الرئيسة \  واحة اللقاء  \  موقعة المليون قتيل وجريح.. قصة معركة كورسك التي قصمت ظهر هتلر 

موقعة المليون قتيل وجريح.. قصة معركة كورسك التي قصمت ظهر هتلر 

03.11.2020
ساسة بوست



الاثنين 2/11/2020 
إذا ذُكرت هزيمة النازيين في الحرب العالمية الثانية، يتبادر إلى الأذهان كلمة واحدة هي مفتاح تلك الهزيمة، معركة ستالينجراد، دون الإشارة إلى معركة كورسك التي تبعتها بخمسة أشهر وقضت على آخر آمال الألمان في الحرب. 
صمدت مدينة ستالينجراد الروسية شهورًا ضد عشرات الآلاف من الجنود الألمان، واستمات الروس في الدفاع عنها، رغم مئات الآلاف من القتلى، حتى استسلم عشرات الآلاف من الجنود الألمان في نهاية المطاف، بعد أن فتك بهم برد روسيا القاسي وجحيم حرب العصابات. 
ما لا يعرفه الكثيرون، أنه بعد أسابيع من انتهاء معركة ستالينجراد، حشد هتلر قوة ضاربة مكونة من مئات الآلاف من الجنود الألمان، يدعمهم الآلاف من أحدث ما أنتجته الماكينات الألمانية من الطائرات والدبابات؛ وذلك لاستهداف جيب كورسك، الواقع على بعد 500 كيلومتر في اتجاه الجنوب الغربي من العاصمة الروسية موسكو. 
أراد الألمان إعادة التوازن إلى الجبهة السوفيتية، أكبر جبهاتهم المشتعلة في الحرب العالمية، واستعادة الثقة في قدرتهم على استعادة نغمة الانتصارات المفقودة منذ شهور. كانت تلك المنطقة المُستهدفة تضم قوة ضاربة سوفيتية، تضم ما يُقارب المليوني جندي، يدعمهم العديد من الدبابات والطائرات، ويحتمون بالعديد من المواقع الدفاعية المُحصنة، فخطط الألمان لإعادة احتلال تلك المنطقة الاستراتيجية، والإطباق من الشمال ومن الجنوب على القوات السوفيتية، والقضاء عليها قضاءً مبرمًا، واستخدام عشرات الآلاف من الأسرى السوفيت عمالة إجبارية في المصانع الحربية الألمانية، التي بدأت تعاني من نقص القوة البشرية مع تصاعد الخسائر الألمانية على الجبهات كافة. 
لكن، بعد أكثر من شهر ونصف من الصدامات العسكرية الهائلة خلال شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب) 1943، التي شكلت ما بات يُعرف بمعركة كورسك، انقلبت الآية، وتحولت العملية الألمانية إلى كارثة حقيقية، ونصرٍ مدوٍ – وإن كان باهظ الثمن – للسوفيت، الذين استغلوا انكسار القوة الضاربة الألمانية، وواصلوا دحر الألمان من أراضيهم، حتى تمكنوا بعد عام ونصف من معركة كورسك من اقتحام ألمانيا نفسها، وصولًا إلى عاصمتها برلين في أبريل (نيسان) 1945. 
كيف بدأت تلك المعركة التي شارك فيها من الجانبين زهاء 3 ملايين مقاتل، وما أبرز محطاتها؟ تجيبُنا السطور التالية عن أسئلة تلك الملحمة. 
هتلر.. البحث عن استعادة هيبته بعد الاستسلام 
لم يمر عام أو أقل على تبجُّح هتلر في إحدى خطبه الشهيرة أمام الشعب الألماني بأن القوارب لم تعد تُبحر في نهر الفولجا، بعد احتلال الرايخ لمدينة ستالينجراد، حتى تحولت تلك المدينة إلى لعنة كبرى على قوات هتلر، وألحق السوفيت من خلالها بالألمان أكبر هزائمهم في الحرب خلال أربع سنوات منذ اندلاعها، عندما تُوج صمود المدينة الدموي الأسطوري باستسلام الجيش السادس الألماني في يناير (كانون الثاني) 1943. 
