الرئيسة \  واحة اللقاء  \  من القاتل الحقيقي بوتين أم بايدن؟ 

من القاتل الحقيقي بوتين أم بايدن؟ 

25.03.2021
مثنى عبد الله



القدس العربي 
الاربعاء 24/3/2/2021 
في كسر واضح لكل الأعراف والأصول الدبلوماسية، وحتى لياقات التخاطب بين الزعماء السياسيين خارج حالة الحرب، جاء وصف الرئيس الأمريكي جون بايدن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه قاتل، وأنه سيدفع ثمن أفعاله. كان التصريح ضمن حوار أجراه تلفزيون "أي بي سي" معه الأسبوع الماضي. في ما جاء تعليق بوتين على الوصف باردا بالقول، إنه يتمنى لبايدن الصحة الجيدة، وأردف "القاتل هو من يصف الآخر بذلك، دائما نرى مواصفاتنا في شخص آخر، ونعتقد أنه مثلنا". كما اعتبرته أوساط روسية إهانة للدولة والشعب، حيث قال رئيس الدوما "هذه هستريا ناجمة عن العجز. بوتين رئيسنا وأي هجوم عليه هو هجوم على بلادنا". 
في حين صفّق الاتحاد الأوروبي للموقف قائلا، إن المسؤولية السياسية واضحة على بوتين في عمليات اغتيال كثيرة حصلت في الداخل والخارج. كما رحّب وزير الخارجية الألماني باللغة التي استخدمت في وصف بوتين، لكن ما الأسباب التي تقف خلف هذا الموقف؟ وما التداعيات اللاحقة؟ 
لعل السبب الرئيسي الأول الذي دفع الرئيس الأمريكي للتصريح بهذا الشكل هو وقوعه تحت ضغط المهمة الملقاة على عاتقه، وهي كيفية تجاوز الصورة النمطية التي كانت مرسومة للرئيس السابق دونالد ترامب، أمام الرئيس بوتين، حيث غالبا ما كان الوصف بأنه خانع وخاضع له، وأن هذه الحالة قد حطت من قدر ومكانة الولايات المتحدة أمام أنظار العالم، لذلك فإن الإدارة الجديدة تحاول اليوم إعادة العلاقة مع بوتين شخصيا إلى الوضع الطبيعي، ما قبل تولي ترامب الرئاسة، وإرسال رسالة بأن الموقف الأمريكي من روسيا لم يعد كما كان سابقا، لذلك هو ذهب إلى حالة من تسمية الأشياء بأسمائها، حتى لو اقتضت الضرورة تجاوز الأعراف الدبلوماسية، التي تقتضي أن لا يُصرّح بذلك علنا مراعاة للهيبة. كما يبدو من التردد الذي أبداه في بداية الإجابة، أنه يعرف تماما ماذا تريد الأوساط السياسية الأمريكية أن يكون جوابه. فهنالك شبه إجماع على أن يكون الوصف بهذه الكلمة وليس أدنى منها. أما السبب الآخر الذي دفع بهذا الوصف للخروج إلى العلن، هو التقرير الصادر عن المخابرات الأمريكية قبل يوم واحد من المقابلة التلفزيونية. التقرير يؤكد الاتهامات القائمة منذ سنوات ضد بوتين، التي تزعم أنه كان وراء التدخل في الانتخابات الأمريكية السابقة عام 2016، كما يشير أيضا إلى تدخل آخر في الانتخابات الأخيرة عام 2020. إضافة إلى أنه يتحدث عن هجوم سيبراني روسي ضخم ضد الأصول الأمريكية، ودفع مكافآة من المخابرات الروسية لمقاتلي طالبان لقتل جنود أمريكيين في أفغانستان. وقد فنّد المتحدث باسم الرئاسة الروسية هذه الادعاءات قائلا، إنها مزاعم لا تستند إلى دليل، كما اعتبرتها أوساط روسية حجة في سبيل إصدار عقوبات أمريكية جديدة ضدها. وهنا كان لابد أن يعزز بايدن ما جاء في التقرير بذلك الوصف، حيث لا يمكن أن يستقيم المنطق بأن لا يكون بوتين قاتلا، في حين تتهمه المخابرات الأمريكية بكل هذه الأفعال. 
 
صُنّاع القرار في كل من واشنطن وموسكو يعرفون أن النفخ في الأمور الصغيرة يدفع إلى عواقب وخيمة، تضر بالعالم أجمع 
 
