الرئيسة \  مواقف  \  موقفنا : تهنئة حضارية .. بوريس جونسون أب لأول مرة في الخامسة والخمسين ..

موقفنا : تهنئة حضارية .. بوريس جونسون أب لأول مرة في الخامسة والخمسين ..

30.04.2020
زهير سالم




رزق رئيس الوزراء البريطاني وهو في الخامسة والخمسين بمولوده الأول .. وأحببت أن أتقدم له ولشريكته بالتهنئة لخروجه من المستشفى متعافيا أولا ، ولاستقباله مولوده الأول ثانيا..
أحببت أن أقول لرئيس الوزراء البريطاني ولشريكته ولجيل من الناس يعيشون على طريقتهم : إن الأبوة وكذا الأمومة متعة أكمل وأجمل وأرقى وأبقى ..مما تظنون. أحب أن أقول : وإنكم في خياراتكم الاجتماعية الفردية والجماعية : تستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ، فقط لو تقاربون ، وتجربون ..
الأبوة الحقة والأمومة الصادقة على لغتكم ضمان مستقبلي ، أن لا ينتهي الأمر بالإنسان ، في بيوت العجزة والمسنين . في تلك البيوت التي أبيتم حتى الآن إدراج أعداد ضحاياها في قوائم المفقودين !!
استقبلت ولدي الأول وأنا ابن 27 ، وابنتي الأولى وأنا ابن 28 .. لا أستطيع وصف مشاعري يوم أصبحت أبا .. بل هو موقف إنساني أشاركه مع أجيال من البشر يعيشون متعهم بطريقة مختلفة عن تلك التي يقدرها آخرون ..
كل أب .. كل أم يقر’ن هذا المقال سيستعيدان بلا شك ألق اللحظة التي قيل لهما فيها أصبحت أما ..أصبحت أبا ..فلا أجمل ولا أحلى ولا أرحب ولا أعلى ..!!
ثم في سنوات طوال تذوقت فيها طعم أبوتي ألوانا ..
في الخامسة والخمسين ، أيها السادة الممثلون في شخص بوريس جونسون الإنسان أصبحت جدا ..
وللجد عالمه ومشاعره وأفراحه وآفاقه ..وكما يقول السالكون في مدرسة التصوف المشرقية : المتع الحقيقة تذاق ولا توصف . ذاك معنى ما نردد : من ذاق عرف . لن تدرك متعة أن تكون أبا ..أو جدا ..أو أن تكوني أما ..أو جدة حتى تذوق أو تذوقي وختم الكلام .
في الحديث عن الأبوة والأمومة ، لا أتحدث حديث واعظ عن القيم والأخلاق ، والعمران الإنساني ، ومكانة الأسرة في بناء المجتمع ، بل أتحدث عن عالم من المتع الحقيقية ، لم يدركها من لم يذقها ، يا من أدمنتم على الحديث عن المتع هلموا فذوقوا..!!
تتحدثون عن متع الانطلاق ، ومعادلة العصفور والعصفورة وتعدد الأشجار والأغصان ..ولكن ربما كان في الوجود متع حتى في بعدها المباشر تتقدم وتفوق ..!!
تعالوا أحدثكم عن متعة طهر الفراش ، ونقاء الذيل ، والوفاء المعمر ، والأنس والنبل والاستقرار والمواءمة .
أحدثكم عن متعة إنسان يعايش إنسانا عقودا طوالا ، فتدركون متعة اتحاد " النقيضين " وأن كل واحد منهم يفدي نقيضه المكمل ، على الطريقة الربانية ، وليس الطريقة "الهيغلية " حيث النقيض يعمل على هدم النقيض . ربما كانت العناكب السود في عالم الأحياء للعبرة والمثل . وفي كل ما عداها : يقول النقيض : أفديك ، فيرد الآخر : أفديك . متعة معمرة في دوام وليس في اللحظة العابرة التي تظنون أنكم مطالبون بقطفها ..كلما تبسم لكم وجه ، أو برقت أمام أعينكم عينان !!
من متع الأبوة التي لا تدرك أن تتحمل عبء : من أين ثمن جرعة الحليب؟ أو مضغة الخبز أو ثوب العيد .. أن تشارك طفلا أو طفلة فرحتيهما بانتقاء ثوب عيد؟ أو بالحصول عليه ؟ أو حتى بالحلم به ؟ هل سمعت نداء أرخم من نداء طفلة أو طفل : أبي متى ستشتري لي ؟!
هل من شعور يغمر بالدفء مع ما فيه من عجز ومن ضعف ، مثل أب يفتح ذراعيه ليحضن طفلا أو طفلة خائفين من برميل من براميل بشار ، ويظن الطفل أن لحم أبيه هو الدرع ، ويريد الأب أن يجعل من لحمه درعا ثم ينفجر بالآه : ما أضعف اللحم البشري !!
هل عايشتم الآباء والأمهات يهيمون بأطفالهم تحت كل نجم ، طلبا للأمان؟! تلك المشاعر الواجفة الخائفة المترددة المتربصة اليائسة الآملة مع كل ما فيها .. تمثل عالما من الإحساس الصادق بالذات ، لا يدركه بجد إلا من عاشه ومنتهى القول فيه : يا حبيبي من ذاق عرف ..
السيد جونسون وأخاطب في شخصك أجيالا وأمما وشعوبا : ربما يكون كثير مما قاله فرويد عن الدافع الذي - كما زعم - يختفي بلطف أو بتوحش وراء كل شيء ، صحيحا؛ ولكن بكل تأكيد ، ليس كل ما قاله فرويد صحيحا . وليس كل ما قاله فرويد يصمد أمام أقوال نظرائه من العلماء ..
أكتب من قلب العزل أو الحجر ، وقد اشتقت إلى أن يقترب مني حفيدي بعزيمة شرطي ، فيدفع من أمامي كل الكتب الموجودة على الطاولة ويقول : بدي حضون !!.. أي أنه قرر أن يجلس في حضني وقوله في هذا ، جد ليس بالهزل .. وليس لجد أن يقول : لا لحفيد .. وتلك هي حقيقة المتعة الكبرى . تقول العرب : استبد بنا استبداد الصبي على أهله ، أقول ربما أرادوا على جده وجدته . وأصرخ في أمه : لا تصرخي به أمامي ..!!
في عزلتي اليوم أنتظر هذه المتعة التي لم يذقها ولن يذوقها من أصبح أبا في الخامسة والخمسين ..!!
هنيئا للسيد جونسون وشريكته الشفاء ، وهنيئا لهما مشاعر الأبوة والأمومة النبيلة ..
ولو كان لي من أمر الناس شيء لقلت : ولا يصح أن يلي أمر الناس ، من لم يلِ أمر أسرة فيها ، كما المجتمع ، بنون وبنات ..
كل الناس تشفق وتخاف ولكن الأب والجد .. والأم والجدة يفعلون ذلك بطريقة أخرى .
لندن : 6/ رمضان / 1441
29/ 4 / 2020
_________
*مدير مركز الشرق العربي