الرئيسة \  واحة اللقاء  \  من ربيع دمشق إلى الربيع العربي 

من ربيع دمشق إلى الربيع العربي 

17.03.2021
بشر سعيد


 
سوريا تي في 
الثلاثاء 16/3/2021 
دمشق عام 2000، وصل الأسد الابن للسلطة. ودخل هذا الحدث في مخيال الإنسان العربي، وكأنه السيناريو المنتظر أو الحتمي في كل "جمهورياتنا"، وبالفعل بدأت الأحداث تتحرك في كل واحدة من تلك الجمهوريات نحو هذا المصير. 
لذلك فإنني أعتقد أن واقعة التوريث في سوريا كانت أحد أسباب الربيع العربي، حيث اندفع الشباب في بقية البلدان لتجنب هذا المصير. كما أننا، نحن السوريين، مررنا من 2000 إلى 2010 بعدة محطات أسهمت في انطلاق الثورة في سوريا. 
وفاة ربيع دمشق عام 2001 شطب على وعود الإصلاح قبل أن يجف حبر "خطاب القسم"، كما أن الغزو الأميركي للعراق 2003 جاء كفرصة لتشديد القبضة الأمنية، وفي عام 2005 صدر "إعلان دمشق" الذي طالب بالتغيير  التدريجي السلمي والديموقراطية، ولم يحظ بأي تفاعل إيجابي من قبل السلطة، لكن في مطلع 2008، وبعد أيام على مؤتمر إعلان دمشق، جرى سجن واعتقال ومحاكمة العديد من قياداته وأعضائه. 
عندما بدأت الثورة في تونس أجرى بشار الأسد مقابلة صحفية ذكر فيها أن الربيع العربي لن يمر بسوريا وأن الإصلاح يحتاج جيلاً آخر 
إنها سلسلة من الأحداث جرى خلالها استغلال كل فرص القمع أو السيطرة، مع تفويت كل فرص الإصلاح التي حاولت بعض قوى المعارضة تفعيلها. 
عندما بدأت الثورة في تونس أجرى بشار الأسد مقابلة صحفية ذكر فيها أن الربيع العربي لن يمر بسوريا وأن الإصلاح يحتاج جيلاً آخر. 
بالنسبة لي وللشباب الذين أتواصل معهم، و"نحن عقلنا على قدنا" كما يقولون، لم نكن مستعدين لسماع كلمة جيل. كانت تلك المقابلة في ذهني عندما قررت المشاركة في الاعتصام أمام وزارة الداخلية في دمشق يوم 16 آذار 2011، والتي دعت لها شخصيات سورية وعائلات للمعتقلين "العشرة الأفاضل". 
شعرت أنها فرصة لدفع عجلة الإصلاح المتوقفة، فالرئيس ربما يكون بحاجة لدفعة.. خاصة "أنه" قال أيضاً في إحدى مقابلاته السابقة، أنه إذا تأخر الإصلاح فإن من المتوقع من الناس أن يعبروا عن استيائهم من ذلك التأخير. 
الأحلام كانت كبيرة.. 
عموماً، وبعد ما جرى في تونس وسرى شعور عام بأن الأمر لن يقف هناك، البعض كان متفائل جدا.. والبعض أيضاً كان متخوفاً جداً. 
بعض الشباب والناشطين تحركوا عند السفارة الليبية، وتجمعوا هناك عدة مرات لمؤازرة الشعب الليبي، وكل هتاف كان يرفع هناك، كان يحمل وجهين، وجه يتجه إلى القذافي والشأن الليبي، ووجه محلي يتحدث عن سوريا دون ذكرها بالاسم. هذا كان في شهر شباط 2011. 
لاحظ البعض في سوريا تراجعاً في حضور رجال الشرطة والمرور في الشوارع في دمشق، ربما كانت محاولة لترك مسافة أمان وعدم السماح لأي شرارة أن تتولد عن أي احتكاك.. الحديث كان بيننا أنه متى ستبدأ.. وأين.. وكيف؟ 
