الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مواجهة بين تركيا وروسيا

مواجهة بين تركيا وروسيا

02.03.2020
فاطمة ياسين



العربي الجديد
الاحد 1/3/2020
لم يتوقف القتل في شمال سورية وحول إدلب منذ أشهر، ولكنه اتخذ، في الأيام الأخيرة، شكل المواجهة العسكرية الصريحة بين تركيا وروسيا. وكانت مدينة سراقب الواقعة على ملتقى الطرق السريعة نقطة الخلاف الكبرى، وتبادل النظام وحلفاؤه والمعارضة وحلفاؤها السيطرة عليها، فمن يسيطر على هذه المدينة تكون له اليد الطولى على الطريق الدولي دمشق حلب.. ترغب موسكو بشدة أن تسيطر على الطريقين الدوليين الواصلين حلب بكل من دمشق واللاذقية، فيمكن أن تعطيها هذه السيطرة حرية تحرّك أكبر، ومزيداً من العمق التكتيكي لقاعدتها البحرية في طرطوس والجوية في حميميم، ويعطي ذلك مزيداً من الثقة لقوات النظام وذراعه السياسي الذي يعد خط التفاوض الدستوري، بحسب ما يمتلكه من أراضٍ، وليست لدى روسيا مشكلة في ترك شريط حدودي ضيق تحت سيطرة المعارضة التي تدعمها تركيا على طول الحدود، ولكن هذا الحل ينتج مزيدا من اللاجئين، وهي النتيجة التي ترفضها تركيا. ويحاول اليوم المسؤولون الأتراك، بإعلانهم فتح الحدود أمام اللاجئين السوريين باتجاه أوروبا، التأكيد على هذا الجانب.. حدود اتفاق سوتشي هي ما يطالب به الجانب التركي على لسان رئيس البلاد الذي أرفق تحذيراته لروسيا بحشد قوات كبيرة على الحدود، والبدء بالتوغل إلى قرى الشمال السوري وبلداته ودخول بعضها..
أبدت أوروبا امتعاضاً من التصعيد العسكري في إدلب، ودعا وزراء خارجية 14 دولة أوروبية روسيا والنظام للعودة إلى اتفاقيات سوتشي، ولكن هذه الجمهرة الدبلوماسية لا تشكل ضغطاً من أي نوع على روسيا، خصوصا بوجود تصريحات أميركية غير حاسمة، ما يوحي بأن تركيا ستتلقى مساندة "دبلوماسية" فقط. وسيعتبر حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي تحظى تركيا بعضويته ما يجري على الحدود الجنوبية للحلف شأناً تركياً خاصاً، على الرئيس أردوغان أن يهتم به بطريقته الخاصة.. المواجهة في هذه الحالة بين تركيا وروسيا تعني أن ما تم الاتفاق عليه بحكم المنتهي، ولكن العلاقات التركية والروسية متشابكة، وتحتوي أكثر من عامل، والقضية في سورية تشكل جانباً واحداً منها. وقد يتيح هذا التشابك وجود فرصةٍ لاتفاق اللحظة الأخيرة، خصوصا وأن الموعد الذي ضربه أردوغان لقوات النظام، وهو نهاية شهر فبراير/ شباط قد انتهى بالفعل، وكان أردوغان قد استبق هذا الموعد بدخول فعلي لقوات المعارضة، مدعومة بإسناد الجيش التركي إلى سراقب، في الوقت الذي كان فيه أردوغان يلقي خطاباً يؤكّد فيه الموعد النهائي.
يدخل أرودغان هذه المواجهة، فهو يريد التخفيف من الكوارث البشرية التي تحصل على الحدود الجنوبية لبلاده، ولكنه يرغب أيضاً في اختبار العلاقة مع الجانب الروسي، وهو يعرف حقيقة الموقف الأوروبي الذي قدّم مساعدة كلامية فقط، فيما تجنّب الجانب الأميركي التدخل، بعد أن ماطل في الطلب التركي بنشر صواريخ الباتريوت، وتصريحات وزير الخارجية الأميركي بعدم النية للعودة إلى الحرب في سورية، تزيد من التوجه التركي صوب روسيا، فالعلاقة التي قوّاها أردوغان بشكل مقصود مع روسيا، ودخوله في محادثات أستانة وسوتشي التي أفرزت اتفاقيات خفض التصعيد، يخترقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الآن. ولكن لدى أردوغان يقين بأنه لن يخرج خاسراً من هذه المواجهة، مهما كانت نتيجتها، فحاجة روسيا لتركيا ماسّة، ولن يخسر بوتين فرصةً ستؤمن له مزيداً من القرب مع تركيا، ولكنه، في الوقت نفسه، يسعى إلى تمكين النظام من إدلب، لتصفو له "سورية المفيدة"، ومجالات الاتفاق موجودة ومتاحة بعيداً عن مزيد من التورّط العسكري، وقد تكون نتيجة مواجهة سراقب من أشكال التسوية الجغرافية بين الطرفين التي تؤمّن حرية الوصول إلى الطريق السريع لكل الأطراف، مع سيطرة نارية تتيح للأتراك مسافة ضامنة لوقف الاختراقات في المستقبل، وقد يكون ريف إدلب الجنوبي الذي تقدّم فيه النظام ضحية لتسهيل التحرّك على طرق الأوتستراد للجميع.