الرئيسة \  واحة اللقاء  \  منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.. أين "تسمية الفاعل"؟

منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.. أين "تسمية الفاعل"؟

25.06.2018
بوريس جونسون


الاتحاد
الاحد 24/6/2018
كما في العمارة والفن، فإن قيمة بعض الاتفاقيات الدولية تكمن في عين الناظر إليها. ولكن لا أحد يشكك جدياً بأهمية الحظر العالمي على الأسلحة الكيميائية. واليوم وضعت 192 دولة خلافاتها الأخرى جانباً، واختارت أن تكون أعضاء في اتفاقية حظر الأسلحة النووية، والتي تمنع إنتاج واستخدام وتخزين أدوات الموت الرهيبة هذه. قد نجد أنه من المستحيل القضاء على الحروب، ولكن بإمكاننا على الأقل أن نتفق على أن نُجنّب الإنسانية الآثار المروعة لهذه الأسلحة.
وهذا الإجماع العالمي على بُغض الأسلحة الكيميائية من الناحية الأخلاقية يعكس التجارب المأساوية للعديد من الدول. فلقد جرى استخدام هذه الأسلحة في فرنسا وبلجيكا خلال الحرب العالمية الأولى، وتسببت في معاناة مروعة في المغرب في العشرينيات من القرن الماضي، وفي إثيوبيا في الثلاثينيات، وفي الصين في الأربعينيات، وفي إيران والعراق في الثمانينيات. كان من المفترض أن تنتهي هذه الدعوات المتكررة - وهي لم تكتمل بعد - بشكل نهائي عندما دخلت اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية حيز التنفيذ عام 1997. ومع ذلك، ومنذ ذلك الحين تم استخدام هذه الأسلحة مجدداً في سوريا والعراق. كما جرى استخدام غاز الأعصاب في تنفيذ عملية اغتيال في مطار كوالالمبور الدولي في ماليزيا عام 2017، وأيضاً استُخدم صنف آخر من غاز الأعصاب في مدينة سالزبري البريطانية في مارس الماضي.
سيكون من العجز أن نتظاهر أن هذه الفظائع لا تشكل فارقاً لمكانة وسلامة اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية. فكل تلك الحوادث تمثل خروقات للحظر الدولي للأسلحة الكيميائية، والتي ترغب كل دولة بالمحافظة عليه. ومن هنا جاءت الحاجة إلى عقد جلسة خاصة لمؤتمر الدول الأعضاء في اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، والتي ستُعقد في لاهاي في 26 و27 يونيو. الغرض من هذه الجلسة هو تعزيز الحظر الدولي وتقوية منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، التي هي بمثابة الذراع المنفذة للاتفاقية.
في الوقت الحالي ليس لدى المنظمة أي تفويض بأن تحدد الأطراف التي نفذت الهجمات بالأسلحة الكيميائية في سوريا. فبإمكان خبرائها أن يبلغوا عما حدث، ومتى وأين وقع الهجوم، ولكنهم لا يُسمون الفاعل.
وقد فقد المجتمع الدولي تلك القدرة في نوفمبر الماضي، عندما فشل مجلس الأمن الدولي في تجديد التفويض لآلية التحقيق المشتركة المؤلفة من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة. وقد سبق لآلية التحقيق المشتركة هذه أن نسبت أربعة اعتداءات بالأسلحة الكيميائية إلى نظام الأسد في سوريا واثنين آخرين ل"داعش". ومنذ ذلك الحين وجدت المنظمة أنه قد جرى استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا في كل من بلدة اللطامنة (مارس 2017) وبلدة سراقب (فبراير 2018). ولكن السؤال المهم عمن هو المسؤول ظل دون جواب.
كيف لنا أن نحافظ على ما نعتقد أنه حظر عالمي على استخدام الأسلحة الكيميائية إذا كانت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لا تحدد من هم المخالفون؟ الوضع الحالي يدعو إلى تخيل كما لو أن الأسلحة الكيميائية تسقط من السماء بإرادتها الذاتية دون مُحرض أو فاعل.
وإذا سُمح لهذا التصور الشاذ أن يستمر، فعندها قد تلجأ أي دولة أو إرهابيين لاستخدام الأسلحة الكيميائية وهم مطمئنون لمعرفتهم أن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لن تحدد أنهم الفاعلون. ومكمن الخطر هنا هو أن ينتقل المنع من استخدام تلك الأسلحة إلى تسمية الجهات المنفذة. وسيكون أفضل رد هو التطبيق الكامل للأحكام التي نصت عليها اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، والتي تسمح للمنظمة ليس فقط بالقول إن الأسلحة الكيميائية قد استخدمت، ولكن أيضاً بتسمية الفاعل.
وآمل أن تُعطي تلك الجلسة التفويض للمنظمة لتطوير مقترحات جديدة عن كيفية تحديد أية خروقات للاتفاقية. المسألة هنا ليست انحيازاً لأحد الأطراف في نوع من المواجهة الدولية، بل هو خَيار بسيط بين تبني الحظر على فئة رهيبة من الأسلحة، أو السماح لذلك الحظر بأن يتلاشى ليصبح عديم الجدوى، ما سيشكل خطراً جسيماً ومتنامياً لكل دولة.
ولو سمحنا لاستخدام الأسلحة الكيميائية أن يُصبح أمراً طبيعياً، فلن يكون استخدامها مقتصراً على ساحات القتال البعيدة. فما حدث في سالزبري أو مطار كوالالمبور الدولي كان يمكن أن يحدث في أي مكان آخر.
إن لدينا جميعاً مصلحة مشتركة في الحفاظ على حظر الأسلحة الكيميائية وتعزيزه، والذي تعتمد سلامتنا عليه. ولا يمكننا فعل ذلك ما لم يتم السماح لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية من تسمية الجهة المسؤولة عن استخدام هذه الأسلحة.