الرئيسة \  مواقف  \  موقفنا : حول اتفاق وقف النار في أنقرة .. سورية وقف النار أو وقف العدوان ..!؟

موقفنا : حول اتفاق وقف النار في أنقرة .. سورية وقف النار أو وقف العدوان ..!؟

31.12.2016
زهير سالم




إن الحقيقة الناصعة القاطعة التي يجدر أن ننهيها إلى العالم أجمع هي أن ( خيار النار ) في سورية لم يكن في أي لحظة خيارا شعبيا وطنيا أو ثوريا. لم يذهب شعبنا أبدا إلى السلاح لا بخياره ولا بقراره . بل صبر طويلا وطويلا جدا على القتل والانتهاك قبل أن يدفعه القتل والانتهاك إلى ركوب مركب الاضطرار ، وحمل السلاح للدفاع عن حقيقته الوجودية ، ( عرضه ونفسه وأرضه ).
منذ الأيام الأولى للثورة كان الذهاب إلى النار والقتل خيار السلطة المجرمة التي استسهلت القتل ثم استمرأته ثم اندفعت في طريقه وتفننت به ، ثم أجلبت على شعبنا حلفاءها، كما كان القتل خيار الدول التي استقبلت قوائم القتل على مدى مائتي يوم بالاستنكار اللفظي ، الذي لا يسمن ولا يغني من جوع .
ولذا فإننا نعتبر أن تحول (وقف النار) إلى مطلب دولي وإقليمي ، يسعى إليه الروسي والإيراني، انتصارا عمليا واقعيا للثورة والثوار.
 ونعتبره بالمقابل إعلان إفلاس وانكسار لقوى الشر ، ولسياسات العدوان بكل أشكالها ، بما فيها القصف الجوي المستدام على مدى خمسة عشر شهرا بالأسطول الجوي وبكل أنواع السلاح بما فيها العنقودي والفراغي والكيماوي والنابلم .
 من حقنا كسوريين أن نعلن ترحيبنا المبدئي بأي وقف للعدوان كخطوة استراتيجية على طريق الانتصار . ومن حقنا أن ننظر إلى الإعلان الذي تم التوافق عليه اليوم كمحطة اختبار للنوايا وللوعود والتعهدات .
بالنظر في مضامين الاتفاق الذي نحن بصدده ندرك أن كلمة السر في نجاحه أو إخفاقه هي أولا بيد الضامنَين . ونحن مع إدراكنا لتفاوت تمكن الضامنين من الأرض السورية . فإن الجدية والمصداقية التي سيتحلى بها هذان الضامنان هي التي ستجعل هذا الاتفاق مثمرا ومجديا .
ومن هنا فإننا نرى أن من حقنا أن يكون لإخواننا في الدول العربية الصديقة وبشكل خاص العربية السعودية وقطر والأردن الحق في مراقبة الاتفاق ورعايته ، وحماية مصالح شعبنا فيه .
كما من حقنا أن نطالب أن تعود قضيتنا إلى مسارها الطبيعي في الرعاية الدولية ، حتى لا يجد شعبنا نفسه في أي لحظة قادمة تحت رحمة هذه الدولة أو تلك .
إننا ونحن ندرك حجم الإثخان الذي أوقعه الثوار الأبطال في صفوف الطاغية وحلفائه ؛ نعتقد أن نجاح هذا الاتفاق سيتوقف ثانيا على مدى التزام الطرف الآخر به . الطرف الذي أعطى الأولوية للسلاح . وأن يقبل شركاؤه الآخرون الذين زج بهم على الأرض السورية من فصائل متشاكسة بهذا الاتفاق ،وأن يكونوا جميعا قد اقتنعوا أن السلاح ليس لعبة ، إلا بيد الحمقى والجبناء والمغفلين من الممسكين بمقاليد السلطة في كل مكان .
ونعتقد ثالثا – أن وقف النار الحقيقي لا يعني وقف القتل فقط ، القتل الذي ينبغي أن يظل محرما في كل الظروف . إن وقف النار الذي يمكن أن يثمر حلا سياسيا ، يزعمون أنهم يدعون إليه ، هو وقف النار الذي يضمن لكل الشعب السوري أمناً ضد الاعتقال ، وضد الإهانة ، وضد الاستغلال . وقف النار الذي يمكن أن يثمر هو الذي يرافقه وقف الاعتقال ، وإطلاق فوري لسراح عشرات الألوف من المعتقلين ، والكشف عن مصير المفقودين ، ورفع الحصار عن المحاصرين . إن الاستغراق في ارتكاب مثل هذه الجرائم ، المصنفة إنسانيا كجرائم ضد الإنسانية ، واعتبار آلام الناس أوراقا للمساومة والتفاوض ؛ تفرغ أي وقف للنار من معناه ، وتنبئ سلفا أننا أمام مناورة جديدة من مناورات الأشرار ، ولسنا أمام رغبة حقيقية لمن اتعظ من الماضي ، ويريد أن يسير إلى مستقبل آخر عن غير طريق القتل وكسر الإرادات .
ولكي ينجح وقف النار الذي أعلنوا ، ويزعمون أنهم يدعمون ، ينبغي أن يتوقف فورا اللعب على ذرائع التصنيف للإرهاب متعدد المعايير . اللعبة في رأينا أصبحت أكثر من مكشوفة . وعلى الذين يزعمون أنهم يريدون حلا سياسيا أن يتوقفوا عن اللعب بمثل هذه اللعاب ز وأن تكون لغتهم صريحة واضحة شفافة . الإرهابيون الحقيقيون هم كل هؤلاء الذين يشملهم المقاتلون الأجانب الصادر عن مجلس الأمن ، والذي ينطبق عمليا على عشرات الألوف من جنود الولي الفقيه . لن ينجح وقف إطلاق النار ، الذي نتمنى من كل قلوبنا أن ينجح ، إذا كان كل فريق سيلبس مخالفه المريول الأرجواني ، ثم سيتحل قصفه وقتله على أنه إرهابي .
إن مطالب شعبنا واضحة صريحة شفافة تكفلها شرائع السماء وقوانين الأرض . وإن أي اتفاق يقوم على عوج ، أو يفرض بالإكراه ، أو بالمناورات السياسية الخبيثة ، لن ينتج ولن يثمر وستكون جماهير شعبنا وقواه الحية له بالمرصاد ..
نعم الشعب السوري وكل قواه الحية هي صاحبة المصلحة الحقيقية في وقف النار . وأعداؤه هم الذين أشعلوا النار أولا ، وهم الذين سيظلون يشبونها في كل حين .
 
لندن : 30 / ربيع الأول / 1438
29 / 12 / 2016
----------------
*مدير مركز الشرق العربي
zuhair@asharqalarabi.org.uk