الرئيسة \  مواقف  \  موقفنا : الدستور مقومات وأساسيات وهواجس الهويات .. قاعدة السلام الاجتماعي الدائم .. لا ضرر ولا ضرار

موقفنا : الدستور مقومات وأساسيات وهواجس الهويات .. قاعدة السلام الاجتماعي الدائم .. لا ضرر ولا ضرار

31.05.2020
زهير سالم





وعلى الرغم أن الضرر الأكبر الذي وقع على الشعب السوري طوال ستة عقود هو ضرر التسلط بأبعاده.. ؛
وعلى الرغم من أن الحيف الأكبر الذي أصاب كل السوريين هو في حقوقهم الإنسانية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية على السواء ..؛
وعلى الرغم من أنه لم يكد ينجو من ذلك الضرر وذاك الحيف أحد ؛
إلا أننا كلما سمعنا حديثا عن دستور جديد لسورية المستقبل . نلحظ أن السوريين ، يخافون من بعضهم - مع الأسف - أكثر من خوفهم من ظالمهم الأول مقتل رجالهم ونسائهم وأطفالهم ومدمر ديارهم ، ومشردهم تحت كل نجم ..!!
" لغا " الجمهور الأكبر من السوريين المظلموين المحرومين المضطهدين ، ينصب على الاهتنمام ببعض مواد تتعلق بالهويات رئيسية وفرعية !!. وكل ما فتح حديث الدستور قفز إلى السطح عند هؤلاء بعض المواد المتعلقة : بالدين ..والعرق .. واللغة والثقافة ؛ نفيا أو إثباتا ..
يخيل إلينا أحيانا ، ونحن نقرأ أو نسمع أو نتابع أن يعض ممثلي المكونات ولا أستثني ، يرشح نفسه، ومن يمثل ، ليحل محل الظالم المستبد تحت مظلة دستور يغطيه ويحميه !!!
لا أريد لأحد أن يفهم أنني ضد أن يحفظ الدستور حقوق أصحاب الهويات ويصونها، ولكنني أظن أن النقيض الأول الذي يجب أن يرتسم أمام أذهاننا ونحن خارجون من هذه الحرب العمياء هو هذا " الظالم المستبد " بل هذا " الطغيان والاستبداد "، هذا الاستبداد الذي فعل بنا ، بدولتنا ومجتمعاتنا كل هذه الأفاعيل .
أنا مسلم ولكن نقيضي الوطني ليس المسيحي يجب أن أقول هذا وأرفع به صوتي ، أنا عربي ولكن نقيضي الوطني ليس الكردي ، وأنا سني ولكن نقيضي الوطني ليس أتباع المذاهب الآخرين ، ليس العلوي ولا الدرزي ولا الإسماعيلي ولا اليزيدي ..
نحن جميعا نقيضنا " الظالم المستبد حبيب الفناء عدو الحياة "
وعلى هذه القاعدة يجب أن نلتقي ويجب أن نتضامن ، ويجب أن نتعاون لصناعة الدستور المستقبلي ، لتقييد سلطات القادم الجديد ، بحيث لا يطغى على أي واحد منا ولا يستبد .
 وبحيث نجعل بموجب الدستور الذي نتوافق عليه "الصفعة" التي يوجهها رجل أمن إلى وجه مواطن ، جريمة حرب تطاله وتطال وزير داخليته ورئيس جمهوريته مهما تكن التعلات والظروف ...
نحن بحاجة إلى دستور قادر بمواده على أن يحمينا جميعا ، والأهم من ذلك أن يحمي نفسه من أن يكون علفا للحمار من جديد . وفي مثل هذا المضمار يجب أن يتبارى المتبارون ويتنافس المتنافسون ..
ثم إ، الدستور في فصوله الأولى هو الوثيقة الوطنية الأولى التي تحمي حقوق الفرد ، وحقوق الجماعات ، وحقوق التجمعات ...وفي بناء دستور مستقبلي مستشرف جديد نعلم أن مرصوفة هذه الحقوق في مجتمعاتنا ما تزال بحاجة إلى مزيد من التعريف ومن التحديد وعلينا أن نوفي هذا الاستحقاق نصيبه من الدرس والتمحيص والتوافق والتبشير.
والتبشير ضروري لأن الذي يفكر بالعقل الديمقراطي لا يفكر أن يستعين بفرض الدستور لا بوزير ولا بسفير .
