الرئيسة \  مواقف  \  موقفنا : الأستانة .. نور الحقيقة وهالة الوهم

موقفنا : الأستانة .. نور الحقيقة وهالة الوهم

19.01.2017
زهير سالم




لا نحتاج إلى كثير قول لنؤكد أن الشعب السوري بشكل عام ، والثورة السورية وحاضنتها وأنصارها وثوارها بشكل خاص ، بحاجة إلى يد عون تسعفهم ، من تآلب أشرار العالم عليهم ، في حرب مكشوفة يشاركون فيها بطرائق مباشرة وغير مباشرة ..
ولا نحتاج إلى كثير قول لنؤكد اعترافنا بدور الأصدقاء المساندين من الأشقاء العرب والأتراك على مدى سنوات مضت من عمر الثورة . وكذا للتأكيد على الخصوصية ( الجيوسياسية ) التي تلعبها الشقيقة تركية الجغرافيا والديموغرافيا والقيادة . إن الاعتراف بالفضل ، والشكر على الدور ، لا يعني تجاهل المفارقات في تحديد الأولويات ؛ في ظرف متغير ندرك فيه جميعا ما يعايشه كل شقيق من خصوصيات داخلية وخارجية .
إن من حق شعبنا الذي ما يزال يخوض معركته منذ ست سنوات ، والذي قدم على طريق تحرره التضحيات بالملايين من شهداء ومصابين ومعتقلين ومشردين ، أن يحدد أولوياته ، وأن يتمسك بثوابت ثورته ، وأن يحدد في كل مرحلة الأسلوب الذي يختار والطريق الذي يريد . كما أن ذلك من حق الآخرين ليس لأحد أن يضارهم فيه .
إن الذي يجب على الجميع أن يدركوه ، والذي سنظل نردده عند كل مقام وفي كل مقال :
* إن الذهاب إلى الحرب في سورية لم يكن خيار شعبنا . وإنما كان خيار الآخرين . ولقد فُرضت هذه الحرب الآثمة منذ أول يوم على شعبنا الأعزل المسالم المطالب بالعدل والحرية ؛ ولذا فنحن لسنا بحاجة إلى التأكيد دائما أننا مع كل وقف للنار ، مع كل وقف لهذه الحرب القاطعة الظالمة التي لم نكن يوما أصحاب قرارها ولم نكن يوما من جناتها ، كما لم نكن يوما من المالكين لأدواتها..
* إن الحرب التي فرضها علينا بشار الأسد ، وحسن نصر الله ، والولي الفقيه ومن ثم نصيرهم الأول بوتين هي حرب وجودية ، حسب اعترافهم وتعبيرهم . وحقيقة الحرب الوجودية تعني أن وجودا لا يقبل الشراكة مع آخر. وأنهم بحربهم الوجودية التي أعلنوها وما يزالون علينا ينوون استئصالنا من أرضنا تقتيلا وتهجيرا ؛ إن أي تعامل مع المشهد بعيدا عن إدراك هذه الحقيقة فيه ضلال وتضليل ، لا يقبل شعبنا من أحد أن يقبل به أو أن ويتغاضى عنه .
* ثالثا ، لقد كانت روسية ، على مدى السنوات الست الماضية ، شريكا في كل ما جرى على شعبنا : على الصعد العسكرية والتعبوية والسياسية والدبلوماسية . ظلت روسية شريكة في التسليح ثم في القتل والتدمير ثم في الدعم السياسي والدبلوماسي المفتوح . الدبلوماسية الروسية اتخذت ستة قرارات فيتو في مجلس الأمن لدعم القاتل المجرم . الطيران الروسي شن عشرات الآلاف من الغارات على وطننا وأهلنا . كذب الروسي لم يقصف كما زعم الإرهابيين . 8% من غاراته فقط استهدفت من يقال لهم الإرهابيون . الطيران الروسي قصف الأطفال والنساء والأحياء السكينة ، وقصف المساجد والمدارس والمستشفيات والمخابز ؛ قتل المدنيين ، وشرد الأبرياء ، وما يزال ينظر بعين العدوان إلى ما يجري على كل الأرض السورية ؛ ثم يقال لنا هلموا إلى حل سياسي يرعاه هذا الوسيط النزيه ...بالله على هؤلاء الذين يدعون إلى الأستانة كيف يحكمون ؟!
