الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مهمة قتال تنظيم "الدولة" ونيرون الأسد!

مهمة قتال تنظيم "الدولة" ونيرون الأسد!

23.02.2016
الطاهر إبراهيم



القدس العربي
الاثنين 22/2/2016
لم يمر وقت على سوريا كانت العلاقة فيها جيدة بينها وبين واشنطن إلا بعد أن صعد حافظ الأسد إلى السلطة في عام 1970. فقد كانت العلاقة سيئة جدا بين البلدين بسبب دعم واشنطن لإسرائيل. فقد كانت الحدود بين سوريا وإسرائيل دائما تشهد توترا ومناوشات عبر الحدود خلال الفترة بين عامي1948-1963 تاريخ استلام حزب البعث للسلطة.
في عهد حافظ كانت العلاقة مع واشنطن ظاهريا ليست على ما يرام. لكن التنسيق بينهما كان في أحسن حالاته، خصوصا عندما وقفت واشنطن إلى جانب حافظ الأسد ضد رفاقه في حزب البعث في انقلابه عليهم في ما سمي بالحركة التصحيحية في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1970.
لم يختلف الحال في عهد بشار الأسد عنه في عهد أبيه، رغم أن طائرات إسرائيل كانت تخترق حاجز الصوت عدة مرات فوق سوريا، حتى أنها اخترقت الحاجز فوق قصره باللاذقية وهو فيه في ساعة القيلولة. في كل مرة كان وزير إعلامه يهدد بأن سوريا سترد بالوقت المناسب، لكن هذا الوقت المناسب لم يأت حتى الآن.
عندما قامت الثورة السورية في 15 آذار/مارس 2011 لم يتغير موقف واشنطن من بشار، وإن بقيت تبيع الشعب السوري كلاما معسولا "كالبرميل المملوء زفتا وعلى وجهه طبقة رقيقة من عسل مغشوش". فيزعم أوباما أن أمريكا على رأس أصدقاء الشعب السوري، وأنه طلب من وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون أن تكون على رأس مؤتمرات تعقد باسم أصدقاء الشعب السوري، ولم تتغيب حتى عن المؤتمر الذي أشهر فيه الائتلاف السوري في الدوحة خريف عام 2012.
كثير من السوريين صدقوا أن للثعلب دينا، وأن واشنطن لبست الحجاب الشرعي، وأنها عازمة على الحج إلى البلاد المقدسة، حتى كان ذلك اليوم الذي ظهر فيه أوباما على حقيقته حيث وجد نفسه مطالبا دوليا بتنفيذ تهديده ضد بشار الأسد الذي قتل1300طفـل سـوري بالـسلاح الكيماوي، وكان قد قال: "إن الكيماوي خـط أحمر". لكنه "لحس" كـلامه فـوافق على أن يـدمر بشار سلاحه الكيمـاوي، وكأن الـ 1300 طفل سوري هم أفراخ دجاج أحـرقها مـرض الكسـاح.
وعندما ظهر تنظيم الدولة معلنا الخلافة من منابر الموصل، مهددا الغرب أنه سينتقم من "الخواجات"، فذبح صحافيين أمريكان وثالث انكليزي، جمعت واشنطن حلفاءها وقررت أن تغزو التنظيم في عقر داره. قبلها كان التنظيم قد غدر بعشرات من جبهة أحرار الشام عندما استولى على الرقة، فلم يطرف لأوباما جفن لأن هؤلاء مسلمون سنة "فخار يكسّر بعضه". بل إن حسن نصر الله اللبناني استغل قرب مدينة القصير منه فهجم عليها واستباح حرماتها، فلم تحرك واشنطن ساكنا لأن أهل القصير مسلمون سنة دمهم حلال.
كان أوباما طلب من تركيا في عام2014 أن تحرك جيوشها باعتبارها جزءا من التحالف ضد تنظيم الدولة، فقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه لن يدخل جيشه إلى سوريا إلا إذا كانت المهمة هي قتال تنظيم الدولة ونظام بشار الأسد، لأنه لا فرق بينهما فكلاهما إرهابيان.
وعندما هرب مئات آلاف السوريين عبر الحدود إلى تركيا خوفا من بطش أجهزة بشار طلبت تركيا من أوباما إنشاء منطقة ملاذات آمنة للسوريين، لكن واشنطن رفضت بحجة أنه يحتاج موافقة مجلس الأمن وهناك الفيتو الروسي. ويوم احتل تنظيم الدولة عين العرب كوباني قامت الطائرات الأمريكية بقصف تجمعات التنظيم، بل وأسقطت للأكراد الأسلحة والطعام من الجو، ولم تطلب موافقة مجلس الأمن ولا بشار الأسد، الأمر الذي لم تفعله للسوريين الهاربين، مع أن وضعهم أسوأ من وضع سكان كوباني، ومرة أخرى لأنهم مسلمون سنة.
وافقت تركيا والسعودية الآن أن تدخلا إلى سوريا لتحاربا تنظيم الدولة فتعلن واشنطن موافقتها في ظاهر الأمر. لكنها على أرض الواقع تضع العقبات أمام ذلك، لأن هذا التدخل قد ينهي خطر التنظيم الذي كثيرا ما كان ينسق خططه مع بشار الأسد وينسحب من مواقع كان يحتلها ليدخل إليها جيش بشار. مثلما أوقف التنظيم حصار مطار"كويرس" بعد سنتين من الحصار. كما أنه يحاصر الآن مدينة مارع في الوقت الذي تـهاجمـها فيه وحـدات الشـعب الكردية (pyd).
أما الميليشيات التي تدعم نظام بشار فتحارب قرى ريف حلب الشمالي، وتدع مدينة "الباب" التي تقع تحت سيطرة التنظيم المحاذية للريف الشمالي لا تمسها هذه الميليشيات بسوء.
يبقى أن نقول: نحن السوريين وأوباما في أمر عجيب! نقتل في المعارك ونموت جوعا وندفن تحت ركام العمائر المتهدمة. ثم يطلب منا أوباما أن نترك"نيرون" العصر بشار الأسد الذي قتل منا نحن السوريين نصف مليون سوري واعتقل نصف مليون آخر وقد شرد خارج سوريا وداخلها نصف عدد السوريين.
ثم نلتفت إلى محاربة تنظيم الدولة ، وهو لا يعدو كونه قاطع طريق تستطيع الطائرات الأمريكية بدون طيار أن تتكفل به، كما كانت تفعل بين الحين والآخر بعناصر "القاعدة" في اليمن!