لو اقتصرت خسائر الألمان وحلفائهم آنذاك على ستالينجراد، لهان الأمر. ولكن شهدت مختلف الجبهات بوادر انتكاس المارد الألماني، فخسر الجنرال الألماني الأشهر روميل، والمُلقب بثعلب الصحراء، في معركة العلمين الشهيرة ضد الحلفاء، وبدأ الفيلق الأفريقي الألماني في التقهقر، حتى أخرجه الحلفاء من شمال أفريقيا، وأخذوا يستعدون على قدمٍ وساق لاختراق الستار الألماني الصارم حول أوروبا المحتلة، وكان الهدف الأقرب هو إيطاليا على الجهة الأخرى من المتوسط. 
إزاء هذا الاختلال الكبير في التوازن ضد ألمانيا، رأى هتلر أن هنالك ضرورة حتمية للقيام بعملٍ عسكريٍ واسع بشكلٍ عاجل؛ يعيدُ الهيبة للآلة العسكرية النازية، ويكبح جماح الهجمات المضادة الشرسة التي يشنها الحلفاء في الجبهات كافة. ووقع اختيار هتلر ومستشاريه على الجبهة السوفيتية لكونها الجبهة الأخطر؛ لقُربها من العمق الألماني، ولأنها شهدت الهزيمة الألمانية ذات الوقع الأكبر. 
قبل أسابيع من بدء معركة كورسك، أو عملية الحصن كما كانت تُعرف في ألمانيا، نقلت الاستخبارات البريطانية لحليفتها السوفيتية معلوماتٍ بالغة الأهمية عن الهجوم الألماني المضاد الكبير، والذي يُعدُ له على قدمٍ وساق. ساعد على ذلك النجاح في فك شفرة المراسلات الألمانية (إينيجما) دون أن يعرف الألمان. وبذلك فقد الألمان عنصر المفاجأة، الذي كان يمثل لهم أكثر من نصف الانتصار. 
وهكذا أسهمت تلك المعلومات القيمة في قلب حظوظ المعركة قبل أن تبدأ؛ إذ أخد السوفيت يكثفون حشودهم واستعداداتهم لامتصاص الضربة الألمانية الأولى، ثم أخذ زمام المبادرة والقيام بهجمات عكسية. 
وخدم الألمان أعداءهم من حيث لا يحتسبون؛ حين تأخروا لأسابيع في بدء الهجوم انتظارًا لإنتاج المزيد من الدبابات الثقيلة من طرازي "بانثر" و"تايجر"، المتفوقة على نظائرها السوفيتية، فمنح ذلك التأخيرُ الفرصة للسوفيت لتدعيم خطوطهم القتالية، وتثبيت مواقعهم الدفاعية، وتعزيزها بالمئات من المدافع المضادة للدبابات، ونشر عشرات الآلاف من الألغام. 
معركة كورسك.. مليونا جندي وآلاف الدبابات 
بحلول منتصف عام 1943، دخلت الجبهة الشرقية بين الألمان والسوفيت فيما يشبه حالة الجمود في لعبة الشطرنج؛ بطول تلك الجبهة العريضة المقدرة بآلاف الكيلومترات من مدينة لينينجراد السوفيتية شمالًا، حتى البحر الأسود جنوبًا، لم يكن هناك أي اختراقاتٍ مهمة لأيٍّ من الجانبين داخل مناطق العدو، باستثناء منطقة واحدة هي كورسك. 
في منتصف تلك الجبهة، كان هناك جيب سوفيتي يخترق الجبهة الألمانية، بطول حوالي 240 كيلومترًا من الشمال إلى الجنوب، وعمق حوالي 160 كيلومترًا من الشرق إلى الغرب. وفي القلب من هذا الجيب تقع مدينة كورسك السوفيتية الاستراتيجية، التي تمثل ملتقىً حيويًّا للطرق والسكك الحديدية في تلك المنطقة. 
حشد السوفيت مئات الآلاف من الجنود بداخل هذا الجيب للحفاظ على هذا الاختراق ليكون منطلقًا لأية هجمات كبرى قادمة ينفذون بها في عمق الخطوط الألمانية، ثم يلتفُّون لتطويقها شمالًا وجنوبًا. 
مقطع مبسط عن أهم محطات معركة كورسك عام 1943. 
رأى هتلر في جيب كورسك (Kursk Salient) فرصة سانحة لتوجيه ضربة قاصمة للسوفيت، تدمر شطرًا مهمًّا من قوتهم الهجومية، وتعيد الثقة المفقودة للألمان، ليس في تلك الجبهة فقط، إنما في الحرب ككل. 
