الرئيسة \  مواقف  \  موقفنا : في الأستانة ...الاستسلام لحساب الآخرين !! .. دعوة للبحث عن خيار أقل سوءً

موقفنا : في الأستانة ...الاستسلام لحساب الآخرين !! .. دعوة للبحث عن خيار أقل سوءً

14.01.2017
زهير سالم




لا أحد ينكر حجم الانعكاسات السلبية الخطيرة  للتحولات في المواقف الإقليمية من روسية ، ومن إيران ، وبالتبعية من الشعب السوري ، وثورته ، وقضاياه ومصيره .
وللتلخيص والتمييز :
الموقف السياسي لا يحسب بحساب العواطف والمشاعر والنوايا . وينماز الموقف السياسي عن الموقف الإنساني وما قد يتلبس به من شفقة وإحسان .  يتمثل الموقف السياسي ، في مفهومه العام ، في ملموسات رقمية يمكن رصدها وحسابها وقياسها اتجاها وأبعادا وثقلا في ساحات الصراع ، بأبعادها العملياتية دعما وإمدادا بالسلاح بالرأي والمشورة  والمعلومات والدعم في المحافل . ولاسيما حين نتحدث عن ثورة شعبية عفوية ينقصها الكثير من التجربة والخبرات ، كمثل ثورتنا السورية .
 وفي حساب الموقف السياسي  ينفصل السياسي بكل أبعاده عن الإنساني بكل أبعاده . وإن إصرار بعض الناس على خلط السياسي بالإنساني فيه جهالة أو تضليل لا يليق بالعقلاء . و فصلنا السياسي عن الإنساني ، لا يعني أننا لا نشكر كل من أعان السوريين ولو بشق تمرة . فكيف لمن فتح بلده وسن لحسن الضيافة قوانين وشرّع تشريعات ..؟!
نحن ، ولم يعد أحد ينكر ذلك ، أمام تحول خطير في المواقف السياسية لدول الإقليمية . يبلغ خطره حدا أن الكثيرين منا لا يجرؤون على الإشارة إليه بله مناقشته ، كما يفعل العامة مع الأمراض الخبيثة خوفا وهلعا .
وإن التقديرات السلبية الصامتة لعواقب التحول المشار إليه ، الناتجة عن حالة من الهلع النفسي ، هي أسوأ أنواع التقدير . العقلاء إذا حزبهم أمر استوعبوا صدمته ، ثم عقلنوه ودرسوا تبعاته بحكمة وروية . إن الانهيار الذي نتابعه على الساحة السورية على مستوى الفصائل ، ومستوى القوى السياسية هو ناتج صدمة نفسية عنيفة آن للسوريين أن يستفيقوا منها ..
نعم آن للسوريين جميعا أن يستوعبوا صدمتهم وأن يستفيقوا من غفلتهم . وآن للقوى السياسية – أولا - أن تتقدم لتتحمل مسئوليتها التاريخية فالصمت والانكفاء لا يعفيها من المسئولية لا أمام الله ولا من أمام الناس .
وآن – ثانيا - لقادة الفصائل المندفعين بدوافع متعددة منها الثقة الزائدة بالذات ، أو بالآخرين ، أو الشعور بانغلاق الأفق ، او التنافسية البينية ( الفصائلي – الفصائلي ) أو ( الفصائلي – السياسي ) أن يدركوا أين هم ؟ وأن يعلموا أين يذهبون ..
آن للجميع أن يعودوا إلى رشدهم وإلى صوابهم ، وأن يتعرفوا على ما في أيديهم من أوراق قوتهم ، ومن مستجدات ظروف معركتهم ، وأن يعيدوا فرز القوى من حولهم على أساس المستجدات الواقعية ، بعيدا عن الأماني والترديدات الفارغة لا طائل من ورائها .
آن للسوريين جميعا أن يعيدوا تحديد موقفهم من ثورتهم ، بعيدا عن التعلق بحبال الوهم ، وسياسات الكذب على الذات ، وهم أمام خيارين لا ثالث لهما: ثورة ومضاء ووفاء ولهذا الخيار تشكلاته وأساليبه على ضوء المستجدات . أو استسلام عار كالح أجرد أجرب ؛ وكل بلاغة أهل الأرض لن تجمل هذا القبيح ، ولن تستر هذه السوأة ، ولن تعفي أصحاب هذا الخيار من الأوصاف التاريخية التي يستحقون ...
حقيقة أساسية :ما كان للروس أن يكونوا مرجعا ولا وسطاء ولا شفعاء:
لا نظن أن أحدا ممن يزينون للشعب السوري اللجوء إلى فيء بوتين ورحمته وعطائه وجوده وكرمه ورحمته وحبه للسلام  ؛ كانوا سيقبلون به مرجعا ووسيطا لو أنه استخدم ضد شعبهم  ستة قرارات فيتو إصرارا منه على تقتيل السوريين وحرمانهم من حقوقهم و تكريس استعبادهم بقهرهم وكسر إرادتهم ..!!
ما نظن أحدا من هؤلاء كان سيقبل ببوتين مرجعا ووسيطا لو أنه أمطر بعض مدنهم بأربعين ألف غارة جوية خلال خمسة عشر شهرا ، فلم يبق ولم يذر حتى استخدم السلاح المحرم  دوليا،.وجعل من أجساد الأحياء من السوريين حقلا لتجارب تقنياته الإجرامية ..!!
ولا نظن أن أحدا من هؤلاء الذين يزينون للشعب السوري الذهاب إلى الأستانة كان سيقبل الذهاب إليها لو أن الروسي والإيراني الممسكين بقيادها قتلوا من ( بني قومه ) مئات الآلاف من البشر وعشرات الألوف من الأطفال ، والنساء ودمروا المنازل والأوابد والمساجد والمدارس والمستشفيات ..!!
نكتب كل ذلك ، ونحن نتفهم ، أن المنكسرين في الحروب يوقعون دائما على صكوك الاستسلام ..
نتذكر كيف وقع امبراطور اليابان على استسلام بلاده بعد القنبلتين النوويتين في هيروشيما وناغازاكي . ونقدر أن ما نزل بالسوريين من خذلان وما نزل على أرضهم من أدوات الدمار لا يقل من وقع القنبلتين معا ؛ ولكننا نقدر أيضا أن السوريين لا يزالون يملكون خيارات أقل سوء من الاستسلام ومن الذهاب إلى الأستانة الذي لا يعني شيئا غير هذا الاستسلام..
نتذكر كيف وقع القادة الألمان صك استسلام برلين ، كما وقع الذين أسلموا حلب ، صك استسلامها ؛ ولكننا نعتقد مع إدراكنا لحجم المتغيرات الكارثية التي أصبحت تحيط بالثورة السورية  ؛ أن السوريين ما زالوا يمتلكون خيارات أقل سوء من خيار الاستسلام ، المعروض في الاستانة ، خيار الاستسلام المقيت الذي يجمجم عن توصيفه الكثيرون ، والذي يراد لحساب الآخرين ولمصالحهم ...
أيها السوريون ...
هذه ثورة تاريخ ينتظر لها أن تغير وجه العالم فيقال ما قبل ثورة السوريين وما بعد ثورة السوريين ..
وهذه ثورة كلفت أهلها دماء مليون شهيد ، وعذابات عشرة ملايين معتقل وشريد ..
أيها السوريون ..
من تعب ، فليتقاعد ، أو ليقعد ، أو لينسحب من الساحة ، فإن لهذا الشعب ربا يحميه ، وإن لهذه الثورة سواعد تدافع عنها ، في كل مرحلة بالأسلوب الذي يجدي ويليق ..
أيها السوريون ..
من كان عنده فضل قوة فليعط هذه الثورة وهذا الشعب من قوته ، ومن آل أمره إلى يأس وضعف وجبن وخور فليكف شرّه وهذا خير ما يفعل . ولينج بنفسه . وليعد حساباته الشخصية ، ولا يقل متذرعا : فمن لهؤلاء المستضعفين ؟! هؤلاء المستضعفون بحاجة إلى قوي ينصرهم ، وليس إلى سمسار يتاجر بضعفهم ، ويتباكى على مأساتهم  ...
أيها السوريون ..
التخلي ، وإدارة الظهر ، والتسلل لواذا ، والصمت المريب ، والتماهي مع الفاجعة التي يحضر لها في الأستانة كل أولئك هي أسوأ خياراتكم . وما جعلكم الله في دار ضياع ...
اللهم انصر من نصر . واخذل من خذل . اللهم أيد من أعان على حق ، أو أمر به ، أو حض عليه ، أو ذكر به ؛ اللهم ومن غيّر وبدّل ومكّر واستهتر فاكفناه بما شئت وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير.
 
لندن : 15 / ربيع الثاني / 1438
13 / 1 / 2017
----------------
*مدير مركز الشرق العربي
zuhair@asharqalarabi.org.uk