الرئيسة \  واحة اللقاء  \  موسكو تبني جيشاً وطنياً وطهران تفضّله للنظام السوري 

موسكو تبني جيشاً وطنياً وطهران تفضّله للنظام السوري 

21.01.2021
النهار


النهار 
الاربعاء 20/1/2021 
بانتظار التسوية السياسية الدولية للحرب في سوريا واتضاح أهداف الاشتباكات الجارية في شمالها وشرقها، تجري تطورات ذات دلالات في دمشق العاصمة تطاول مصير النظام والجيش السوري. تفيد معلومات دولة غربية على اطلاع منتظم على مسار الوضع السوري أن روسيا تعمل حاليًّا على إعادة تنظيم الجيش السوري على أسس مختلفة في ضوء تجربة الحرب واكتشاف نقاط قوة هذا الجيش ونقاط ضعفه.  
هذا التنسيق السوري الروسي يكشف تراجع الدور الإيراني تجاه الدور الروسي وحيرة النظام السوري بين الحليفين. وعلى العموم، يحظى الدور الروسي على رضى متفاوت من الدول الغربية إذ تتكل، عن خبث أو عن سذاجة، على روسيا لتحتوي الوجود الإيراني في سوريا وتحدَّ من تأثيره. فتستغلّ روسيا هذا الرضى وتستعمله في تنظيم الجيش السوري، بمنأى عن الإيرانيين، ورقةً لكسب تأييد الغرب لدورها في سوريا. 
 وإذا كان النظام وافق على مضض على قرار روسيا، فإنه يسعى إلى عدم إغضاب الجانب الإيراني. ويبدو أن إيران، مع انحسار تأثيرها العسكري في سوريا أمام الروس، تركز على المجتمع السوري من أجل خرقه وتشييعه، وقد تقدمت خطوات هامة في هذا الإطار، لا سيما في الأرياف. وتشير معلومات ديبلوماسية غربية إلى أن "الشهر الفائت شهد اجتماعات سورية - إيرانية في كل من دمشق وطهران لإعادة تحديد دور إيران مستقبلًا في سوريا، بينما هذا المستقبل مجهول رغم هزيمة أعداء النظام بشكل كبير. وجاءت الزيارات الإيرانية السياسية إلى دمشق لتضفي على العلاقات الثنائية طابع القوة والعمق، علمًا أن المفاوضات الأساسية جرت بين القادة العسكريين للبلدين في كانون الأول الماضي".  
وتؤكد المعلومات أن "الجيش السوري حتى لو فقد من عديده آلاف الضباط والجنود طوال السنوات التسع الأخيرة، لا يزال على قدر من القوة بعد تجاربه القتالية في كل التضاريس الجغرافية وضد أعداء مختلفين توزعوا على جميع مدن ومناطق وجبال وسهول سوريا". ولا تنكر هذه المعلومات أن "الجيش السوري استفاد من المشاركة الإيرانية قبل العام 2016 ومن المشاركة الإيرانية والروسية بعدها، غير أن المشاركة الروسية أصبحت توجيهية وإدارية فيما تستمر قوات إيرانية مكونة من الحرس الثوري ومن #حزب الله في عمليات "تصريف الأعمال العسكرية" على الأرض بحكم افتقار الجيش السوري إلى العديد ليغطي الأراضي السورية كافة". 
 وتشرف روسيا على مختلف النشاطات العسكرية وتزود النظام بما يحتاج إليه من سلاح. 
 ويلحظ التقرير الغربي أن سوريا دربت جنودها في الحرب الحقيقية على الأرض أكثر مما اختبر جيشها أسلحةً متطورة، في حين أن الدول الغربية اليوم تدرب جنودها على حروب مجازية وتختبر أسلحتها المتطورة في الحروب الحقيقية. لذلك تركز روسيا في مشروع إعادة تنظيم الجيش السوري على وضع مفاهيم عسكرية جديدة. ويقارن التقرير بين مصير الجيوش في البلدان التي تدخلت فيها روسيا وتلك التي تدخلت فيها الولايات المتحدة الأميركية. فالتدخل الروسي في سوريا حافظ على الجيش وعززه، بينما التدخل الأميركي فشل في المحافظة على جيوش العراق وليبيا واليمن. لا بل إن روسيا تعمل الآن على أن يتمكن الجيش السوري من إعادة توحيد صفوفه تمهيدًا للعب دورٍ في توحيد سوريا سياسيًّا. لكنّ هناك اختلافًا بين روسيا وإيران على كيفية إعادة توحيد الجيش، كما أن مواقف أركان النظام السوري ليست متوحدة حيال الأمر أيضًا. 
