الرئيسة \  واحة اللقاء  \  من يرث قيادة النظام الإقليمي؟

من يرث قيادة النظام الإقليمي؟

20.01.2018
جميل مطر


الخليج
الخميس 18/1/2018
ذات يوم من أيام شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، بعث زميل من إسطنبول بصورة مأخوذة للتو في أعقاب لقاء جمع ثلاثة رؤساء. أدرك أن هذا اللقاء، ربما كانت له أهمية عندي وكان إدراكه في محله، الصورة التي وصلتني كانت في حد ذاتها إشارة صريحة وواضحة إلى أن الشرق الأوسط لن يعود إلى ما كان عليه قبل نشوب ما يُسمى "الربيع العربي"، ظهر في الصورة رجب طيب أردوغان رئيس تركيا، وحسن روحاني رئيس إيران، وفلاديمير بوتين رئيس الاتحاد الروسي، ثلاثة ما كان يمكن أن يجتمعوا قبل عشر سنوات ليتشاوروا ويقرروا في شأن مستقبل الإقليم.
لم يكن خافياً أن بعض المحللين في المنطقة كانوا في انتظار لقاء على هذا المستوى بين قادة هذه الأقطار الثلاثة إذا استمرت مهمة دي ميستورا مبعوث الأمم المتحدة لا تبارح مكانها، وإذا استمر الرأي العام العالمي منكراً مسؤوليته عن الكارثة السورية، وإذا اكتمل انسحاب العرب من الساحة بعد أن فعلوا فعلتهم النكراء ضد سوريا شعباً ودولة وحكومة، وإذا نفذت الإدارة الانتقالية في واشنطن وعد ثم التزام الرئيس باراك أوباما الخروج من معظم سوريا في أسرع وقت ممكن وبأقل الخسائر الممكنة، وإذا استمرت الصين تتقدم بخطى حثيثة نحو تنفيذ مشروعي طريق الحرير والحزام والاقتراب من الشرق الأوسط لذاته وباعتباره الموقع المركزي في رحلة أي قوة آسيوية تسعى للوصول إلى أسواق وموانئ وشبكة النقل الأوروبية.
عبرت صورة القمة الثلاثية تعبيراً جيداً عن أمور كثيرة أكثرها تنبأ باحتمال وقوعه معلقون ومتابعون عدة لتطورات قضايا الشرق الأوسط، عبرت الصورة وبصدق عن حكاية، أو قل، مأساة فشل عنيد ومتكرر يندر أن يشهد مثلها إقليم في العالم، فشلت حكومة دمشق في فهم "الربيع" السوري، وتعاملت معه بأقل درجة ممكنة من المرونة والحنكة؛ بل والحكمة، فشلت فوقعت هي والدولة والشعب فيما وقع فيه غيرها ممن فشلوا في مواقع عربية عديدة، فشل كذلك نظام إقليمي أخطأ فأسلم قيادة لدول تكره التغيير سواء اتخذ هذا التغيير سمة "الثورة" أو "التطور التدريجي"، تدخلت هذه الدول تحت إلحاح رغبة أو شهوة عميقة للانتقام من شخص أو نظام، تدخلت مستخدمة قوى ظلامية تحت عنوان الدفاع عن ثورة تكرهها في سوريا، فشلت أيضاً الولايات المتحدة، راحت تستعجل التوصل إلى اتفاق مع إيران؛ لتخلص بنفسها وبموازنة دفاع مستمرة في التناقص، وبمبدأ تأخر تنفيذه؛ يقضي بتحويل الاهتمام الاستراتيجي الأمريكي إلى شرق آسيا. فشلت أيضاً الدول العربية مجتمعة ومتفرقة في حل قضية فلسطين حلاً مرضياً لـ"إسرائيل" وأمريكا ودول الغرب عموماً، وفي الوقت نفسه، فشلت في حل القضية حلاً مرضياً للفلسطينيين والرأي العام العربي.
