الرئيسة \  واحة اللقاء  \  منبج: مركز الصراع في الشمال السوري

منبج: مركز الصراع في الشمال السوري

30.12.2018
سلام السعدي


العرب اللندنية
السبت 29/12/2018
تتواصل الحشود العسكرية من قبل كل من الجيش التركي وقوات النظام السوري بالقرب من مناطق شمال سوريا الخاضعة لسيطرة أميركية- كردية مشتركة وخصوصا بعد إعلان الولايات المتحدة عن قرار سحب قواتها من سوريا.
ولا يخفي كلا الطرفين التركي والسوري عزمهما على التدخل العسكري لانتزاع السيطرة على تلك المناطق عندما تحين الفرصة المناسبة. ويبدو للطرفين أن الفرصة قد باتت أخيرا سانحة مع احتمال غياب الراعي الأميركي للقوات الكردية، وهو ما يحولها بصورة دراماتيكية من الحلقة الأقوى في شمال سوريا إلى الحلقة الأضعف.
وتبدو مدينة منبج كمرشح أول لبداية مسلسل النزاع التركي- السوري حول مناطق شمال البلاد. بالنسبة للنظام السوري، لا أهمية خاصة للمدينة بل تتأتى أهميتها بالنسبة لدمشق من الرغبة الكبيرة التي تتملك العدو اللدود، أنقرة، في السيطرة عليها. بالنسبة للأخيرة، تعتبر السيطرة على مدنية منبج هدفا استراتيجيا لإفشال المشروع السياسي الكردي في شمال البلاد وتوسيع النفوذ التركي طويل الأمد في تلك المناطق.
لكن الجهود التركية منيت بالفشل على مدى العامين الماضيين، إذ تساند القوات الأميركية المقاتلين الأكراد الذين يسيطرون على المدينة ذات الغالبية العربية منذ العام 2016، عندما تمكنوا بدعم واشنطن من هزيمة تنظيم داعش فيها.
منذ ذلك الوقت، وطدت القوات الكردية، التي تعتبر امتدادا لحزب العمال الكردستاني الناشط في تركيا، وجودها في المدينة المركزية في الشمال السوري، وهو ما أثار استياء أنقرة التي باتت سياستها الرئيسية في سوريا هي إنهاء وجود تلك القوات.
تجاهلت الولايات المتحدة غضب أنقرة وتهديداتها المتواصلة بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي طيلة عامين. وخلال ذلك الوقت اتجهت تركيا للتعاون مع روسيا، القوة العظمى الأخرى في سوريا، لكي توطد وجودها في شمال البلاد، وهو ما اضطرها إلى إنهاء خلافها مع موسكو حول الملف السوري. ولكن إنهاء ذلك الخلاف والحصول على الدعم الروسي تطلبا تقديم تنازلات كبرى من قبل أنقرة تمثلت بالتنازل عن دور مهيمن لها في سوريا وحصر طموحها في محاصرة وإنهاء المشروع الكردي المدعوم أميركيا.
هكذا دعمت روسيا تركيا خلال شنها لعملتين عسكريتين منذ العام 2016. استهدفت الأولى تنظيم داعش وتمكنت من السيطرة على مناطق التنظيم غرب نهر الفرات. ثم ما لبثت أن وسّعت مراميها لتضع المعركة في سياق الحرب على الإرهاب، قاصدة عدوها التاريخي اللدود، حزب العمال الكردستاني، الذي تخوض معه منذ العام 1984 جولات متقطعة من العنف، فضلا عن الامتداد السياسي- العسكري لهذا الحزب في سوريا، حزب الاتحاد الديمقراطي.
في مطلع العام الجاري، شنّت أنقرة العملية العسكرية الثانية واستهدفت مدينة عفرين ذات الغالبية الكردية، وذلك لإنهاء أي إمكانية لتشكيل كيان كردي مستقل ومترابط وزيادة الضغوط على واشنطن من أجل أخذ مخاوفها بعين الاعتبار. وبالفعل بدأت واشنطن بفتح قنوات التواصل مع أنقرة منذ ذلك الوقت حيث بات من الخطير تواجد لاعبين بمشاريع سياسية- عسكرية متناقضة في تلك البقعة الضيقة من البلاد.
انطلقت المفاوضات بين أميركا وتركيا مطلع العام الجاري وتركزت حول مدينة منبج السورية التي كانت القوات الكردية قد سيطرت عليها في نهاية العام 2015 بعد هزيمة تنظيم داعش بدعم أميركي. وعلى الرغم من إعلان الاتفاق بين الجانبين صيف العام الجاري حول انسحاب القوات الكردية من مدينة منبج، لم يجر تنفيذ هذا الاتفاق وهو ما أثار غضب أنقرة وأضعف ثقتها بالولايات المتحدة ودفعها إلى الإعلان مجددا قبل نحو أسبوعين عن قرب بداية عمل عسكري منفرد يستهدف مدينة منبج في ما بدا أنه محاولة لرفع مستوى الضغوط على واشنطن.
ورغم التحذيرات الأميركية لتركيا من استهداف القوات التي تدعمها وإقامتها لمواقع مراقبة على الجانب السوري من الحدود من أجل رصد التحركات التركية، جاء قرار ترامب بعد أيام فقط بالانسحاب من سوريا ليعزز من الموقف التركي ويظهر عدم الجدية الأميركية في الدفاع عما بدا طيلة الأعوام الماضية حليفا استراتيجيا في سوريا.
ولكن، رغم الليونة الأميركية حيال سيطرة أنقرة على مدنية منبج، لا تبدي الولايات المتحدة ذات الليونة بما يتعلق ببقية مناطق شمال سوريا. وتضاف روسيا كعقبة جديدة أمام أنقرة، إذ لا بد للأخيرة أن تحصل على موافقة موسكو قبل شن أي هجوم عسكري على مدنية منبج أو غيرها من مدن الشمال السوري. موسكو بدورها لا تزال ملتزمة بتحالفها الرئيسي مع النظام السوري وإيران اللذين يعارضان أي توسع تركي بل ويعملان بجدية تامة على انتزاع جميع المناطق التي تخضع للسيطرة التركية في الوقت الحالي. بهذا السياق يمكن فهم التصريحات الروسية الأخيرة التي دعت الولايات المتحدة إلى تسليم جميع المناطق التي تنسحب منها للنظام السوري.
الحقيقة أن كلا الطرفين، التركي من جهة والسوري- الإيراني من جهة أخرى، جادان في السيطرة على المناطق الخاضعة حاليا للنفوذ الأميركي- الكردي، وهو ما ينذر ببداية تنافس عسكري جديد، للطرف الثاني أفضلية واضحة فيه، في حال التزم الرئيس الأميركي بقراره بالانسحاب.