الرئيسة \  واحة اللقاء  \  منعطف جديد في الأزمة السورية

منعطف جديد في الأزمة السورية

15.01.2017
د. محمد عاكف جمال


البيان
السبت 14/1/2017
الأزمة السورية تدخل منعطفاً جديداً ينقلها من ساحات القتال إلى موائد الحوار السياسي، ويدخل معها الدور الروسي في طور جديد ترافق مع انعطافة مفاجئة بالعلاقات الروسية التركية التي توترت بشدة إثر حادث إسقاط الطائرة الروسية لتنفرج بقوة بعد فشل الانقلاب في تركيا التي أصبحت الشريك الأساسي لروسيا في مواجهة الأزمة السورية سياسياً، انعطاف تركي تسبب في أشد القلق في الأوساط السياسية الأميركية.
اختزلت موسكو جميع المنخرطين في الحرب الدائرة في سوريا، وهم كثّر، بتركيا وإيران فقط مستضيفة وزيري خارجيتيهما في العشرين من ديسمبر المنصرم، حيث صدر "إعلان موسكو" لإحياء العملية السياسية وإنهاء الأزمة السورية. هذا الإعلان لا يعني أن هؤلاء اللاعبين الثلاثة متوافقون على غير هذا الإطار العام، فرغبتهم في إيقاف الحرب في سوريا تعود لأسباب مختلفة.
الطريق نحو ذلك لن يكون سالكاً تماماً خاصة بعد أن استبعدت إيران وأصبح الملف السوري قيد التداول بين روسيا وتركيا فحسب، على الرغم من أن التعاون الروسي الإيراني بشأن الوضع في سوريا يعود إلى الأيام الأولى لاندلاع الثورة السورية.
والحقيقة أن الشراكة بين روسيا وتركيا يمكن تفهم أبعادها الجيوسياسية لأن لها فرصاً للنجاح أكبر من غيرها، فتركيا كدولة محاذية لسوريا تجد أن لديها قدر من الشرعية بمقاربة ما يجري في الساحة السورية الذي يقلق بل يهدد أمنها القومي سيما وأن قوى كردية سورية على حدودها الجنوبية لا تأتمنها تركيا بدأت تحقق مكاسب على الأرض بدعم أميركي.
كما أن رفض المعارضة السورية لدور إيران أقوى كثيراً من رفض النظام السوري لدور تركيا هذا إضافة إلى أن العلاقات مع تركيا بالنسبة لروسيا أكثر أهمية من العلاقات مع إيران، فالممرات المائية للبحر الأسود حيث الأسطول الروسي في شبه جزيرة القرم، تقع تحت السيادة التركية.
من جانب آخر وجدت روسيا في التباسات علاقات تركيا مع الولايات المتحدة ومع الاتحاد الأوروبي فرصة سانحة لترطيب العلاقات معها.
إعلان موسكو يتضمن خروج جميع الميليشيات الأجنبية من الأراضي السورية وهو ما يقلق إيران لأن في ذلك ضربة قوية لمشروعها التوسعي في المنطقة خاصة أن روسيا قد نسقت مع إسرائيل ما يضمن أمنها وفق منظور الدولتين، وهو رفض وجود أية قوة على الأراضي السورية خارج سيطرتها كميليشيا حزب الله أو غيرها.
إيران لم تخف غضبها لهذا الاستبعاد وهي التي وظفت الكثير من قدراتها في دعم النظام السوري على مدى سنوات فدخلت في مشادات كلامية مع تركيا من خلال مطالبتها بخروج قواتها من الأراضي السورية من منطلق أن وجودها غير شرعي على الضد من وجود الميليشيات الطائفية التي دخلت بتنسيق مع النظام السوري
المباحثات التي ستجرى في العاصمة الكازاخستانية في وقت لاحق من هذا الشهر ستكون شاقة سيما وأن نقاط التباعد أكثر من نقاط التقارب بين الفرقاء السوريين من جهة، والعقبات التي وضعت وستوضع من قبل إيران من جهة أخرى.
إيران تمتلك قوى كبيرة من الميليشيات على الأرض رهن إشارتها، كما أن النظام السوري أميل للثقة بنواياها من ثقته بنوايا روسيا التي تخضع لاعتبارات معقدة تتعلق بعلاقاتها مع الولايات المتحدة ومع الدول العربية الأخرى التي يعتبرها النظام السوري معادية له، فهي من هذا المنظور قادرة على خلق الكثير من المتاعب لكل من روسيا وتركيا في الوقت الذي لا ترغب فيه هاتان الدولتان في التصعيد مع إيران.
روسيا أمام اختبار جدي لنواياها ولهيبتها، فهل ستكون قادرة على الإيفاء بالتزاماتها وفق إعلان موسكو لتحقيق انفراج سياسي في سوريا في مواجهة العراقيل التي تم ذكرها؟ وهل ستتمكن من تحقيق اختراق سياسي لإرغام إيران وحلفائها بقبول الأمر الواقع من خلال استحصال قرار ملزم من مجلس الأمن الدولي؟.