الرئيسة \  مواقف  \  موقفنا : المفاوض المسترسل وماذا فعل بنا ؟!!! .. كيف عصمنا أهلنا العوام في تربيتهم من الاسترسال...؟؟؟

موقفنا : المفاوض المسترسل وماذا فعل بنا ؟!!! .. كيف عصمنا أهلنا العوام في تربيتهم من الاسترسال...؟؟؟

20.12.2020
زهير سالم



زهير سالم*

والاسترسال مصطلح فقهي ، مر معي في فقه البيوع ، فعندما أجاز الفقهاء رد المبيع بالغبن ، وبعضهم قال بالغبن الفاحش ، قال آخرون " ولاسيما إذا كان المشتري مسترسلا ، وقصدوا به المشتري الذي لا يساوم ولا يماكس ، بل يظل يشتري على أول قول البائع ، دون أن يراجعه في شيء .
ومنذ سنين طويلة لاحظت هذا في سلوك المفاوضين من المتصدرين السوريين ، الذين يظلون يستجيبون لكل قول يقال لهم ، ممن يظنونه حليفا أو صديقا ، قوموا فيقومون ، بل يتسابقون للقيام ، اقعدوا فيقعدون ، تقدموا فيتقدمون، تأخروا فيتأخرون ، ولو أنهم كان لهم مواقف واضحة وصامدة ، منذ البداية ويوم كان صوت الثورة والثوار هادرا لجنى السوريون من وراء هذا الكثير ..
وسأروي لكم كيف عصمنا أهلنا من الاسترسال والانزلاق بتربيتهم الواعية مع أنهم كانوا أشباه أميين غالبا لم يقرؤوا غير القرآن الكريم ، وكفى به علما ومعلما ..
عشنا في مدننا الكبرى في بيئة آمنة بشكل عام ، قلما كنا نسمع عن مصطلح " مخطوف أو مفقود " بالنسبة للأطفال . أغلبنا خرج إلى الشارع وإلى السوق وهو ابن أربع أو خمس سنين ، وذهب مستقلا إلى المدرسة لا سيارة تأخذه ، ولا دادا تصحبه ، منذ الصف الأول..
وإليكم بعض الوصايا التي لا تزال ترن في الأذن : أي رجل يقول لك تعال أعطيك ، لا تأخذ ولا تقترب منه . أي رجل يقول لك تعال أوصلك ابتعد عنه . إذا رأيت رجلا يمشي إلى جانبك على الطريق فاسبقه أو تأخر عنه. لا تسمح لأحد أن يلمس ثيابك ولو أراد أن يقول ما أجملها !! أو من اشترى لك هذا القميص . ولو قال لك أحدهم هذا الطريق أقرب إلى بيتكم فلا تسلك إلا الطريق الذي تعرفه ، لا تمش مع رجل لا تعرفه ، لولا خطوة واحدة . لا تسلك الطرق الفارغة من الناس ..وكنا إذا اشتكينا من قسوة معلم قالوا : افرح على الذي يبكيك ولا تفرح على الذي يضحكك .
وتستمر التوصيات في كل مناحي الحياة وعلى الصعيد الاقتصادي ..
 وكانت المساومة في البيع حتى تعرق الجبهتان هي السمة السائدة في الأسواق ... ،إذا قال لك البائع بخمسة فقل له بأربعة ، وإذا قال لك بعشرة فقل له بثمانية ، وإذا أراد أن يبيعك - قص أي كمش - فلا تقبل حتى تشتري وتنقي واحدة واحدة . البائع يضع من أمامك بضاعة جميلة ومن أمامه العفارة فاحذر ، لا تسمح لأحد أن يضحك عليك .
وحتى في ذهابنا مبكرين إلى الكتاب " الشيخ " أو عودتنا متأخرين ، أو في ذهابنا إلى المسجد وعودتنا منه أو في رفقتنا وصحبتنا ، من هذا ؟ وابن من هو ؟ ولا تصاحب من هو أكبر منك في العمر ، وإذا أطعمك رفيقك من زاده أو مما يشتريه فأطعمه ، ولا تقعد للناس تحت واحدة . ولا تصاحب من يصرف أكثر منك ، ولا من يريد أن يتميز عليك ، ولا تجالس من يظن أنه أكرم منك ، أو أقدر منك . ويامتلنا تعالو لينا . ومن رادك ريدو ومن ما رادك بالجفا زيدو . والأجمل مما كانوا يقولون : كُل ما تشتهي والبس ما يليق بالناس . والبطن ما بتشف . وأعرف أسرا حلبية موفورة كانت إذا طبخت الوجبة الرئيسية أكلتها على الترسل ، وطبخت بين اليوم واليوم وجبات دون ذلك ، فإذا سئل أحد أفرادها ما هو طعامكم اليوم لم يقل مجدرة وإنما يقول كبة أو محشي أو لحم بعجين ..!!
هكذا كانت التربية حتى صرنا في هذا الزمان إلى مثل ما ترون من مفاوضي أو مقاولي " خذني جيتك " واطف الضو والحقني " ...
ماذا كان سيحدث لو أن المفاوضين الأوائل منذ مؤتمر أصدقاء الشعب السوري الأول في تونس، بصموا قدما في الأرض وقالوا : لن نقعد على طاولة المفاوضات وبشار الأسد يحتفظ بموقعه برئاسة الجمهورية ..
ماذا كان سيحصل لو أن المفاوضين الأوائل يبسوا رؤوسهم وقالوا : لن نجلس على طاولة المفاوضات وفي سجون بشار الأسد معتقل واحد . أو على الأقل حرة واحدة أو طفل واحد !!
ماذا كان سيكون عليه الأمر لو أن المفاوضين الأوائل قالوا لن نقارب أي دور للأمم المتحدة حتى تعترف بنا الأمم المتحدة على قدم السواء ..
وكانت اللعبة كلعبة إبليس مع أبوينا ( فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ ) دلاهما من يفاع الطاعة إلى وهدة المعصية والانكسار .
ويبوسة الرأس في بعض المواطن واجبة .
لندن : 4/ جمادى الأولى / 1442
19/ 12/ 2020
_____________
*مدير مركز الشرق العربي