الرئيسة \  واحة اللقاء  \  من بيروت إلى واشنطن وطهران... حروب ومواجهات 

من بيروت إلى واشنطن وطهران... حروب ومواجهات 

27.12.2020
إبراهيم حيدر


النهار العربي 
السبت 26/12/2020 
ينكشف الوضع اللبناني أكثر من اي وقت مضى على الخارج. تشكيل الحكومة مرتبط إلى حد بعيد بملفات إقليمية ودولية، طالما أن هناك قوى ترهن البلد للخارج وتتصرف على هذا الأساس، في وقت تستفيد قوى أخرى من فائض القوة التي تملكها لتفرض أجندتها في الحكم وفي مسار تشكيل الحكومة، وبالتالي إبقاء الوضع على ما هو عليه إلى أن تمر المرحلة الدقيقة والحساسة قبل خروج دونالد ترامب من البيت الأبيض في 20 كانون الثاني (يناير) المقبل. 
لا توجد في لبنان دولة اليوم بالمعنى الدقيق للكلمة. الدولة مفككة لمصلحة قوى أهلية تتحكم بمسار الأمور وتقرر مصير البلد لحسابات بعضها إقليمي وبعضها يرتبط بالهيمنة الداخلية. الطرف الذي يمتلك فائض القوة في لبنان اليوم هو "حزب الله". يتصرف على اساس أن المشكلة لا ترتبط به في ما يتعلق بالخلاف على تشكيل الحكومة، على رغم أنه يتعرض للعقوبات. فإذا كان تحالفه مع "التيار الوطني الحر" ورئيس الجمهورية ميشال عون يمكنه أن يؤدي دوراً في الدفع بتشكيل الحكومة، أقله عبر التوافق لإنتاج تسوية تقوم على تقديم تنازلات لإنقاذ البلد. لكن إذا كان الحديث عن لبنان الذي لم يعد يستطيع أن يحكم نفسه بنفسه، فتحل بذلك قوى مسلحة أخرى داخل الدولة لتتصرف ضمن حسابات إقليمية من بينها "حزب الله" ومرجعيته الإيرانية في فرض أمر واقع لا أحد يستطيع القفز فوقه.  
الوضع اللبناني المأسوي جعل الدولة اللبنانية مفككة إلى أقصى الحدود، وكأنها فقدت أمام القوى الأهلية والطائفية كل مقومات بقائها وقدرتها على إدارة شؤونها. الدليل أن كل أزمة لبنانية وآخرها أزمة تشكيل الحكومة وقبل ذلك انفجار مرفأ بيروت المروع استحضرت التدخل الدولي في البلد، إلى حد بات البعض يطلب وصاية دولية على لبنان طالما أن الدولة فاشلة وليست أهلاً لحكم نفسها بنفسها.  
الاستعصاء الداخلي اللبناني ورهاناته الإقليمية مستمران في حجز البلد ومعه تشكيل الحكومة الجديدة التي يفترض أن تكون إنقاذية. لكن الأمور في كل مرة تذهب عكس الخيار الإنقاذي، لا بل تصب في مزيد من التفكك والشلل، بحيث ينزلق لبنان نحو الإنهيار وكأن طريق جهنم مفتوحة بمساراتها كلها. ويتضح أن الخلاف الداخلي اللبناني الذي يتصل بالملفات الإقليمية رحّل تشكيل الحكومة إلى ما بعد 20 كانون الثاني (يناير) المقبل، طالما أن الرهان قائم على تغييرات دولية، والاحتمالات المفتوحة على حروب، أو أقله ضربات صاروخية لمواقع في سوريا وهجمات في العراق، على غرار ما حدث من قصف إسرائيلي بصواريخ وغارات على مصياف السورية واستهدفت مواقع إيرانية وأخرى للجيش السوري، إضافة إلى أن هناك ملفات مؤجلة كترسيم الحدود وغيرها من ملفات داخلية لعل أبرزها التحقيق في انفجار مرفأ بيروت.  
على المقلب الآخر من الخلاف الحكومي، يبدو أن "حزب الله" لا يريد تأليف الحكومة في المرحلة الفاصلة عن دخول جو بايدن البيت الأبيض، وهو يفضل تمرير الأسابيع المتبقية من ولاية دونالد ترامب بحد أدنى من الخسائر، ويتجنب في الوقت ذاته التصعيد في سوريا ولبنان. وبينما يفضل بتوجيه من مرجعيته الإيرانية أن ينتظر التطورات، يتخوف في الوقت ذاته من الضغط الأميركي ضد إيران في الأسبوعين الأخيرين من ولاية ترامب الذي يتحرر من أي مساءلة، من الكونغرس الأميركي أو غيره، وهو الذي قد يُقدم على خطوات في أميركا نفسها، من إعلان حال الطوارئ وغيرها قد تحدث أزمة دستورية وإنقلاباً في الولايات المتحدة. فالآتي هو الأشد خطورة، مع احتمالات نشوب حرب تلي الضربات الإسرائيلية المتواصلة في سوريا. 
لكن "حزب الله" يتجه أكثر إلى دعم موقف حليفه الإستراتيجي رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، وهو الذي غطّاه في كل تدخلاته الإقليمية، فإذا استمر الصراع على تأليف الحكومة، وشعر "الحزب" بأن هناك جبهة تتشكل لإسقاط ميشال عون أو حصاره، فإنه سيخوض معركة الدفاع عنه، إلى حد قلب الطاولة وخروجه بفائض قوته على الأرض، وهو ما قد يؤدي إلى تطورات أمنية وأزمات وصراعات متماهية مع تطورات الوضع في المنطقة، حيث "الحزب" هو جزء من الأذرع الإيرانية والقوى التي تتحرك إقليمياً. فكل ذلك يدفع البلد إلى مزيد من الإنهيار وتلاشي ما تبقى من مناعته الوطنية.  
يسير "حزب الله" على هدي مرجعيته ويستقل أيضاً داخلياً في بنيته الأمنية والمالية ولا يكترث للعقوبات المفروضة عليه وعلى البلد، فيؤمن الدولار الأميركي ويكشف إمكاناته المالية عبر ماكينات السحب المالي التي نشرها عبر مؤسسة "القرض الحسن" في مختلف المناطق التي يسيطر عليها، فيما الأكثرية الساحقة من اللبنانيين تسير نحو الفقر المدقع. أما بنيته الأمنية والعسكرية، فتستعد للدفاع عن إيران عند أي مواجهة أميركية إيرانية، طالما أنه يتصرف من خارج الدولة. 
لا حكومة في وقت قريب قبل حدوث تطورات على خط بيروت واشنطن وطهران. وفي هذا الوقت تثبت الطبقة السياسية اللبنانية والتحالف الحاكم خصوصاً، أن حساباتهما الخاصة والضيقة أقوى بكثير من المصلحة اللبنانية. على هذا يخوض رئيس الجمهورية ميشال عون حرب الصلاحيات مستنداً إلى دعم "حزب الله" حليفه الأول في السلطة، ما يؤدي بالبلد إلى مزيد من التعطيل واستمرار الأزمة، فيما لبنان في حالة انهيار والحكم فيه معزول عربياً وحتى دولياً.