الرئيسة \  واحة اللقاء  \  موسكو - واشنطن والانسجام مع الإرهاب!

موسكو - واشنطن والانسجام مع الإرهاب!

15.12.2016
طارق مصاروة


الرأي الاردنية
الاربعاء 14/12/2016
الفرق بين الولايات المتحدة وتعاملها مع العراق، وبين الاتحاد الروسي وتعامله مع سوريا هو: أن الولايات المتحدة احتلت العراق، ثم فتّتته الى شيع وطوائف وعرقيات، وذلك بعد تفكيك كيانه الوطني (جيشه وامنه وادارته العامة) في حين ان روسيا حرصت على تفتيت سوريا في ظل نظام فشل في حماية وحدة الشعب السوري، مقدمة لاحتلاله.. بمعنى الهيمنة على كيانه الوطني.
لقد ادت حركة قفز مقاتلي داعش، مرة اخرى، الى تدمر، وطرد الجيش السوري منها، الى احباط "انتصارات" الاسد في حلب. ومع ان رئيس الاركان الروسي السابق انتقد بشدة اداء الجيش الروسي في السماح لداعش بهذه القفزة التي غيّرت كل توقعات دمشق وحلفائها، الا ان قطع مسافات في ارض منبسطة، لوحدات عسكرية مدججة بأسلحة ثقيلة اسمها داعش، دون تنبه سلاح الجو الروسي، او تنبه وحدات الجيش السوري، وحلفائه الايرانيين، يدل على ان الولايات المتحدة تتشارك مع الاتحاد الروسي في استغلال قصة الحرب على الارهاب، في حين ان الطرفين حريصان على ابقاء داعش والنصرة واخواتهما مؤشرا ثابتا، تدور حوله مناورات الطرفين للهيمنة بالتوافق على العراق وسوريا. فما الفرق بين النظام في العراق والنظام في سوريا؟!. وما هي طبيعة الوجود الايراني داخل كل من ادارتي الازمة في واشنطن وموسكو؟!. وكيف يمكن للعراق او سوريا استعادة سيادتهما الوطنية ووحدة اراضيهما وشعوبهما؟!.
الذين يعتقدون ان العافية ستدب في جسم النظامين المتماثلين لمجرد الخلاص من داعش في الموصل والرقة، يحبون الافلام المصرية والهندية، ونهاياتها السعيدة. فواشنطن وموسكو حريصتان على استمرار داعش والنصرة في القيام بدور "خرّاعة الخضرة" كما يقول العراقيون او "خيال المآته" كما يقول المصريون. لان الارهاب هو المادة المشوقة في العرض، وهو الخطر الاكثر اقناعا لعملية نقل ملايين العراقيين من السوريين من مدنهم وقراهم الى مناطق في الداخل والخارج تعيد ترتيب الطوائف والمذاهب والعنصريات بحيث لا تكون متحدة.. تماما كما فعل الجنرال غورد الفرنسي باجتراح لبنان الكبير بضم اربعة اقضية سورية الى الجبل، لخلق خليط متنافر لكن ضمن كيان سياسي المفروض ان يكون واحداً.
استمرار الارهابيين كطرف له دور متفق عليه بين موسكو وواشنطن، لا علاقة له بما يجري في حلب أو حمص أو تدمر أو الموصل والرقة، هذه تفاصيل، وعلى المراقب أن يلبس نظاراته لفهم ما يجري خلف ستارة المسرح!! فنحن الآن وكأننا نعود الى مطلع القرن، الى سايكس–بيكو، ومحاولات العرب خلق كيان حر مستقل لهم في الهلال الخصيب والحجاز، في ظل سيناريو عاش نصف قرن حتى كان الغزو الاميركي العسكري للعراق، وحتى انفجر الربيع العربي.
الآن، على العرب ان لا ينخدعوا "بالصراع الاميركي–الروسي" فقد كانت هناك خلافات بين بريطانيا وفرنسا، لكن التعامل مع العرب لا خلاف على نوعيته، حتى حين وجدا انهما حليفان لاسرائيل عام 1956، وقاما "بتأديب" جمال عبدالناصر الذي خرج على النص، ولم تفهم لندن وواشنطن وتل أبيب، أن المرحلة انتهت وأن الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي هما صاحبا القرار.
لا شيء يفنى، ولا شيء يوجد في الطبيعة وسياسات القوى الكبرى أشبه ما تكون بالطبيعة، والأساس فيها هو: الانسجام.