الرئيسة \  مواقف  \  موقفنا : في تكوين الرأي وفي التعبير عنه

موقفنا : في تكوين الرأي وفي التعبير عنه

07.07.2019
زهير سالم




لكل إنسان طريقته في تكوين رأيه عن أي قضية شخصية أو اجتماعية أو سياسية . أخطر الطرق  في تكوين الرأي هو التمسك بالموروث النمطي ، في شخص أو في واقعة أو في مفهوم .
وأول ما يجب أن نعلمه أن في العالم أجمع مؤسسات كبرى تعمل على تشكيل الرأي العام ، رأي الأكثرية من سواد الناس ، وربما أقل هذه المؤسسات  دورا  هو الإعلام بماكينته الضخمة  .
هل تتذكرون من السينما المصرية - مثلا - منذ الخمسينات صورة العالم الأزهري الهلفوت الذي يدخل دائما في صورة مزرية مضحكة لإثارة السخرية من الدين ومن الأزهر ومن عقد الزواج حتى؟!
التعامل مع الأشخاص والقضايا بالرأي المسبق من أخطر ما يقع فيه الإنسان . وللرأي المسبق خلفيات كثيرة كلها يجب أن نبرأ منها لتكون لنا رؤيتنا المعرفية الصائبة التي نكونها عن كل واقعة بحسبها ، وعن كل شخص في ظرفه . قد يحاكم القاضي لصا صاحب سوابق في اللصوصية ، ولكن واجب القاضي أن يبحث هل هو الذي قام بهذه السرقة أو لا ؟؟ الاستئناس بالسوابق مقبول ، والاعتماد عليها مرفوض.
في كتب العلم عندنا إلحاح شديد على فردانية " الحكم " فتوى كان أو قضاء . وكثير مما نقول أو نردد اليوم هو من هذا أو ذاك دون أن ندري .
 في مقدمة كتاب المجموع للإمام النووي  يقول  : والمستفتي لو نزلت به قضية فاستفتى فيها المفتي فأفتاه ، ثم نزلت به بعد زمن نفس الواقعة فليس من حقه أن يعود إلى نفس الفتوى ، فربما تغير من ظروف القضية ما ينبغي أن يعاد النظر فيه . يجب على المستفتي أن يعود إلى المفتي. بمفهوم ما أقول هنا : أي أن لا يحكم على الأمور برأي مسبق ، أو تصور نمطي معتاد ، وهو غير منتبه لملابساته وخفاياه ومقترناته.
 و من " أحكام القرآن  " للقرطبي أنقل " وأجمعوا أن القاضي لا يقضي بعلمه " فلو كان للقاضي علم مسبق تحصل عليه بطريقة خاصة على مدعي أو مدعى عليه ، ليس له أن يحكم على هذا أو ذاك بعلمه المسبق ،  بل عليه أن يقضي بالبينات التي تتوفر بين يديه في مجلس القضاء .
وتعقيبا مني أقول وفي بعض الأحيان يقوم القاضي باعتزال الحكم في القضية ويحول نفسه إلى شاهد إذا أراد ..
كثير من الناس يكوّن رأيه في قضية ما ، كما قلت بموقف مسبق ورثه من بيئته أو من ثقافته . أو من التسامع ، وما أضعف رأي الرجل وقد ركب مركب زعموا .
أو يكونه من هوى غالب عليه من حب أو بغض لعصبية دينية أو مذهبية أو سياسية أو حزبية أو بلدية أو عشائرية أو فئوية وكل هذا يجب على الإنسان العاقل الحصيف أن يجل موقفه عقله وقلبه عنه ، وأن يذكر دائما " ولا تقف ماليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا "
ومهم آخر في سياق ما نحن فيه في كثير من القضايا الصغيرة التي يصرف فيها الناس أوقاتهم هذه الأيام ، ولن أمثل لها أمثالا لأن التمثيل بها يعيدها جذعة عند كثير من الذين لا يعلمون ، لأكون رأيا في قضية يجب أن أتوفر عليها بالبحث ، و يجب أن تكون مما يستحق البحث في الظرف المقدر لها . وما كل وقت يتسع لإعراب " حتى " وقد مات الفراء أو الأخفش وفي نفسه شيء من " حتى "  ..
رجل فقد عشرة دنانير لا يضيع مائة دينار في البحث عنها . هذه رياضيات بحتة فيما أظن ..
وأنا غير مطالب أن أقول رأيا في كل واقعة ، فالحي القيوم هو مدبر الكون القائم على كل نفس بما كسبت .
ويجب أن يرشدنا دائما فقه قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء " وما أكثر ما تصطدم مع الناس وأنت تعمل هذا الحديث الشريف الجليل .
وحين يكون همك إنقاذ الجريح تمزق ثوبه عن موضع جرحه ولا تنظر إلى قيمة الثوب .
وقال : لن نمضي على طريق الثورة حتى نحاسب من غلَوا ومن غلّوا ، الأولى من الغلو والثانية ، من الغلول ، وأقول لو سمع بشار الأسد كلامك لأعارك منبرا ، بل لعله قد فعل ..
وأجمل القول قول ربنا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ).
لندن : 3/ ذو القعدة / 1440
6/ 7/ 2019
____________
*مدير مركز الشرق العربي