الرئيسة \  واحة اللقاء  \  موسكو والحل السّوري: وظيفة إسرائيل! 

موسكو والحل السّوري: وظيفة إسرائيل! 

23.01.2021
محمد قواص


النهار العربي 
الخميس 21/1/2021 
لا يهمّ أن ينفي النظام السوري أنباء عن اجتماع سوري إسرائيلي، برعاية روسية، جرى في قاعدة حميميم شمال سوريا. أن يحصل هذا اللقاء أو لا يحصل، فذلك التفصيل ستتم إدانته أو الترحيب به وفق ديباجات دبلوماسية تقرها مصالح دمشق والأطراف المشرفون على تحديد مصير النظام هناك. وما يهم فعلاً ملاحظة أن آلة الحرب الإسرائيلية التي تفتك نوعياً بالبنى التحتية لإيران وميليشياتها في سوريا، باتت تتيح لإسرائيل أن تملك اليد الطولى، وربما الأولى، في تحديد مستقبل أي تسوية تنهي مأساة هذا البلد. 
كان لإسرائيل الكلمة الفصل في تحديد مسارات المزاج الدولي من أزمة سوريا منذ اندلاع الصراع هناك عام 2011. لم تبد إسرائيل ارتياحاً الى تحرك سفراء بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة لدعم تظاهرات المعارضين في مدينة حمص ذلك العام، وعارضت أي جهد غربي من شأنه أن يمثل تهديداً لأمن النظام وديمومته.  
ثبت لاحقاً أن لوبي إسرائيل في الولايات المتحدة كان نشيطاً في التأثير في قرارات واشنطن، خصوصاً لجهة الحد من تقديم أي دعم نوعي للمعارضة السورية من شأنه قلب الوضع السوري "المعلوم" بالنسبة  الى إسرائيل، والانزلاق نحو فوضى "مجهولة" التداعيات على أمنها ومصالحها. 
لم تكن أهمية إسرائيل في تحديد مصير النظام في سوريا خافية على أهل الحكم هناك. أرسلت دمشق رسائل مبكرة، من خلال رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، ومن على صفحات جريدة "النيويورك تايمز" الأميركية. أطلق الرجل في أيار (مايو) 2011 جملته الشهيرة: "لن يكون هناك استقرار في إسرائيل إذا لم يكن هناك استقرار في سوريا". 
 بدا أن أمن إسرائيل مفصلي في بناء موقف دولي مما يجري في سوريا. كانت دمشق تدرك دائماً ذلك وتمارس خبثاً ماكيافيلياً في مقاربة الأمر، بحيث لا ينطلق أي خطر ضد إسرائيل من الأراضي السورية، على أن تشجع أخطاراً تصدر من أراضي الآخرين (لبنان خصوصاً).  
بالمقابل، كانت إسرائيل تعي أهمية دور دمشق في المحافظة على أمنها الحدودي، وقادرة على التعامل مع النظام السوري حين يخترق حدوداً حمراً في هذا الصدد. ولئن انخرط النظام السوري في خيارات سياسية معادية لإسرائيل، إلا أن الأخيرة كانت راضية بأداء دمشق وأخطارها المحسوبة وبدت قلقة من البدائل المجهولة. 
 وقد ظهر أن استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي في الغوطة شرق دمشق في آب (أغسطس) 2013 اخترق تلك الخطوط الحمر. ولم يكن التحرك الأميركي في ذلك الحين عاجلاً نصرة لأهل تلك المناطق، بقدر ما كان رادعاً لما يعتبر خطراً على إسرائيل. وما التدخل الروسي لتهدئة الموقف آنذاك والوعد بسحب ترسانة النظام الكيماوية، إلا تدبيراً لطمأنة إسرائيل أسس لاحقاً لتطور التنسيق الروسي الإسرائيلي الذي مهد لتدخل موسكو العسكري في سوريا في خريف 2015. 