ويواجه النظام السوري مشكلة حل الميليشيات العسكرية المناطقية التي شكّلها في المناطق للتعويض عن تقصير الجيش السوري في سنوات الحرب الأولى. لكن هذه الميليشيات تعاظمت وصارت تشكل خطراً على استقرار النظام وسلطته المركزية. فهناك نزعة لدى عدد من قادة الميليشيات للاحتفاظ بسلطاتهم على المناطق التي قاتلوا فيها، وبدأت تحصل اشتباكات بين الميليشيات ووحدات من الجيش. في هذا الإطار تفضّل روسيا أن يُصار إلى احتواء هذه الميليشيات داخل الجيش، وقدّمت إلى الأركان السورية مشروعًا بذلك. 
حتى الآن نجحت روسيا في إعادة تنظيم وتكوين لواء قوات الأسد واللواءين الخامس والسادس. وتعمل هذه الألوية الثلاثة بإدارة روسية سورية مشتركة. وفيما تريد موسكو أن تكوّن جيشاً مركزيًّا يأتمر بالدولة السورية، تسعى إيران إلى تشكيل وحدات موازية لألوية الجيش المركزي تدين لها بالولاء. وقد نجحت إيران في عرقلة إعادة تنظيم اللواء الرابع من خلال "قوات الدفاع الوطنية" التابعة لها.  
بقدر ما يحتاج النظام السوري إلى روسيا لتزود الجيش بالسلاح الحديث وتضمن استمرار النظام تجاه القوى الخارجية، فإن أركان النظام يفضلون أن يبقى الجيش "جيش النظام" لا "جيش الدولة" بالمفهوم المتعارف عليه دوليًّا. ذلك أن قوّة النظام أتت أولاً من الجيش. وفي هذا المنطق تلتقي القيادة السورية مع الفكر الإيراني الذي يهمه النظام السوري أكثر من سوريا الدولة. وهكذا تصطدم روسيا في عملية إعادة تكوين جيش سوري غير عقائدي وغير مسيَّس برفض الفريق العلوي الحاكم، لأن وصول هذا الفريق إلى السلطة وبقاءه فيها هو بفضل هذا الجيش المسيس والذي هو جيش حزب البعث بالنسخة الأسدية العلوية. وإذا كان بشار الأسد بصفته رئيس الدولة السورية لا يغيظ الروس، فإن شقيقه ماهر يبدي ملاحظات للجنرالات الروس حول خصوصية الجيش السوري وعلاقته بالنظام. 
 ووفق المعلومات، فإن "القيادة الروسية أصغت لماهر الأسد وأعطت تطمينات حيال بقاء النظام، لكنها أبلغته أن استمرار الدور الإيراني على ما هو عليه في سوريا يشكل عائقًا أمام النظام لاستعادة علاقاته العربية والدولية، وأمام رفع العقوبات الأميركية والأوروبية، وخصوصًا أمام تمويل إعادة الإعمار". وتابعت: "الدور الإيراني في سوريا لا يشجع الدول الغربية على المساهمة في إعادة إعمار سوريا، وهذا أمر يزعج روسيا التي لا تستطيع وحدها إعادة الإعمار، كما أن روسيا تعتبر أن ربط المناطق السورية بعضها ببعض يحيي الحركة التجارية والاقتصادية ويفيدها أيضًا". ولذلك، يهم روسيا أن تربط الساحل السوري بالداخل، خصوصاً بشرقي وشمالي سوريا وحلب، من أجل أن يكون لقاعدتيها العسكريتين في اللاذقية وطرطوس تواصلٌ وبُعدٌ. 
من هنا تعمل روسيا على تقوية الجيش ليستغني النظام عن الوجود الإيراني فيتعدّل موقف الغرب. إنها لعبة معقدة وخطيرة وطويلة. في هذا الإطار يمكن فهم العودة الخليجية التدريجية إلى التعاطي مع النظام السوري والمساهمة في دعم النظام والإعمار، خصوصًا إذا تأكّدت صحة الاجتماع الذي عُقِد الأسبوع الماضي في قاعدة حميميم بين عسكريّين روس وسوريّين وإسرائيليّين.