قناة الجزيرة مباشر كانت تعرض رسائل نصية يرسلها المشاهدون، للتعليق على الأحداث، وكانت بعض الرسائل "مشفرة" بشكل ما وتتحدث عن سوريا، وكان فيها لمسات لطيفة وفنية، خاصة تلك المستوحاة من شعارات النظام نفسه. 
مظاهرة الحريقة كان لها صدى مختلف، لأنها كانت "مظاهرة"، بشهادة وزير الداخلية. 
ثم مظاهرة الحميدية ثم اعتصام الداخلية ثم انتفاضة درعا وبقية القصة. 
في اعتصام الداخلية، نسقنا للمشاركة مع 9 شباب وشابات، أصدقاء وأقرباء، وصلنا متأخرين "بضع دقائق" فكان الاعتصام قد فُض. وقفنا نتأمل مشهد ثلة تهتف بالروح وبالدم، وصياح هناك.. وصراخ هناك!! 
دون أن أنتبه اختفى بقية الشباب من حولي، تلفتت فشاهدت أخي يدخل محل حلاقة، دخلت خلفه وكنت آخر الواصلين، فوجدت نبيل شربجي، مكلبشاً على كرسي الانتظار، وفي المحل أسامة نصار وزوجته ميمونة، والصديقة دانة الجوابرة، إضافة إلى 3 رجال أمن وصاحب المحل. 
للأسف لا أتذكر أي كلام قاله أحد غيري، لكنني بدأت أتكلم فوراً، قلت بصوت عال وكررت: "أنا معه، كلبشوني معه". ولعلي قلت أيضاً وبتكرار: "أنا ما عم بضرب، حدا". 
كنت أيضاً أمد يدي من بين رجال الأمن وأحاول أن أقترب من نبيل. رفض رجال الأمن تحقيق مطلبي!! ثم تعرضت للمسك من الخلف ثم أنزلوني للأرض ثم قرروا اعتقالي ووضعي جنب نبيل، لم يكن معهم كلبشات إضافية، أخرجوا أخي وابن عمي خارج المحل، لكنهما بقيا عند الباب مطالبين بالعودة للداخل، فأدخلوهم وجلسوا جنبنا. 
في "السرفيس" إلى الفرع حاول رجال الأمن فرض حضورهم، فرددنا على كل كلمة قالوها، حتى إننا منعناهم من التدخين، استناداً إلى مرسوم رئيس الجمهورية!! 
إذا كان هذا يبدو سريالياً، فالبقية أيضاً سريالية.. عندما كنا سنصعد إلى "سرفيس الأمن"، كان آخر من سيركب معنا أسامة نصار وزوجته ميمونة العمار و"هي حامل في الشهر السابع" فقال لها عناصر الأمن: اذهبي أنتِ. فنظرت إلى زوجها وقالت: لا أعود بلا زوجي، فقالوا لهما: "انقلعوا انتوا التنين"، لكن أسامة قال: لا أعود دون أصدقائي، فقالوا: إذاً اصعدوا جميعاً إلى الباص!! 
في "السرفيس" إلى الفرع حاول رجال الأمن فرض حضورهم، فرددنا على كل كلمة قالوها، حتى إننا منعناهم من التدخين، استناداً إلى مرسوم رئيس الجمهورية!! 
تابعنا هذا الموقف وهذه العقلية في الفرع كلما كان ذلك ممكناً، أدخلونا غرفة كبيرة، كان فيها ضابط أمن يتحدث مع سهير الأتاسي، وهو يدخن، بادره أخي: التدخين ممنوع في الأماكن العامة!!! 
فأشار الضابط إلى ورقة ملصقة على الجدار مكتوب عليها شيء يبرر التدخين في هذا المكان، وطلب من العناصر إخراجنا من الغرفة إلى مكان آخر. في كل فرصة كنا نعبر عما في قلوبنا. 
في اليوم التالي نقلونا إلى المحكمة، ثم إلى سجن عدرا حيث تجمع أكثر من 20 شاباً من مختلف محافظات سوريا في غرفة واحدة لمدة أسبوعين، كانت غنية بالحوارات ومليئة بالنقاشات والبركات. 
جرى إخلاء سبيلنا على دفعتين.. خلال أسبوعين.. 
قصة سريالية.. وقد تبدو فنتازيا تاريخية اليوم!