الرئيسة \  واحة اللقاء  \  من هو عميد الأسرى السوريين الطيار الذي رفض استهداف حماة

من هو عميد الأسرى السوريين الطيار الذي رفض استهداف حماة

05.02.2017
كلنا شركاء


كلنا شركاء
السبت   4/2/2017
قضى (عميد الأسرى السوريين)، الطيار الذي رفض أوامر استهداف حماة، “رغيد الططري”، صاحب البضع وستين عاما، أكثر من نصف عمره حتى الآن في سجون النظام (الأب والابن)، تنقل خللها بين أقبية فروع المخابرات وصولاً إلى سجن دمشق المركزي في عدرا، ومروراً بسجن المزة العسكري وسجن تدمر، وسجن صيدنايا العسكري.
رفض استهداف حماة
يتم اليوم استذكار “الططري” في ذكرى مجزرة حماة التي وقعت في 2 فبراير/شباط 1982، والتي تعدّ أكبر مجزرة في العصر الحديث، كما جاء في تقرير منظمة العفو الدولية، وأوسع حملة شنها النظام السوري ضد الإخوان المسلمين.
وذكر موقع “أنا برس” قصة الطيار “الططري”، والذي يعتبر نموذجاً من نماذج البطولة في سوريا. فقد قام النظام بتطويق مدينة حماة وقصفها بالطائرات والمدفعية لمدة أربعة أسابيع متواصلة، أغلقت خلالها منافذ المدينة أمام الفارين من وابل النيران، وقامت بعمليات التدمير والإبادة والقتل الجماعي.
وأشار موقع “أنا برس” إلى أن واقعة اعتقال “الططري” (مواليد دمشق في العام 1955) بدأت منذ رفضه تنفيذ أمر عسكري لاستهداف حماة عندما كان طيّاراً برتبة ملازم أوّل، عقب تبرئته من قبل المحكمة العسكرية مع تسريحه من الجيش انتقل للعيش في القاهرة وقدم طلب لجوء للأمم المتحدة، لكنه لم يوفق، وعند عودته إلى دمشق في العام 1981 تم اعتقاله وتعرض لعمليات تعذيب وحشية لانتزاع أقواله في سجن المخابرات العامة ثم في سجن المزة. عُرض على محكمة استثنائية عسكرية في 1982 وصدر حكم ضده دونما إبلاغه بذلك الحكم.
أقدم معتقل في العالم
وليس في سوريا، صار له 36 عامًا الآن”. يروي الناشط السياسي ماهر إسبر والذي زامل الططري في السجن لحوالي ست سنوات قصة اعتقاله ومواقف عنه.
قضى “الططري” في سجن المزة العسكري فترةً قبل أن ينتقل إلى سجن تدمر الصحراوي السياسي في العام 1982 (بقي هناك 21 عاما)، ثم نقل إلى سجن صيدنايا (أمضى هناك عشرة أعوام)، شهد خلال سجنه فترة تمرد السجناء والمجزرة الشهيرة في ذلك الحين، ثم نقل في العام 2011 إلى سجن دمشق المركزي في عدرا، ومازال موجداً فيه حتى الآن.
ونقل موقع “أنا برس” عن الناشط السياسي “ماهر إسبر”، والذي زامل “الططري” في السجن لحوالي ست سنوات، قوله: “رغيد أقدم معتقل في العالم وليس في سوريا، صار له 36 عاماً الآن”.
وأردف “قضية رغيد الططري الأساسية بدأت عندما كان في ذلك الحين ضابطاً طياراً صغيراً برتبة ملازم أوّل يخدم في مطار حلب العسكري، جاءتهم أوامر بضرب إحداثيات معينة (لم يكونوا يعرفوا المنطقة تحديدا، وكانوا يتبعون الإحداثيات الواردة في التكليفات)، فأقلعت أربع طائرات، وتفاجئوا عندما وصلوا النقطة المستهدفة بأنها في مدينة حماة وهي مدينة مأهولة، فأبلغهم قائد السرب برتبة عميد (لم يتذكر اسمه) بألا ينفذوا حتى يتأكد من النقطة ذاتها، ثم عاد وتأكد وتبين أن المستهدف حماة، بعدها قرر قائد السرب عدم التنفيذ والخروج بطائرته إلى خارج القطر السوري، فخرجت طائرتان رفضتا تنفيذ أوامر استهداف حماة إلى الأردن، وعادت طائرتان دون أن تنفذا الأمر من بينهما طائرة رغيد الططري”.
