الرئيسة \  واحة اللقاء  \  من تكريت العراقية إلى خان طومان السورية

من تكريت العراقية إلى خان طومان السورية

29.05.2016
براء صبري


الحياة
السبت 28-5-2016
على أعتاب مدينة تكريت العراقية قبل أكثر من عام ظلت رايات ميليشيات الحشد الشعبي ترفرف لأيام طويلة منتظرة اختراق دفاعات داعش في المدينة. وكانت صور القائد الإيراني قاسم سليماني تنتشر على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي بصفته العقل المدبر للهجوم على تكريت. والذي جاء بُعيد انهيارات سابقة للجيش العراقي أمام هجوم التنظيم. ولكن، على رغم مرور الكثير من الوقت لم يحدث أي شيء ذو قيمة على تلك الجبهة حتى تدخل الطيران الأميركي الذي تجنب الدخول في المعركة خلال الأيام الأولى من الهجوم، نتيجة رفض قيادات الحشد ومن ورائهم إيران للمساعدة الأميركية تلك. ذلك الرفض المعزز باعتقاد هؤلاء بقدرة إيران على مساعدة الحشد على تجاوز المدينة وتحريرها. ومن ثم التفرد بعملية السيطرة على البلاد والتي خيبتها قوات داعش، والتي اضطرت بعدها تلك القوى وعن طريق الحكومة العراقية الضعيفة على الأرض أن تستنجد بالطيران الأميركي لرفع الحرج عنها ولطرد التنظيم الإرهابي وتحرير المدينة.
لم يكن رفض الحشد الشعبي ومن ورائهم إيران للمساعدة الأميركية نابع عن الغرور فقط. كان عبارة عن اعتقاد راسخ بأن النصر في تكريت، والتي تحمل رمزية كبيرة للكثير من القاعدة البعثية، هي بداية سيطرة شاملة على باقي المناطق العراقية الخارجة عن سيطرة النفوذ الإيراني في ما سبق من الأيام. وبالتالي، هي تمهيد للابتلاع السياسي والعسكري الشامل لدولة مجاورة، وثرية، ووسيطة بينها وبين الحرب الأخرى في سورية التي تشبه إلى حد كبير في مكوناتها مكونات معركة تكريت، والتي انتهت نتائجها لمصالحة أميركا وحلفائها من الناقمين على إيران أقله شعبياً وسياسياً.
إذاً هي بالمحصلة كانت حرب نفوذ بين إيران وأميركا على من يستطيع أن يدعم توابعه في العراق أكثر في معاركه ضد تنظيم الدولة. وبالتالي، من سيكون له اليد الطولى في عراق ما بعد داعش. والتي نجحت أميركا فيها على حساب إيران إلى حد كبير من على الضفة السياسية السنية والكردية على أقل تقدير.
في سورية، كان خبر سقوط بلدة خان طومان المفاجئ في محافظة حلب على يد جيش الفتح الذي يقوده جبهة النصرة جناح القاعدة في سورية، مفاجئ جداً للجميع. كان النظام يتبجّح بقرب وصوله للتطويق الشامل لمدينة حلب. وكان راْسه يتحدث على الإعلام عن قرب تحرير المدينة الكامل، وكان يلمح بثقة لتمرده شبه المبطن على أي حل خارج أسسه المطروحة على رغم لهاث كيري ولافروف المستمر على ترسيخ الهدنة بين القوى المتقاتلة في سورية. لكن سقوط بلدة خان طومان من يد النظام، وحلفائه من المليشيات الشيعية، والقوات الإيرانية، ومن دون أي حراك روسي لمنع السقوط أو إعادة التحرير استدرج معه حيثيات كبيرة والتي يمكن تلخيصها بما يلي:
اولاً: الاعتراف الرسمي الأول لإيران بتدخلها العسكري المباشر على الأرض والمتجاوز لحديثها المتكرر عن الاستشاريين العسكريين. والذي جاء نتيجة مقتل وأسر العديد من جنودها في البلدة، وما يتبعه من اعتبارها جزء مباشر ومعلن للحرب الطائفية في المنطقة.
ثانياً: عودة القوتين الإقليميتين تركيا وإيران إلى المربع الخلافي الأول في سورية. والمتمثل بما يسمى الصراع السني الشيعي. والذي حاول الطرفين تجاوزه لكبح انطلاقة الأكراد في سورية، والناتج عن الاتهام الإيراني المباشر ومن خلال إعلامه لتركيا بدعم تلك القوى الإسلامية المتشددة في الهجوم على البلدة وفتح معبر حدودي سري للدخول منها إلى البلدة.
ثالثاً: تأخير عملية السيطرة على مدينة حلب والتي كانت ملامح حصاره بدت واضحة إلى حد كبير. وبالتالي، تعزيز الضغط على النظام للتشبث بالمفاوضات، وتقبلها، وعدم المماطلة للهروب من استحقاقات الحل.
رابعاً: قيادة النصرة لمعظم العملية عززت أيضاً لدى وفد المعارضة وداعميه أهمية التشبث بالمفاوضات قبل ابتلاع التنظيمين الإرهابيين (داعش- النصرة) لكل حلفائها التي تعتبرهم المعارضة والدول الإقليمية الداعمة لها، القوى المعتدلة الثورية.
خامساً وأخيراً: رسالة روسية واضحة للنظام وإيران معاً عن أن أي أنتصار في سورية لن يكون إلا بوجودها. ولن يستطيع النظام الهروب من البرنامج الروسي للحل في سورية بالإستعانة بإيران. ولن تستطيع إيران فعل أي شيء للنظام المتهالك إلا من خلال الوحش الروسي.
كان وضوح عدم تدخل الطيران الروسي الذي أثبت فاعليته في الخريطة العسكرية السورية خلال الفترة الماضية في معركة خان طومان في شكل فعلي رسالة مبطنة لإيران والنظام معاً على أنه لا خروج عن عَباءة بوتين. وأنه لا يمكن للنظام الاستناد على إيران لحماية نفسه وللهروب من استحقاقات الحل والطاعة. وكما كان عدم تدخل الطيران الأميركي لمصلحة ميليشيا الحشد الشعبي المدعوم بهالة قاسم سليماني وجنوده في معركة تكريت السبب في إنتكاسة تلك المجموعات. وبالتالي، استنجادها بتلك الطائرات التي تعتبرها مرجعية تلك المليشيات الدينية في قم بطائرات العدو بصورة مذلة هي طريقة من طرق حجم النفوذ الإيراني في العراق وردعه عن التمادي أكثر. أظهرت الوقائع أن الحالة السورية، ومعركة خان طومان جنوب حلب تمضي في الاتجاه ذاته، ومن أجل الهدف ذاته، وإن من على الجبهة الروسية السورية هذه المرة.
* كاتب سوري