* ثم يدعون إلى الأستانة ، لفيف من الفصائل ، شركاء متنافسون ، إن لم نقل متشاكسون ، لا تضبطهم مرجعية ، ولا يفيئون إلى رأي كبير ، تتفاوت رؤيتهم ورؤاهم وأحجامهم وأثقالهم ، ويلقى بهم طعمة ليلعب على اختلافهم وتباينهم الروسي والإيراني ، ويغيّب عن المشهد المرجعية السياسية الحقيقية التي ارتضاها أكثر السوريين ، بعد رحلة طويلة من الاختيار والموازنة ( هيئة التفاوض العليا ) في خطوة مقصودة ، للالتفاف على الثورة ، ورمي عباءة المسئولية على غير أكتاف أصحابها ..
* وفي الوقت الذي تأخذ بعنق الأستانة ومن فيها دولتان تحتلان سورية ، وتساندان القاتل المجرم بشار الأسد ، يدعم الأولى أسطول جوي ، ويدعم الثانية مائة ألف مقاتل على الأرض ، يغيّب دور دول عربية ، وسورية عضو مؤسس في الجامعة العربية . كما تنحى عن المؤتمر المرجعية الدولية التي تشكل بتشاكستها نوعا من التوازن ، المعقول !!
* هذا هو لقاء الأستانة ... اللقاء المعمى ، الذي لا نزال في جهالة من جدول أعماله الحقيقي ، ومن العاملين عليه الحقيقيين ، ومن المشاركين فيه والحاضرين فيه الحقيقيين !! الأستانة الذي يريد منه ثلثا الداعين إليه تصفية ثورة شعب لم يشهد العالم الحديث لها مثيلا ..ثم يعتبون لأن هناك من لا يؤيد ، ولأن هناك من يتردد أو من يصمت أو من يشكك ..
* إننا ومع إدراكنا لتداعيات التحولات الخطيرة في مواقف بعض الأصدقاء من جيران سورية بشكل خاص ، وما يمكن أن يجره هذا التحول الخطير ، ليس على قطرنا وثورتنا فقط ، بل على المنطقة أجمع ، وعلى حاضر الأمة ومستقبلها الوجودي بشكل عام نؤكد من موقع المسئولية الشرعية والتاريخية والوطنية :
أولا – نعلن رفضَنا لكل أشكال الاحتلال الواقع على أرضنا ، وفي مقدمته الاحتلال الروسي والاحتلال الشيعي الصفوي بكل تجسداته ومذنباته . ونعلن إصرارنا على تحرير وطننا من كل هؤلاء المحتلين . وندعو إلى مشروع وطني سورية لمقاومة الاحتلال ، وللتصدي لآثاره وتداعياته ، وإبطال آثاره .
ثانيا – نؤكد تمسكنا بحقنا الثابت في وحدة أرضنا ومجتمعنا في ظل دولة حرة مستقلة يسودها العدل والحرية والمساواة ، ويضبطها دستور يجمع أبناءها ويحمي حقوقهم جميعا .
ثالثا – نعلن استئناف طريقنا لنصرة ثورتنا وأهدافها بكل الوسائل المشروعة ، وإصرارنا على التمسك بثوابت هذه الثورة العادلة حتى يفتح الله بيننا وبين عدونا بالحق وهو خير الفاتحين .
رابعا – نؤكد وفاءنا لدماء الشهداء ، ودفاعنا عن حقوق المستضعفين ، إحقاقا للحق ، وإقرارا للعدل . ورفضنا لأي محاولة لمكافئة المجرمين مهما كان عنوانها ، ومهما كانت دوافعها .
خامسا – نحن طلاب حق ، ومدافعون عن قيم إنسانية كونية ثابتة ، لا نريد بغيا ولا علوا في الأرض ولا فسادا .. نحرص على حقنا من أقرب الطرق ، ومن أيسر السبل ...
فمن أحب أن يمد يده بالعون على الخير فأهلا به ..وإن تكن الأخرى فإن الله حسبنا وهو نعم الوكيل .
 
لندن : 20 / ربيع الثاني / 1438
17 / 1 / 2017
----------------
*مدير مركز الشرق العربي
zuhair@asharqalarabi.org.uk