وإذا ما أضفنا إلى السببين، أن الرئيس بايدن أصدر مؤخرا ما يسمى دليل الأمن القومي الأمريكي، الذي هو عبارة عن صورة للاستراتيجية الأمريكية الكبرى في العالم خلال عهده، والذي أشار بشكل واضح إلى أن روسيا عدو منافس سيكون الصراع معها في أماكن كثيرة من العالم، فإن كل هذه الأمور تعطي جوابا واضحا على دوافع ومعنى كلمة قاتل، التي استخدمها بايدن في وصف بوتين، لكن البعض عزا الواقعة لأسباب إضافية أيضا.. قالوا إن هذا الهجوم غير اللائق برئيس دولة قد يكون أيضا ردة فعل من بايدن نتيجة موقف شخصي، لأن تقرير المخابرات الأمريكية يقول إن الحملة التي شُنّت على ابنه بتلقي رشاوى كان مصدرها الكرملين. كما تدخل المعركة الداخلية الأمريكية ضد ترامب وأنصاره كدافع أيضا، حيث تريد الإدارة الجديدة الاستمرار في استخدام الورقة الروسية في عملية تسقيط سياسي للرئيس السابق في عيون أتباعه. أما التداعيات اللاحقة لهذه الأزمة الدبلوماسية الأولى في عهد الإدارة الأمريكية الجديدة، التي بسببها استدعت موسكو سفيرها في واشنطن للتشاور، فيمكن أن تعزز من استراتيجية موسكو التي وضعتها حال وصول بايدن إلى السلطة، بعد أن أبدى مبكرا توجها عدائيا نحوها. هي تشدد على عدم قطع العلاقات مع واشنطن، وأن العمل معهم سيستمر بناء على ما يصب في مصلحتها. لكن من جهة أخرى ستندفع كي تكون موجودة في كل الدول التي بدأ بايدن مهاجمتها في سياسته الجديدة. وقد رأينا الاستثمار الروسي في التوتر الأمريكي مع ولي العهد السعودي، أنتج جولة وزير الخارجية لافروف في منطقة الخليج العربي، واللقاء الذي جمعه بوزيري خارجية كل من قطر وتركيا في الموضوع السوري، وسيتعزز هذا الاتجاه أكثر بعد الأزمة الأخيرة. كذلك الدعوة الروسية إلى مؤتمر حول أفغانستان، هي ورقة ضغط على واشنطن ستسمح لموسكو بالتعامل بشكل أفضل، والمناورة مع إدارة أمريكية عدائية. فموسكو جربت المستنقع الأفغاني سابقا، وتعلم جيدا أن واشنطن تسعى للخروج منه بكل الطرق وبالتعاون معها. أما التداعيات على الجانب الأمريكي فيمكن قراءتها، في أن واشنطن لا تريد إعادة ضبط العلاقات مع موسكو، لذلك سوف تزيد من الضغط عليها في ملفات مهمة مثل، ضم شبه جزيرة القرم، والدعم الروسي للنظام السوري، وسنرى خطوات أمريكية كبيرة في هذه الملفات لاحقا. كما ستضغط واشنطن على الحلفاء في ألمانيا للانسحاب من مشروع خط غاز (نورد ستريم 2) الممتد بين روسيا وألمانيا، حيث دعا وزير الخارجية الامريكية إلى ذلك يوم الخميس الماضي مهددا بعقوبات أمريكية على الشركات التي تنفذ المشروع. 
ومع كل ذلك فإن صُنّاع القرار في كل من واشنطن وموسكو لن يسمحوا لهذا التجاوز الدبلوماسي أن يذهب إلى مديات بعيدة، لأنهم يعرفون أن النفخ في الأمور الصغيرة يدفع إلى عواقب وخيمة، تضر بالعالم أجمع. العلاقة بينهما مهمة جدا وسوف تستمر، رغم العثرة الأخيرة لأنها قائمة على المصالح. واشنطن تريد المحافظة على هذه العلاقة، لكن على أساس واضح. هم ينظرون إلى موسكو على أنها ليست حليفا ولا شريكا دائما، بل علاقة شراكة في مواضيع وملفات محددة. هنالك نظرة في الولايات المتحدة تحكم العلاقة مع موسكو، وهي اختلاف القيم بينهما، وهذا يدفع البعض للقول لا حاجة لنا إلى توافق كامل معها، لكن لا مانع من التوافق عندما تكون هنالك مصلحة. عودة إلى السؤال الجوهري الذي ظهر عنوانا لهذا المقال، من القاتل الحقيقي بوتين أم بايدن؟ وهنا لابد من إعادة التذكير بما قاله ترامب الرئيس الأمريكي السابق عندما سُئل في شباط/ فبراير 2017 من قناة "فوكس نيوز" إن كان يرى بوتين قاتلا. رد ترامب آنذاك بالقول (هناك الكثير من القتلة. هل تعتقدون أن بلادنا بريئة؟). تعزيزا لهذه الإجابة، لا بد من القول كلاهما قاتل. فنحن كعرب لو قمنا بفحص ضمير بوتين وبايدن فإننا سنجد بوتين قد قتل بصورة مباشرة مئات الآلاف من أهلنا في سوريا بصواريخ طائراته، التي كانت تسوي المدن والبشر والشجر والحجر مع الأرض. وهو قاتل بصورة غير مباشرة بالسلاح والتدريب والدعم الذي كان يقدمه إلى النظام السياسي في سوريا. أما بايدن فليس أقل حالا من زميله بوتين. لقد كان العضو الديمقراطي الأشد تأييدا لجورج بوش الابن في غزو واحتلال العراق، الذي أزهقت فيه أرواح ما يقرب من مليون إنسان، وهدمت فيه مئات المدن، واستعملت فيه أسلحة ممنوعة، وهُجّر من شعبه الملايين، واندثرت فيه دولة كانت قائمة. وعندما أصبح نائبا لأوباما كان اللصوص والعملاء والقتلة من الحكام الجدد في العراق هم حلفاءه الذين كان يرسم معهم مستقبل العراق إلى الوراء. 
كاتب عراقي واستاذ في العلاقات الدولية