وقعت آنذاك أزمة بين الأردن وسوريا استمرت لشهور، لم تنته إلا عقب أن قام الملك حسين –في ذلك الوقت- بإعادة الطائرتين ورفض عودة الطيارين الذي ظلوا في الأردن بعد ذلك.
وبالعودة لموقف “رغيد الططري”، فقد تمت إحالته للمحاكمة العسكرية، التي قضت بعد عام تقريبا بتبرئته، استنادا إلى كونه ضابطاً صغيراً نفذ أوامر قائده بعدم تنفيذ عملية الاستهداف، غير أن المحكمة ذاتها قامت بتسريحه من الجيش، وظل عاماً في سوريا ثم سافر بعدها إلى مصر.
مثقف ومتزن
مكث “رغيد الططري” في مصر فترة، حاول أن يجد عملا، كما حاول أن يقدم طلبات لجوء لمكتب الأمم المتحدة عقب فصله من الجيش. ثم لما لم ينجح –بحسب إسبر- عاد إلى دمشق حيث كان النظام في ذلك الحين لم يكن قد أطلق يد الأمن لاعتقال الضباط وقتلهم والتنكيل بهم، لكن تم اعتقاله بعد أن قرر حافظ الأسد تأديب كل من تمرد عليه أثناء مجازر حماة، ولم يكن اعتقال “الططري” لأنه قدم طلب لجوء بكل تأكيد، ولكن لأنه كان ضمن المجموعة التي رفضت تنفيذ أوامر استهداف حماة.
تنقل “الططري” بين السجون –كما سبق التوضيح- وقال “إسبر” في معرض روايته إنه التقاه في العام 2006 وكان “الططري” حينها في السجن منذ 27 عاماً تقريبا.
وأضاف “هو شخص متوازن جدًا، ولديه كرامة وعزة نفس عالية.. هناك قول خاطئ وشائع في سوريا أن الأشخاص الذين تعرضوا لفترات اعتقال طويلة يخرجون من المعتقل ولديهم اعتلال نفسي أو عدم توازن عقلي، بينما أنا أؤكد بالتجربة أن رغيد هو من أكثر الأشخاص الذين قابلتهم في حياتي داخل المعتقل وخارجه، الذين يتمتعون بشخصية متوازنة وبعقل راجع وبنفسية كريمة مليئة بالرفعة المرافقة لخفة الدم، ولم يقبل طوال عمره أنّ يتنازل عن كرامته في أقسى وأشد الظروف التي قدّ يتعرض لها بشر في حياتهم”.
وفي العام 2008 وقعت مجزرة صيدنايا الشهيرة بالسجن، وهي الوقائع التي شهدها “إسبر” وكان من بين الشهود عليها “رغيد الططري”، قال “إسبر” عن “الططري” في تلك المرحلة “مررنا بظروف صعبة وقاسية، وبسبب الأحداث تغيرت إدارة السجن وجيء بضابط مشهور بأنه جزار، اسمه العميد طلعت محفوظ (تم استهدافه وقتله أثناء عودته من صيدنايا في كمين بمنطقة التل فيما بعد)، وكان مدير سجن تدمر قبل غلقه، وكان يتذكر رغيد ويتذكره رغيد منذ كان مسجوناً في تدمر.. رغيد لم يكن يطلب منه شيء أبدًا”، وأردف “إسبر” قائلًا “في السجن يتمنى الكثيرون أن يكون الضباط راضين عنهم، غير أن رغيد كان مدير السجن نفسه يحترمه، لكن لم يكن يطلب منه شيئًا مطلقًا.. رغيد كان يجبر الجميع على احترامه”.
وذكر “إسبر” واقعة عن “رغيد” في تلك الفترة بأن مدير السجن “طلعت محفوظ” كان يمر على السجناء، وكان من المعتاد أنه عندما يدخل يصطف السجناء صفين، ولما دخل “رغيد الططري” لم يقف، بل ظل مستلقياً وظهره للباب كما كان، حتى أن مدير السجن ظل ينادي عليه دون أن يعيره انتباها.
ومنذ عامين تقريباً قررت إدارة السجن في عدرا أن تفرض على السجناء السياسيين زيًا محدداً (البذلات المخططة) التي يرتديها السجناء الجنائيون، غير أن “رغيد الططري” رفض الامتثال، فهددته إدارة السجن بقطع الزيارات عنه. وهو ما حدث بالفعل، فمنذ عامين لم تتم زيارته.
لدى “رغيد الططري” ابن يعيش حالياً في ماليزيا، زاره مرات في سجن صيدنايا –وفق إسبر- وبعد الأحداث السورية سافر وترك سوريا، ورغيد –وفق إسبر- شخص متزن ومثقف وعزيز النفس. ويعتبر رغيد نموذجاً حيً شاهداً على إجرام آل الأسد في سوريا، ونموذجاً من نماذج الإصرار والصمود السوري عبر التاريخ.