الرئيسة \  مواقف  \  موقفنا : على السواعد السمر تقوم الثورات .. كفوا عنا جشاءكم .. أسرانا ليسوا رهائن

موقفنا : على السواعد السمر تقوم الثورات .. كفوا عنا جشاءكم .. أسرانا ليسوا رهائن

08.07.2020
زهير سالم




وقامت الثورة الفرنسية على سواعد الطبقة الأقل حظا في المجتمع . على كاهل أبناء الأرياف ، والضواحي ، والأحياء الأشد فقرا ، مما يسمى في هذا العصر " العشوائيات" حتى أطلق على الثورة الفرنسية التي أسست للمجتمعات الحرة في العصر الحديث ثورة " Sans culotte " طبقة الذين لا يلبسون " السراويل " الداخلية . والتي نسميها في عاميتنا " اللبيسات " لفقرهم وتواضع منابتهم وكونهم من أبناء الأرياف والضواحي . ولنتذكر أن الأرياف في أيام الإقطاع الكريه كانت ميدان الظلم ومعدن الفقر ..
ثم لما احتل الألمان النازيون فرنسة وباريس بالذات ، في القرن العشرين ، وقاد ديغول عملية المقاومة ، قامت عملية المقاومة تلك على كاهل الطبقة نفسها . امنع لإرهاب النازي الذي كان يتعامل مع أجساد المعتقلين بطريقة غاية في الوحشية الكثير من أبناء البرجوازية المدينية من الانخراط في الثورة . كان الفيلسوف جان بول سارتر يشير إلى هذه الظاهرة فيقول عن المثقفين البرجوازيين : إنهم أصحاب عضلات رخوة. لا يقدرون على حمل عبء الثورة .
وقبل المضي في التطبيق أحب أن أبين أن الظواهر الاجتماعية عامة وليست استقرائية ولا استقصائية فردية . يعني أنه لا يمكن أن ننقض هذه الظواهر بتمثيلات خارجة عليها تمثلها أعداد محدودة .
فعندما نقرر أن أبناء الأرياف وأبناء الضواحي وأبناء العشوائيات وأطراف المدن هم أصلب شكيمة ، وأشد بأسا، وأجرأ قلبا من أبناء الطبقات الأكثر نعومة رفاهة فنحن نكرر القاعدة التي قررها ابن خلدون في مقدمته . وكلما كانت ظروف المعركة أصعب كانت تحتاج إلى عزائم رجال أشد شكيمة وأصلب عودا ...
ونعود إلى وطننا سورية ففي الثورة السورية الكبرى في عشرينات القرن العشرين كان قائدها العام " سلطان باشا الأطرش " ابن الريف والجبل الجنوبي . وفي دمشق كان ثوار الغوطة وحسن الخراط وأحمد مريود من ريف دمشق وما حولها . ونذهب إلى الساحل فنجد صالح العلي ريفي وابن ريف . ونصعد إلى الشمال فنجد إبراهيم هنانو ابن جبل الزاوية والفرسان الذين كانوا حوله ..
الظاهرة الاجتماعية نفسها . الثورة تقوم على السواعد السمر لأبناء الأرياف والعشوائيات الذين يدفعون عادة الثمن الأكبر لاستبداد المستبدين ، وظلم الظالمين ، بينما يستطيع أصحاب الدثور أن يتكيفوا مع مناخ الظلم بما يدفعون من رشوة وبرطيل . وهو ما دأبت عليهم طبقاتهم من كبار المنتفعين ..
تكرس عبء الثورة على كواهل الأبطال من أصحاب السواعد السمر لم يشق يوما الصف الوطني ، بل ظل كل فر يق من موقعه ، وعلى قاعدة : كل ميسر لما خلق له .
بكل الصدق والصراحة والجرأة أعيد تقرير حقيقة قلتها منذ سنين : لا والله ما خذل أصحاب السواعد السمر من أبناء الأرياف والعشوائيات الثورة ، ولا بخلوا عليها ، ولا قصروا في حقها ، بل رووها وما زالوا نجيعا أحمر حارا متصببا .. هذا قلته من قبل مرارا وتكرارا وألقى الله عليه ...
واليوم أضيف وإنما خذل ثورتنا في القرن الحادي والعشرين النخب التي كان عليها أن تقوم بدور هاشم الأتاسي وشكري القوتلي وخالد العظم وسعد الله الجابري ورشدي الكيخيا ...خذل الثورة هؤلاء الذين احتلوا مواقع أولئك الرجال ولم يتمتعوا بحكمتهم وبعد نظرهم وحسن تأتيهم. ولا في استشرافهم لقابل الثورة وغدها ..
حيا الله الأبطال ..
حيا الله من ضحى صادقا بالدم وبالدار وبالكرم والبيدر والبئر ..
واحد واحد واحد الشعب السوري واحد ..
كفوا عنا جشاءكم أيها المتجشئون ..
أسرانا ليسوا رهائن ..
لندن : 15/ ذو القعدة / 1441
7 /7/ 2020
___________
*مدير مركز الشرق العربي