وفي دستورنا القادم بحاجة إلى مزيد من الحماية والتكريس . يشعر الإنسان منا بالانمساخ وهو يعاين الفرق بين ما تنص عليه قائمة حقوقه الفردية في دستور الظالمين ، وبين الواقع الذي يعيش !! هل تعلمون أن الحكومة الأسدية قد وقعت من قبل على كل مواثيق حقوق الإنسان ؛ ويا لها من مواثيق !!
لا أظننا نملك الكثير في ميدان الحقوق الفردية لنضيفه مثلا إلى دستور السيد" قدري جميل " غير الضمانات العملية للإنفاذ ، والإرغامات الزاجرة الرادعة جزاء على لإخلال ، في أطر القوانين الدولية والإنسانية بتوصيف أي مقاربة لهذه الحقوق بالسوء بجرائم ضد الإنسانية تفتح الباب لإلحاق منتهكيها بعتاة المجرمين ..
ثم حين نرى كيف عبث الطغاة على مدى عقود بأمن سورية وبسيادتها ، وكيف أجلبوا عليها ، وكيف سلموها لقمة سائغة للمحتلين ، وتدبج كل صفقة خيانة بعبارة : رئيس الجمهورية بناء على أحكام الدستور يرسم ..!! أو مجلس الشبع بناء على لائحته الداخلية يقرر ...
أقول ضبط كل هذا بإحكام في نصوصها ، وبحماية ولو بالقوة الأرسطية في آفاقها ، كل ذلك يستحق منا عناء التضامن والتعاون والتفكير.
نعم نحن في سورية بحاجة إلى دستور إبداعي استثنائي يحمينا جميعا من تغول الغيلان الذين لا تزال دماؤنا جميعا على مخالبهم وأنيابهم ووجوههم وثيابهم ..فهل نفعلها ونتحد في وجوههم ونبدع دستورنا الجديد .
الدستور هو وثيقة العدل الدائم ، وكلما استطعنا أن نجعله أكثر عدلا كان أكثر استقرار وأمنا . والدستور الأعدل هو الدستور الأشمل ، وهو الذي يستطيع أن يرضي العدد الأكبر من المستظلين بظله على المستويين الأفقي ، شرائح أكثر ، والعمودي ، رضا أكبر . وهذا هو الذي يجب أن يشتغل عليه فقط المبدعون . وقاعدة انطلاقنا : كيف أرضيك وكيف ترضيني ، وكيف نرضيها وكيف ترضينا ؛ باعتبارنا دائما الشركاء المتضامنين ولسنا الشركاء المتشاكسين !!
نعلم أن من ألاعيب بعض الشياطين أن يرفعوا أمام الناس دائما ستائرهم الحمراء ليحرفوا الأعين الكليلة عن ساحة الصراع الحقيقي .. عن مسلاخ الطاغية الذي لا يزال وسيظل حتى نمتلك الوعي الذي يرديه ..
وأهم ما ننتظره في الدستور القادم ..
- كيف يحمي الدستور نفسه من الهوان ومن أن يكون علفا للحمار ..؟
- كيف يغل الدستور أيدي كل من يفكر بالطغيان لكي لا يطغى علينا أحد من جديد ؟
- كيف يضبط لنا دستور الغد حقوقنا الفردية والجماعية يحميها ويحمينا بها ..؟
- كيف ينظم الدستور العلاقة بين مؤسسات الدولة العليا ويكف يد بعضها عن بعض؟ أي خرافة في أن يعين قضاة المحكمة العليا رئيس !!
كيف يحمي الدستور عمليات الرقابة على الأداء السلطوي العام ؟
كيف تحصن مواد الدستور ؟ وكيف تعدل أو تغير ؟
دستورنا الذي نريده لا يحظر ولا يحجر إلا على الطغاة المستبدين والسفهاء المفرطين..
وأستأذن رجل من الأعراب على عبد الملك بن مروان في دمشق ، فلم يأذن له ، فألح الأعرابي ، فأذن له ، وقال عبد الملك برما للأعرابي : ماذا تريد ؟!!
فأجابه الأعرابي يرفع بها صوته : نريد عدلا ..
نعم نريد عدلا ...
نريد عدلا لكل السوريات ولكل السوريين ونرفع بها أصواتنا ..
ومن طلب العدل لذاته أو لفئته فقد ظلم ..
وفي قرآننا دستورنا الأول بل دستور الدساتير ..
( وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ )
لندن : 7/ شوال / 1441
30 / 5/ 2020
____________
*مدير مركز الشرق العربي