كانت الخطة هي توجيه هجومين ألمانيين هائلين باتجاه الخاصرتين الشمالية والجنوبية للجيب، بشكلٍ متزامن، لاختراق قاعدة الجيب، ثم تلتقي القوتان في مدينة كورسك، وبذلك تصبح القوات السوفيتية داخل الجيب في حصارٍ مطبق يفرض اختيارين شديدي المرارة عليها، إما الإفناء، وإما الاستسلام. 
ومن أجل توفير القوة البشرية الكافية للقيام بهذا الهجوم الفاصل، حشدت ألمانيا النازية كل من يستطيع القتال، فأعادت تجنيد المحاربين القدماء ممن شاركوا في الحرب العالمية الأولى حتى سن الخمسين من العمر، وكذلك جُند الآلاف من الشباب الصغير في منظمة "شباب هتلر" شبه العسكرية. 
وُضعت القوات الألمانية في تلك الجبهة تحت إمرة القائد الألماني العسكري الفذ، إريك فون مانشتاين، والذي تمكن في ربيع 1943 من تحقيق بعض الانتصارات الصغيرة والمهمة للألمان في منطقتي بلجورود وخاركوف إلى الجنوب من كورسك. 
بذل فون مانشتاين جُهدًا كبيرًا لإقناع القيادة الألمانية باستغلال تلك التقدُمات وشَنِّ هجوم عاصف على منطقة كورسك قبل أن يفيق السوفيت من أثر الضربات، لكن هتلر آثر، كما ذكرنا، الانتظار لبعض الوقت من أجل الاستعداد للهجوم بشكلٍ أفضل، ليتضح بعد فوات الأوان أن تلك الأسابيع من الانتظار حسمت مصير الحرب العالمية الثانية بأكملها. 
الكماشة الألمانية تبدأ الإطباق 
في مساء الخامس من يوليو 1943، شرع أكثر من نصف مليون جندي ألماني مدعومين بأكثر من ألفي دبابة، في هجومهم الكبير على جيب كورسك من الناحيتين الشمالية والجنوبية، في مواجهة ثلاثة أمثالهم من السوفيت عددًا وعُدة. بينما تمركز أكثر من مائة ألف جندي ألماني إلى الغرب بطول جبهة المواجهة. 
كانت البداية مع تقدم المشاة الألمانيين لاختراق الخط الدفاعي السوفيتي الأول، واحتلال بعض المواقع المرتفعة لنصب المدافع الثقيلة فوقها. نجح الألمان في التقدم، ورد السوفيت بقصف القوات الألمانية المتقدمة بالمدافع ورشقات صواريخ الكاتيوشا، التي كانت سلاحًا فعالًا وجديدًا آنذاك. 
حاول السوفيتُ القيام بضربةٍ جوية مفاجئة لكافة المطارات الألمانية القريبة من الجبهة؛ وذلك لشل الغطاء الجوي الألماني، أو على الأقل تقليل فاعليته، لكن لم تحقق تلك الضربة النتائج المرجوة، وتكبدت القوات الجوية السوفيتية خسائر كبيرة قُدرت بحوالي مائتي طائرة حربية، بينما خسر الألمان أقل من ثلاثين. 
صباح الخامس من يوليو، تبادل الطرفان قصفًا مدفعيًّا شرسًا، وفشلت القذائف السوفيتية في تشتيت الطوابير الألمانية المتقدمة، وإن كانت أخَّرت التقدم الألماني لأقل من ساعتين. 
في المحور الشمالي، تمكن الفيلق التاسع الألماني بحلول اليوم التالي من اختراق الخط الدفاعي السوفيتي الأول، والتوغل لأكثر من 10 كيلومترات، لكن في الأيام التالية، تباطأ التقدم الألماني كثيرًا، بفعل ضراوة المقاومة السوفيتية – رغم الخسائر الفادحة – لا سيما أثناء الدفاع عن بلدة بونيري، والتي دارت فيها معارك شرسة للغاية من منزل إلى منزل، وتمكن الألمان بصعوبة من السيطرة عليها لساعات، قبل أن يُخرجهُم منها السوفيت. 
وهكذا توقف التقدم الألماني بشكلٍ شبه تام بحلول العاشر من يوليو في ذلك الجزء من الجبهة. 
أما في المحور الجنوبي، فقد كان التوغُل الألماني أكثر نجاحًا، وتمكنت الدبابات الألمانية من الوصول إلى الخط الدفاعي السوفيتي الثالث، موقعة عشرات الآلاف من القتلى والجرحى في صفوف المُدافعين السوفيت، لكن بحلول يوم 12 يوليو، تمكنت القوات السوفيتية من لجم هذا التوغل. 
