الرئيسة \  مواقف  \  موقفنا : في إعادة بناء النخب المجتمعية

موقفنا : في إعادة بناء النخب المجتمعية

31.05.2020
زهير سالم





منذ أيام طلب مني إخوة في بعض المجموعات عنوانا مدنيا يشتغلون عليه ..
قلت ادرسوا كيف غيرت حكومات ما بعد الاستعمار " تركيبة النخب المجتمعية في أوطاننا وكيف يمكننا أن نجدد البناء ؟؟ " فرأيتهم تلكؤوا واضطربوا وتأخروا ثم انصرفوا ..
وأعود إلى طرح الموضوع بصيغة سؤال : فمن هم الذين يمثلون النخب المجتمعية في أوطاننا اليوم ؟! ومن هم المتصدرون ؟ ومن هم المتسيدون على رضا منا أو كره ؟!
لفتني أنه بالأمس توفي " ممثل " رحم الله أمواتنا وأمواتكم أجمعين ، فنعته كل الفضائيات والوكالات . قدمت تعريفا به ، تحدثت عن أعماله وأفلامه ، قدمت وأخرت، أفاضت وما قصرت ..
وبالمقابل يموت عالم من العلماء ، من علماء الدين أو الدنيا ، الجادين والحقيقيين ، فلا يسمع بموته أحد ، ولا يبالي بموته أحد ، وربما لم يكن يسمع بجهده وعطائه إلا القليل لأن متابعة إعلامنا لأهل اللهو والهزل أكثر !!
ثقافة أبناء هذا الجيل تحفظ من أسماء المغنين والممثلين والراقصين ولاعبي كرة القدم أكثر بكثير مما تحفظ عن أسماء صناع الحضارة والعلم والتاريخ . طالب آداب عربي لا يحفظ بيتا من شعر المتنبي ، وطالب علوم ويعرف عن نادي برشلونة أو رويال مدريد أكثر مما يعرف عن نظرية الثقوب السوداء !!
منذ أربعين سنة كنت أسير في سوق إحدى العواصم العربية وسألني أحد التجار من أين ؟ قلت من سورية ، قال من بلد غوار ... فكأنه صفعني ..!! لا ليست سورية غوار ولا غير غوار . وقد علمنا هذا منذ كنا أن شامنا هذا هو شام الرسول , وأرضنا هذه هي مدرج درج عليه المسيح . شامنا وطن النبوات وليس بلد : الغواوير ..!!
اللعب على تغيير الممثلية المجتمعية كانت هدفا لمشروع خارجي طويل الأمد وقد نجح أو كاد ... والتصحيح لا يعني رفع الصوت بالإنكار .. على طريقة أوسعتهم سبا وأودوا بالإبل ..
بعض الناس يظن أن الممثلية القديمة كانت تدور فقط على "إمام مسجد الحي ". أقول نعم كان لإمام المسجد ، ولعالم البلدة أو المدينة دوره فيها . ولكن من الخطأ أن يظن ظان أن دوره فيها كان كل شيء . كان " لجمال المحامل " دورهم الأول والرئيس أيضا. وكانوا هم ضابطو إيقاع الأحياء والأسر والحمولات والعشائر، واليوم عاد الناس فوضى ، يضبطهم شرطي مخفر ، أو مخبر الفرع !!
تكونت تلك النخبة من الرجال الذين إذا حضروا حضر العقل و الحلم والجود والبذل والعطاء . ولم تكن الصور وردية في كل الأحيان ..
كانت هذه الطبقة من الناس هي طبقة السراة التي أشار إليها الأفوه الأودي :
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ...
وهذه الطبقة لا يمكن أن يمثلها مهرج ولا أراغوز ولا ألعبان ..
حين نتحدث عن إعادة بناء نخبة مجتمعية جديدة . ندرك تماما حجم المتغيرات ، وطبيعة العصر ، وتطور الصيغ والبنى والطرائق والوسائل والأدوات ..كل الذي نريد أن نؤكده :
- أننا يجب أن نتفق على إعادة تأسيس جديد لبنى مجتمع جديد . وبين المجتمعين الأهلي والمدني يجب أن تتشابك الخيوط ، وتتصل الخطوط . أهم شيء في المجتمع المدني أن لا يمر عبر دكاكين الممولين والمانحين . ومن أمثال مجتمعنا القديم : لن يقول لك مرض إلا وله ثلثا الغرض ..
- أن لا نترك أمر تشكيل هذه النخبة لإعلام موظف مدفوع الأجر من أوكار نحن على يقين من مبتداها ومنتهاها
- أن نرفض أن تمثل مجتمعاتنا بالراقصين والراقصات ، والممثلين والممثلات ، واللاهين واللاهيات واللاعبين واللاعبات ..
- لن ندخل إلى عصر الجد إلا بالجادين والجادات ، ولا إلى عصر العلم إلا بالعالمين والعالمات .. ولن يفيدنا كثيرا أن نظل نشتكي ونقول إنهم ينزعون عنا لباسنا ..كما نزع إبليس عن أبوينا ( لباسهما )..
لندن : 7 شوال / 1441
30 / 5/ 2020
_____________
*مدير مركز الشرق العربي