لسنا في حاجة إلى تفسير اللقاء الثلاثي، الذي جمع رؤساء إيران وتركيا وروسيا بأوسع أو بأضيق مما يستحق، هذا اللقاء، في حده الأدنى، تحالف وقتي ومرن ولقضية أو قضايا محددة، وهو، في حده الأقصى، بيان تاريخي يعلن سقوط العهد العربي المعتمد على الهيمنة الغربية، انسحبت أو فشلت أو سقطت الهيمنة الغربية فتدهور حتى سقط هذا العهد العربي، على أطلاله يستعد للحلول محله عهد آخر غير عربي، عهد متعدد الأعراق واللغات والمذاهب ومعتمداً على دولة عظمى غير غربية، لاحظنا ونلاحظ كيف أن كل الأطراف في عجلة، أطراف العهد العربي يستعجلون بناء تحالفات مع دول أوروبية جميعها بدون استثناء غير مستعدة لاتخاذ إجراء يمكن أن يبتعث حرباً باردة أخرى مع روسيا. "إسرائيل" تتصرف تصرفات الدولة الواثقة كل الثقة من أنها على بعد برهة لا أكثر من لحظة إعلان الانتصار التاريخي على العرب، هذا بالضبط ما يردده الآن ضباط كبار في الجيش "الإسرائيلي" وقادة سياسيون في حزب الليكود وكبار صانعي القرار"الإسرائيلي" - الأمريكي وبعض من قادة المحافظين الجدد، لا أحد حتى الآن يستطيع التكهن بموعد وشكل ومضمون إعلان النصر اليهودي النهائي، ولا بردود فعل القادة العرب عليه، أتصور أن قادة "إسرائيل" لن يراعوا ساعتها حساسيات الزعماء العرب أو غير العرب، فالنصر "الإسرائيلي" الجديد لا يخضع لاعتبارات الحروب العادية، التي تنشب بين بشر عاديين، النصر الجديد نصر نهائي يتجاوز الزمن الراهن إلى أزمنة الكتب المقدسة.
أتوقع أن تكون الأيام والأسابيع القادمة حيوية بالنسبة للتحالف الوقتي والمرن الذي اتفق على إقامته القادة الثلاثة بوتين وأردوغان وروحاني، أخص بالذكر إثبات قدرة هؤلاء القادة على تطويره وتمكينه؛ ليصبح حلفاً أقل مرونة وأكثر طموحاً، أعرف أن القادة الثلاثة يحوزون درجة عالية من البراجماتية، هذه الدرجة العالية تسمح لهم وللحلف الذي شكلوه بابتكار صيغة تعامل مع "إسرائيل" قبل إعلان النصر النهائي وبعده، أكاد أجزم بأن ما يمكن أن يشغل هؤلاء القادة في المستقبل لن يبتعد كثيراً عن التنسيق فيما بينهم وبين "إسرائيل" والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في مسائل تتعلق بأنشطة القواعد العسكرية العديدة، التي أقيمت وانتشرت في البحر الأحمر والأبيض وإقليم الخليج، أظن أيضاً أنه سوف يشغلهم رسم الحدود الفاصلة بين مناطق نفوذهم وسيطرتهم في الإقليم.
لن يخفى على أحد المدى الذي ذهب إليه القادة الثلاثة في الأيام الأخيرة لتصحيح مسارهم أولاً بأول، يعلمون حق العلم أن انفراطهم وبال مؤكد عليهم جميعاً، صحيح أنه لا يوجد خوف من عودة الغرب، فدول الغرب لا تريد أكثر من أن يكون لها موقع قدم في مكان ما من الإقليم تراقب منه وتستفيد، الخوف كله هو من لعنة الفشل التي لاحقت الآخرين، وأصابت مباشرة وبصفة خاصة هذه الدول الثلاث في كل مرة حاولت الانغماس في تفاعلات هذا الإقليم.