيه بطرح السؤال : لماذا ؟
لماذا يستقطب أصحاب مشروع التطرف باسم الإسلام من شباب الاسلام في الداخل والخارج أكثر مما يستقطب أصحاب مشروع الإسلام الحق الذين تعودوا أن يصفوا أنفسهم بأنهم قوى الوسطية والاعتدال ...؟!
وبغض النظر عن حاجة المشروع الحق إلى مجندين من الخارج ، يتحدون قوانين بلادهم ، وإرادة مجتمعاتهم وحكوماتهم ؛ يبقى السؤال المطروح مشروعا ، ويتحول السؤال في حالة المستجيبين من الخارج كيف كان من الممكن لرؤية ثورية وسطية أن تكفي نفسها مؤنة ( المقاتلين الأجانب ) ليس بهدر جهدها وجهادها ، وإنما بتوظيفها إيجابيا في أطر قوانينها المحلية في خدمات سلمية مشروعة وأكثر فائدة وجدوى .
اإن لجواب عن سؤال لماذا استجاب كثير من الشباب لدعوات أهل التطرف ولم يستجيبوا لدعوات أهل الاعتدال والتوسط ليس بسيطا ولا مباشرا ولا يمكن اختزاله بإلقاء العبء على الآخرين . في الجواب العلمي الرصين قد نذهب مع حشد السياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي ولكن كل هذا لا يُذهب ما في النفس ولا يجيب عما في العقل ...
لماذا ينجحون ويخفق غيرهم ؟! مع أنهم لا يدعون الشباب الذين يستجيبون لهم إلى نزهة ، ولا إلى جولة سياحية أو لا إلى ندوة حوارية بلاغية ، ولا يدعونهم إلى ( جهاد النكاح ) كما تزعم قناة الميادين ومشتقاتها ، وإنما هم يدعون من يستجيب لهم إلى الموت . الموت الأحمر أو الأسود أو الأصفر سمه كما شئت .. ويجدون من يجيبهم إلى الموت ؛ أعلم أن الجواب على السؤال بصدق وموضوعية لن يعجب أصحاب سياسات العجز والتواري والوراء وراء والجري وراء اللعاعات واللحاق بالقطار قبل أن يفوت ...
إن هذه القراءة التحليلية لا تريد أن تلغي من العوامل الديني والثقافي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي بل هي أول من تؤكد على هذه العوامل وتؤشر عليها، ولكنها إذ تبحث عن الكلمة المفتاحية التي تجيب عن السؤال الأهم : لماذا استجاب ولا يزال يستجيب كثير من الشباب لقادة مشروع التطرف ولا يستجيبون لغيرهم هي في كونهم : أقدموا وأحجم غيرهم . حضروا وغاب غيرهم ، أثبتوا في مستنقع الموت أرجلهم ، دعوا الناس إلى ميدان جهاد عملي وإن كان تحت راية ( عمية ) ، بينما ظل الآخرون يرددون ها..ها ...مرة أخرى يجب ألا تعتبر هذه القراءة التحليلية دعاية أو تحريضا أو دعوة للانخراط في صفوف هؤلاء الذين أبسط ما يفقدونه هو سداد الرؤية والعمل.
بينما قيادات مشروع الإسلام الذي يسمونه ( الإسلام الوسطي المعتدل ) لبسوا في هذه الثورة للناس مراييل والراهبات والرهبان ، وحملوا سلال الغذاء وهي ضرورية ، وأكياس الدقيق وهي ضرورية ، وحقائب الدواء وهي ضرورية وهم مشكورون ، ولكن كل هذا يعالج حطام المعارك ولا يقود المعارك . لا يرفع لها راية ولا يحقق فيها غاية.
هناك شباب مسلم في سوية مهمش مطحون يريد أن يشعر أنه فاعل ، وأنه مؤثر وأنه ينفذ إرادته وحين لم يجد راية منصوبة للحق بالحق تستقطبه وتوظف جهده وترشده وتعلمه وتفقهه وتعطيه فرصته الحقيقية الإيجابية الرائعة والجميلة ، فرصته المنضبطة والأخلاقية صاحبة المشروع في أدائها وفي رؤيتها وتفعل كل هذا في وقت معا ، انساق مستجيبا لدعوة عميّة لأهل باطل مموه باسم الإسلام والجهاد والشريعة والمنهج ...
والسؤال لماذا نكل ولماذا ما زال ينكل أصحاب مشروع الإسلام الحق عن هذا ؟! والجواب إن المسئولية ( لا تقع على عاتق الأسدية والصفوية والامبريالية الدولية والإقليمية ) وحدها . نعم على هؤلاء نصيب من المسئولية قد نختلف شيئا ما في تحديد أنصبته ولكن على الذين حملوا مسئولية قرار مشروع الاعتدال الإسلامي مسئوليتهم أيضا . مسئوليتهم عن تفويت الكل وعن تفويت الجل وعن تفويت القليل وعن تفويت من القليل الأقل ...
ومن الحق أن نسأل أين كانوا ...
وأين هم اليوم قبل أن يحترق القطن والقطان ...
حسب وول ستريت جورنال كما نقلته الصحف العربية بالأمس : أن تغيرات جذرية حدثت في الاستراتيجية الأمريكية تجاه الأزمة السورية: تغيرت هذه الاستراتيجية من مواجهة نظام ( بشار الأسد ) إلى التعايش معه في ظل تنامي تنظيم الدولة والتيارات المتطرفة في سورية ....
لندن : 4 / ربيع الآخر / 1436
24 / 1 / 2015
----------------
*مدير مركز الشرق العربي
للاتصال بمدير المركز
00447792232826
zuhair@asharqalarabi.org.uk