كان جلياً أن أمن إسرائيل أولوية دولية أباح لها حرية العمل العسكري في سوريا من دون حسيب أو رقيب. حظي الأمر بدعم أميركي أوروبي، وصمت صيني، وتواطؤ روسي واضح. حتى أن تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأخيرة من أن بلاده طلبت مرات عدة من إسرائيل إبلاغها بمصادر ما تراه خطراً في سوريا للتعامل معه، تؤكد، ولا ترفض، حق إسرائيل الكامل في تحديد الخطر وضربه، وتناشدها بالمقابل تزويد موسكو بالمعلومات عن هذه الأخطار. 
 وتمثل الضربات النوعية والواسعة التي شنتها إسرائيل أخيراً على مواقع في شرق سوريا تابعة لإيران وميليشياتها تحولاً استراتيجياً لافتاً حيال الوجود الإيراني في سوريا، من حيث الانتقال من مستوى التحذير والردع إلى مستوى الاجتثاث. ذلك التطور ليس بعيداً عن استراتيجيات الولايات المتحدة، حتى تحت إدارة الرئيس الجديد جو بايدن، وليس متناقضاً مع تمنيات روسيا التي لا يضيرها تقلص النفوذ الإيراني في هذا البلد. 
على أن أنباء اجتماع حميميم الذي نفت دمشق حصوله، لم تنفها أوساط موسكو، على نحو يجعل من احتماله حقيقياً. والاجتماع في ما حمل من معلومات عن مفاوضات حول شكل النظام المقبل في سوريا، يتبع في السياسة منطق ما تستهدفه إسرائيل بالعسكر، من توق إلى قيام "بديل" سوري يوفر لإسرائيل ما كانت توفره دمشق منذ اتفاقية فك الاشتباك عام 1974.  
 وإذا ما كانت موسكو تهيمن على ميادين الحرب والدبلوماسية في سوريا، فإنها باتت تحتاج إلى الوظيفة الإسرائيلية هذه الأيام لتسويق نسختها التسووية السورية لدى الولايات المتحدة وشركائها في الاتحاد الأوروبي، قبل أشهر على الانتخابات الرئاسية السورية المزمع إجراؤها في نيسان (أبريل) المقبل. 
 قدمت إطلالة لافروف، الإثنين الماضي، حول سوريا لإدارة بايدن إحداثيات خريطة طريق تعتمد على ثوابت ومتغيرات.  
في الثوابت أمن إسرائيل وحقها في التخلص من أي أخطار تخرج عن الفوضى السورية، وأن لا دفاع ولا تمسك بحضور إيران العسكري وميليشياتها التابعة.  
في الثوابت أن الوجود العسكري الأميركي (غير الشرعي وفق تعبيره) هو أمر واقع على أن لا يتعرض لمواقع تابعة لنظام دمشق (دون غيرها).  
في الثوابت أن موسكو رقم مفصلي في تحديد مستقبل سوريا وجب على واشنطن الإقرار به كما أوروبا وإيران وتركيا. 
في الأيام الأخيرة حرّكت موسكو 300 جندي صوب الحسكة غير البعيدة عن المواقع الأميركية شرق الفرات. في الثابت تقول موسكو "الأمر لي". وفي المتغير ما يمكن لشراكة روسية إسرائيلية أن تدخله على رقعة اللعب حول سوريا. 
 تغيّرت أمور كثيرة في سوريا منذ "إنذار" رامي مخلوف لإسرائيل. لم يعد الرجل من الثوابت في النظام، فيما ما زالت دمشق ومن ورائها موسكو تستدرج إسرائيل نحو وظيفة ترمّم مستقبل النظام بعدما صانت سابقاً مصائره. يبقى أن موسكو تتأمل الوجوه التي اختارها بايدن في إدارته والتي تجمعها ثابتان: الدعم المطلق لإسرائيل وسوابق في الدعوة إلى تدخل عسكري أكبر في سوريا.