الحصون الفولاذية المتحركة تتصادم 
من أهم التحولات العسكرية التكتيكية التي شهدتها الحرب العالمية الثانية، كان الاعتماد الكبير على الدبابات، لا سيما في معارك الهجوم على كافة الجبهات ومن مختلف الأطراف المتصادمة. 
شهدت معركة كورسك بعض أكبر معارك الدبابات في التاريخ الإنساني، ولا غرابة في ذلك؛ فقد شهدت تلك الجبهة المضطرمة تصادم ما يقارب 5 آلاف دبابة سوفيتية، و3 آلاف دبابة ألمانية، كان من بينها أقوى دبابة في العالم آنذاك، وهي التايجر الألمانية. 
في هذا السياق، سجل التاريخ اسم موقعة بورخوروفكا يوم 12 يوليو، التي دارت رحاها في الجزء الجنوبي من جبهة كورسك، حيث تمكنت القوات السوفيتية المكونة من مئات الدبابات المدعومة بمئات المدافع المضادة للدبابات، من إيقاف هجومٍ جارف نفذته كتائب الدبابات الألمانية من أجل احتلال بلدة بورخوروفكا الحيوية، والتي كان احتلالُها ضروريًّا من أجل التقدم من اتجاه الجنوب نحو كورسك. 
خسر السوفيت الآلاف من قواتهم، والمئات من مُعداتهم، لكنهم تمكنوا من عرقلة التقدم الألماني، والحفاظ على سيطرتهم الصعبة على بورخوروفكا بعد أن وصل الاختراق الألماني إلى الخط الدفاعي الثالث. 
واعتبر العديدُ من المؤرخين موقعة بورخوروفكا أكبر صدامٍ بالدبابات في التاريخ الإنساني، وإلى اليوم لم تقع حربٌ كُبرى بالدبابات تنتزع منها هذا اللقب، رغم وقوع بعض معارك الدبابات الشرسة لاحقًا في حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 بين مصر وإسرائيل. 
العملية كوتوزوف.. الهجمات المضادة السوفيتية وانقلاب المعركة 
بعد امتصاص الضربات الألمانية في الأيام الأولى، بدأ السوفيت في استعادة التوازن ثم تحقيق التفوق النسبي في كافة جوانب المعركة. خلال أسبوع من انطلاق المعارك، كانت القوات الجوية السوفيتية قد استعادت التوازن الذي اختل في الأيام الأولى في سماء كورسك، مما حرم القوات الألمانية المتوغلة من الغطاء الجوي الفعال الذي كان محوريًّا في النجاح الأولي. 
كذلك نجحت التحصينات القوية، والمدافع المضادة للدبابات التي نشرها السوفيت، مع الفارق العددي لصالحهم، في تعويض الفارق التقني لصالح الأسلحة الألمانية، وهو ما مكن الخطوط السوفيتية من سرعة امتصاص الصدمات الألمانية الأولى، ثم المبادرة بالهجمات المضادة منذ الأسبوع الثاني من المعركة. 
ابتداءً من يوم 12 يوليو، بدأ السوفيت هجومهم المضاد الواسع ضد الألمان في جيب كورسك، فيما سُمي بالعملية كوتوزوف، والتي استُهلت بتمهيد نيراني مكثف بالمدفعية الثقيلة، وصواريخ الكاتيوشا، أحدث إرباكًا كبيرًا في صفوف الألمان، فاقم ما كانوا يعانونه بالفعل مع تعثُّر التقدم في كورسك، وكذلك من جراء تصاعد الهجمات السوفيتية بأسلوب الكر والفر في عمق المناطق المحتلة، مستهدفةً خطوط الإمداد الألمانية الطويلة. 
حشد السوفيت ثلاثة جيوش كبرى لشن ذلك الهجوم المضاد الكاسح، والذي كان هدفهم البعيد منه ليس مجرد الرد على التوغل الألماني في كورسك، إنما قصم ظهر القوات الألمانية على الجبهة الشرقية. 
رغم الدفاع الألماني الشرس، تمكن السوفيت من تحقيق اختراقاتٍ في اليوم الأول وصلت في بعض المناطق إلى عُمق 23 كم، وواجهوا المدافعين الألمان بثلاثة أو أربعة أضعافهم عددًا وعُدة، ليصل تعداد القوات السوفيتية المُهاجمة إلى أكثر من مليون وربع المليون مقاتل، مدعومين بأكثر من ألفي دبابة. 
