الرئيسة \  واحة اللقاء  \  من ينقذ بشار الأسد؟

من ينقذ بشار الأسد؟

08.06.2020
فاطمة ياسين



العربي الجديد
الاحد 7/6/2020
منذ دخول القوات الروسية سورية أواخر عام 2015، شهدت الليرة السورية ثباتاً نسبياً في سعر الصرف، استمر حتى منتصف عام 2019. وحين اضطربت الشوارع في لبنان، رداً على تدهور الوضع الاقتصادي، ظهر خيط خفي بين الاقتصادين اللبناني والسوري، فعاد سعر صرف الليرة السورية إلى الانهيار مجدّداً، وهذا ما أشار إليه (رجل الأعمال) رامي مخلوف في أحد فيديوهاته الشهيرة. لا تبدو قصة مخلوف من أسباب التدهور السريع لاقتصاد النظام في سورية، ولكنها من نتائجه، ولن يستعيد مخلوف ما "سُلب" منه، فالاقتصاد يتابع مساره نحو الأسفل. وفيما لا يمتلك الشارع السوري إلا عرض المشكلة والتذمر، عرض دريد الأسد، ابن عم بشار، صورة تحتوي على بطيخة من الحجم المتوسط، وعليها لائحة سعرية، تشير إلى عشرين ألف ليرة سورية، معلقاً بأن راتب السوري المتوسط يعادل ثمن ثلاث بطيخات من هذا النوع في الشهر. وفي المقابل، حمّل وزير المالية المسؤولية للمواطن، باتهامه بعدم القدرة على إدارة شؤونه المالية، لأن ما يقبضه الموظف العادي كافٍ، فيما لو أُنفِق بحرص!
بدراسة منحنى التغير السعري لها منذ نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1970، فإن ما فقدته الليرة السورية من قيمة، لم يُعوَّض عبر ذلك التاريخ كله، حتى غدا الآن مأساوياً، ومع الاعتماد الكلي على الاستيراد وخلوّ الخزائن، من المتوقع أن تتفاقم الأزمة كثيراً، وخصوصاً بالنظر إلى ارتباط ما يحدث في سورية من عواصف اقتصادية بظروف حلفائها في روسيا وإيران، ولدى اقتصادي الدولتين من المشكلات ما يجعل اعتماد النظام السوري عليهما مشكلة للجميع. وبالنظر إلى ارتباط الاقتصاد السوري أيضاً باللبناني، يمكن التأكد من أن كل شيء في هذين البلدين يهرول نحو الأسفل، وقد فشلت الحكومة الجديدة في لبنان، على الرغم من خبرة رئيسها، وعلى الرغم مما يملكه من دعم جهات نافذة في لبنان، شاهدنا آلاف اللبنانيين يتحدّون جائحة كورونا، وينزلون إلى الشوارع تعبيراً عن سخطهم على انسداد الأفق الاقتصادي.
بإزاحة مخلوف، وهو الشكل الاقتصادي الذي كان مفضلاً في حقبة بشار الأسد، بدا أن النظام في سورية لم يعد مرتاحاً لاقتصاد الشخص الواحد، وهو يرغب، تحت وطأة ما يعانيه، في خوض تجربة جديدة ومختلفة، ولكنه عملياً لا يملك خياراتٍ كثيرة في الوقت الحالي، فمشكلته تتلخص بحاجته إلى مزيد من الأموال، لتمويل مستلزمات بقائه بالدرجة الأولى، ثم ضمان الحد الأدنى من تماسك مؤيديه. من الواضح أن الدعم المالي الإيراني قد توقف، أو أنه قد وصل إلى أدنى درجاته، وقد أصبح لدى إيران مزيد من الأعباء، وبدت في الآونة الأخيرة أقل اكتراثاً بما يحدث للنظام.
خلال السنوات العشر السابقة، فقد معظم السوريين مدّخراتهم، وتحول جزء منهم إلى مقاتلين وحرس للنظام، أو محاربين ضده، وفقدت أراضٍ خصبة كثيرة مزارعيها لصالح القتال. ومع حرمان النظام عائدات منطقة الجزيرة من الحبوب والنفط، لم يبقَ له إلا بعض التحويلات الخارجية التي يقوم بها أفراد إلى ذويهم في الداخل، وهذه ذات حجم متواضع لا يعوّض الفاقد الضخم. يصبح النظام عارياً من مصادر تمويله، وهو يحاول اعتماد أساليب جديدة، بعد أن أحرق أوراقه القديمة، كورقة رامي مخلوف. وكان بشار الأسد قد قام بحركة نقل وتعيين للمحافظين في المدن، وأصدر في الشهر الماضي (مايو/ أيار) مرسوماً بتعيين طلال برازي، شخصية النظام المفضلة، وزيراً للتجارة الداخلية وحماية المستهلك، والذي كان قد تبوأ عدة مناصب تنفيذية واستشارية، وجاء تعيينه الآن بهدف ضبط حركة السلع في السوق، والسيطرة على أسعارها بالقوة، وهي طريقة النظام التقليدية في فرض وضعٍ ما، ويريد اليوم أن يعوّم نفسه اعتماداً على شخصية برازي. لكنه بالتأكيد لن يستطيع أن يخرج من مأزقه الحرج، وسيف قانون سيزر (قيصر) سيسقط فوق عنقه بعد أيام.