الرئيسة \  واحة اللقاء  \  من نفوذ الغرباء إلى تقاسم الضامنين

من نفوذ الغرباء إلى تقاسم الضامنين

06.05.2018
مرح البقاعي


مرح البقاعي
الحياة 2 5-2018
في فرصته الأولى للردّ السياسي على الضربة العسكرية للنظام السوري في 14 نيسان(إبريل) الفائت، سارع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى اتهام الولايات المتحدة بمحاولة تقسيم سورية من خلال تجاهلها سيادتها والقانون الدولي وتوجيه صواريخها إليها بالتحالف مع شريكتيها بريطانيا وفرنسا.
أما المناسبة التي أطلق فيها هذا التصريح من العاصمة موسكو فهي الاجتماع الوزاري مع نظيريه التركي والإيراني، من أجل التسريع بعقد الجولة التاسعة من محادثات آستانة التي غالباً ما تعقد جلسات جنيف بعدها مباشرة (أو على الأقل هكذا جرت العادة ولا نعرف ما إذا كان الأمر قد أصبح تقليداً من الماضي).
فروسيا التي تجد في نفسها إحدى الدول الضامنة لرعاية وقف إطلاق النار في مناطق خفض التصعيد التي رسمت خرائطها بالتوافق الكامل مع الولايات المتحدة، هي أول من خرق اتفاقية الهدنة الإنسانية الفورية التي أقرها مجلس الأمن في القرار الأممي الرقم 2401 الصادر في 24 شباط (فبراير) 2018، وهو القرار الذي تمت صياغته بحِرَفية عالية من دولتي السويد والكويت لسحب الذرائع من روسيا، أو أية محاولة لاستعمال الفيتو بهدف تعطيله.
فبعد ساعات فقط على إصدار القرار والتصويت عليه بإجماع مجلس الأمن، والتزام الفصائل المقاتلة في الغوطة الشرقية آنذاك ببنوده، اقتحمت قوات النظام براً الغوطة الشرقية بينما غطتها جواً الطائرات الروسية بغطاء ناري كثيف. ومن الجدير بالذكر أن الغوطة الشرقية تنضوي ضمن خارطة مناطق خفض التصعيد المعتمدة التي تضمنها روسيا وتدافع عنها في آستانة. ومن المضحك المبكي - فشرّ البلية ما يضحك - أن أول من دخل الغوطة الشرقية إثر ساعات من تهجير أهلها قسرياً كان الضامن الثاني، ممثلاً بعلي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، وذلك في مشهد استعراضي أمام الكاميرات التلفزيونية، متجولاً بين قبور أطفالنا وشهدائنا وأطلال المدينة، يرافقه ضباط في الجيش النظامي لمزيد من الاستفزاز والابتزاز.
من نافلة القول أن للدول الضامنة الثلاث، كل على حدة، طموحاتها السياسية والجغرافية في الأرض السورية، وأن انغماسها في المعارك الطاحنة في سورية يجعلها ضامن زور في هذه العملية ويضعها في موقع القاضي والجاني في آن. فالوزراء الثلاثة الضامنون اتفقوا على أن «سورية يجب أن تظل كياناً مستقلاً وسيداً». لكن، أي استقلال هذا والطائرات الروسية تسيطر على الأجواء السورية تماماً، بينما تحتل بوارجها البحرية وقواعدها العسكرية الساحل السوري على الأبيض المتوسط، هذا ناهيك بالشرطة العسكرية الروسية التي تنتشر في كل بلدة ومدينة يتمّ تهجير أهلها الأصليين؟! وأية سيادة تلك والعلم التركي يرتفع في غير مدينة في الشمال السوري ويقيم الجيش التركي الحواجز وتنصّب الحكومة ولاتها على المدن المفرّغة من سكانها؟ وأي استقلال وسيادة في واقع الانتشار الإيراني السرطاني بتشكيلاته الاحتلالية كافة، المدنية والميليشياوية والعقائدية الطائفية، ونخرها النسيج الاجتماعي السوري بعد أن اقتلعت الأحياء من منازلهم وأحالت الغوطة الدمشقية - جنّة الشرق - إلى عمود دخان؟!
ومن نافلة القول أيضاً أن الالتئام الأول لمجموعة آستانة في 23-24 كانون الثاني (يناير) 2017 قد حدث إثر السقوط المدوّي لشرقي حلب، وأن كل جولة من جولات آستانة المتعاقبة كانت تُرفَق بهجوم ضارٍ تشنّه واحدة أو أكثر من الدول الضامنة، بالشراكة مع النظام، على موقع مشمول بخارطة تخفيص التصعيد.
آخر تلك الهجمات كان خلال انعقاد اجتماع الضامنين الوزاري في موسكو تحضيراً لآستانة 9، حيث قُصفت الرستن بوحشية غير مسبوقة، وصولاً إلى تاريخ كتابة هذه السطور وقد شارفنا على حافة حالة من الانهيار الكامل للجناح العسكري للمعارضة ترافقت مع دفع مقاتليها إلى الشمال موزعين بين إدلب وجرابلس وهم يحملون سلاحاً فردياً بلا ذخيرة وبعضاً من رماد مدنهم المحروقة.
أما محاولات موسكو دمج الملفات السياسية بالعسكرية خلال جولات آستانة، فلم تخبُ على الإطلاق. وقد أخبرني أحد ممثلي الفصائل في وفد المعارضة أنه في الجولة الخامسة تقدّم منه عضو في الوفد الروسي ووضع أمامه على الطاولة مسوّدة لدستور - أعدته روسيا - طالباً رأيه ومراجعته، فكان من ممثل الفصيل أن سارع وطلب منه إبعاد الملف من الطاولة فوراً، وقال بغضب معلن: هذا من اختصاص الشعب السوري وعلى أرضه وليس من اختصاصنا أنت وأنا، وهنا في هذا المكان»! أما السؤال الذي يطرح نفسه بقوة فهو: من يقف وراء سياسة تحويل مناطق النفوذ في سورية إلى كانتونات أمنية معزولة عن بيئتها، يديرها ويمتلك زمام أمرها من يسيطر عليها بقوة السلاح ليبرّر تقسيم البلاد؟ أوليست شواهد عفرين والغوطة والقلمون وطرطوس غيضاً من فيض آستانة التي تقرع باب القدر؟
حقاً هو الضمان الثلاثي في مواجهة ما أطلقت عليه موسكو وطهران ودمشق «العدوان الثلاثي». وحقاً هم الضامنون «الزور» الذين سينقلون نفوذ الغرباء إلى واقع من التقسيم الفعلي سيراً على إحداثيات المناطق المنخفضة التصعيد والعالية التوتر.
 
* كاتبة سورية