على مدار الأيام التالية، تواصل التقدم السوفيتي، حتى تمكنوا بحلول 24 يوليو من دفع الألمان خارج خطوطهم التي بدأوا منها الهجوم على كورسك، ثم شرعوا في التوغل باتجاه بعض المدن الحيوية غربًا مثل أوريل، التي حررها السوفيت يوم 5 أغسطس بعد عامين من احتلالها، وأمر القائد السوفيتي ستالين بضرب قذائف المدفعية في موسكو تعبيرًا عن التقدير للقوات التي حررتها. ثم وصل التقدم السوفيتي غربًا إلى شرق مدينة "بريانسك" بحلول 18 أغسطس والذي عُد نهاية العملية كوتوزوف. 
وهكذا تحقق الانتصار السوفيتي في معركة كورسك بثمنٍ مُرعب، فوفقًا لأكثر الإحصاءات تحفُّظًا، قُتل وأصيب وفُقد ما يقارب 800 ألف جندي وضابط سوفيتي، بينما لم تتجاوز الخسائر الألمانية ربع هذا العدد. وخسر الجانبان الآلاف من الدبابات، والمئات من الطائرات المقاتلة. 
وفي العملية كوتوزوف فقط، قُتل أكثر من مائة ألف جندي وضابط سوفيتي، وأصيب وفُقد ما يزيد على 300 ألف، وفقدت الآلة الحربية السوفيتية أكثر من 2500 دبابة ومدرعة. ولعل تلك الخسائر الجسيمة هي السر وراء انتقاد بعض المحللين العسكريين الروس للأداء العسكري للجيش السوفيتي في تلك المعركة؛ إذ رأى هؤلاء أن تضحياتٍ جسيمة كالتي وقعت كان يمكن تجنُّبها أو على الأقل استثمارها في تحقيق نتائج مضاعفة. 
ما بعد كورسك 
مثلت الهزيمة في معركة كورسك ضربة قاصمة للقدرة العسكرية الألمانية بشريًّا وماديًّا، فلم يستطع الألمان استعادة المبادرة أبدًا على الجبهة الشرقية مع عدوهم السوفيتي، والذي لم يبخل بأية تضحياتٍ مادية أو بشرية في سبيل الانتقام من الألمان، وتحقيق النصر الكامل عليهم. 
مع ذيوع أنباء الهزيمة الألمانية الكبرى الجديدة على الجبهة الشرقية، وانكسار  الفيرماخت (آلة الحرب الألمانية) كسرًا يصعُب جبرُه على صعيد القوة البشرية والمادية والمعنوية، عجل الحلفاء بخططهم لاختراق الحصن الألماني في أوروبا من جبهاتٍ أخرى. 
وهكذا، لم يمر شهر أغسطس 1943 الذي شهد انتهاء معركة كورسك، إلا وقد أكمل الحلفاءُ إنزال قواتهم في جزيرة صقلية لبدء غزو إيطاليا، حيث حليف هتلر الأبرز في أوروبا، الزعيم الفاشي موسوليني، والذي سقطت حكومته في الشهر التالي بانقلابٍ دعمه الحلفاء، قبل أن يعود مجددًا إلى الواجهة بدعم ألماني، ليسيطر على شمالي ووسط إيطاليا، قبل أن ينال الهزيمة مجددًا بحلول منتصف العام التالي، ويفقد حياته. 
وفي منتصف عام 1944، وجه الحلفاء الضربة الأكبر لألمانيا النازية، فشنُّوا أكبر إنزال جوي وبحري في التاريخ الإنساني، والذي عُرف بعملية نورماندي التي بدأت يوم 6 يونيو (حزيران)، وبدأ بها تحرير فرنسا، أهم ما احتله الألمان في البر الأوروبي. 
أما السوفيت، فبعد انتصارهم باهظ الثمن في معركة كورسك، واصلوا التقدم حثيثًا من الشرق إلى الغرب، ساحقين أية مقاومة نازية، ورادِّين الصاع صاعين للألمان محاربين ومدنيين، حتى اجتاحوا شرقي ألمانيا وصولًا إلى العاصمة برلين، التي كانوا أول الحلفاء وصولًا إليها في أبريل 1945.