الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ملحمة جرود عرسال لصاحبها (حسن)

ملحمة جرود عرسال لصاحبها (حسن)

06.08.2017
د. يحيى العريضي


 كلنا شركاء
السبت 5/8/2017
لسان حال أهل سورية المكتوين بنار الإستبداد والإرهاب الأسدي والخامنيئي والقاعدي يقول: ليذهب مقاتلوا النصرة أو داعش إلى إدلب أو موسكو أو الضاحية الجنوبية أو قُم أو جهنم. ليخرجوا فإنه غير مأسوف عليهم. إنهم يخرجون من عرسال بعد اتفاقات مع مشغليهم؛ إنهم لا يشبهون إلا تلك الميليشيات الإرهابية التي أتت بها طهران عبر المالكي وعبر ما أطلقه الأسد من معتقلاته، ليكونوا داعش والنصرة التي صُنِّفت إرهابية لحظة السماع باسمها، وليكون إرهابهم مادة المقارنة مع إرهاب منظومة الأسد، حيث وُضِع السوري أمام الخيار المهين المخيف: “إما الأسد أو الإرهاب”
في البعد الإقليمي والدولي لـ “ملحمة جرود عرسال”( آخر منجزات حسن نصرالله ومشغليه في لبنان وسورية) لا يخفى على أحد أن الأمور تتّجه في سورية إلى إنشاء “مناطق منخفضة التوتر” تحتكر التوقيع على اتفاقاتها القوتان الفاعلتان في أرض الإستباحة السورية؛ روسيا وأمريكا. تختلف طبيعة الإتفاقات الحاصلة عن تلك “المصالحات” المهينة التي كان “النظام” وحاميته إيران يؤسسون لها بعد سياسات التجويع أو التركيع والقصف المريع. في مناطق تخفيض التصعيد هذه، لا وجود لإيران، حيث يتم استبعادها بقصدية للعلم بأنها تعيش على التصعيد والتوتر واستمرار النزف في ظل “بعبع” /الإرهاب/ الذي ابتدعته بصحبة عصابة دمشق.
مؤخراً، استشعرت إيران انها أضحت خارج الحسابات في البيدر السوري؛ فاستعجلت حرب ميليشياتها في جرود عرسال، فكانت لها المقدمات اللازمة المتمثلة بالهجومات على مخيمات اللاجئين السوريين، وما جرى من اعتقالات وتعذيب حتى الموت في معتقلات لبنانية- تماماً كما يجري في معتقلات “النظام”. رسالة ذلك الإسراع  وجهتها أمريكا وروسيا “الحليفة” وتقول: /نحن هنا؛ ونستطيع أن نعبث ونخرّب عليكم/؛ فلا بد من أخذ إيران بالحسبان في مناطق تهدئة قادمة، وخاصة في ما بات يُعرَف بـ “سورية المفيدة” الذي هو بالأساس اختراع روسي-إيراني- أسدي. وهكذا اختراع- في بعده الاستراتيجي- يصل إيران بلبنان عبر العراق وسورية.
كل ذلك ياتي في ظل توجه أمريكي باحتواء العبث الإيراني، وفي ظل إرباك وحرج روسي تجاه التواجد الإيراني المزمن الذي ينغّص على روسيا وضع اليد بالكامل على الجسد السوري المنهك. وهذا يضع روسيا بين نار الحاجة الميدانية لإيران ونار ضرورة إزاحتها عن الطريق.
على الصعيد الداخلي- اللبناني تحديداً- “ملحمة عرسال” رسالة إلى الداخل اللبناني، تشبه تلك التي قدمها الحزب للبنان عام 2008؛ ومفادها باختصار أن الحزب هو الحاكم بامره في لبنان؛ ومَن يعترض أو حتى لا يصفّق لبطولاته في “المقاومة والممانعة”، والآن “مقاومة الإرهاب” لا وطني وخائن؛ وربما إن قُتِل، فهو يستحق ذلك.
أما ما جرى ويجري في عرسال فعلياً، فهو ليس أكثر من حفلة تضليل مسرحية مارسها حزب الله تحت شعار/تحرير جرود عرسال/ حيث سبقها ورافقها حملة تهديد وتخوين علني لكل مَن يعارض استيلاء الحزب على قرار السلم والحرب في لبنان وعلى صلاحيات الجيش. فالحزب حقيقة لم يكن بحاجة إلى مشاركة الجيش اللبناني في “معاركه العرسالية”، وهو الذي خاض معاركه في مختلف البقاع السورية تحت المظلة الإيرانية؛ ولكنه في هذه المعركة بالذات قرر أنه بحاجة إلى ذلك الإعتراف الشرعي من الجيش بحكم أنه الجسد القتالي الشرعي الوحيد في القانون اللبناني؛ ومن هنا وجد طريقة للإخراج الدبلوماسي لتلك الخطوة بتعبيره عن “التكامل بينه وبين الجيش” لاغتصاب “شرعية” خوض القتال نيابة عن الشرعية اللبنانية.
ما جرى في الجرود مسرحية تحاكي “تلفزيون الواقع” هدفها جر اللبنانيين وابتزازهم تحت شعار”تحرير جرود عرسال من الإرهاب”  وتحت يافطة /الانتقام للشهداء/ و /تحرير الأرض/. ميدانياً، كان هناك مواجهات محدودة مع “النصرة” و “داعش” و “سرايا أهل الشام”. وبالمناسبة “سرايا أهل الشام” اختراع لحزب الله ومنظومة الأسد، وما يدل عليها هو الإسم  الذي اختاره لها حزب الله تيمنا بـ “سرايا المقاومة”. هو من شكّلها ودرّبها وأمدّها بالقوة كي يستخدمها متى يشاء في تمثيليات شهدناها من وقت لآخر. الآن هم من تم الاتفاق معهم على المغادرة في مسرحية “تلفزيون الواقع”.
 من جانب آخر إذا كان الهدف من “معارك” عرسال –كما سوّق الحزب- الانتقام للشهداء والثأر للجنود اللبنانيين؛ فلماذا إعلاء شأن التفاوض على المواجهة (كما جاء في خطاب نصرالله الأخير)؟ ألم يقم خطاب حزب الله في الترويج للسيطرة على جرود عرسال على اتهام أعضاء المجموعات المسلحة بقتل الجنود اللبنانيين وإرسال سيارات مفخخة وترويع الهرمل وبعلبك؟ لماذا لا يُحاسب القتلة؟ ولماذا يخرجون بأمان؟ ولماذا هذا التكاذب على حساب الجيش والدولة اللبنانية؟
بالنسبة للنصرة “هيئة تحرير الشام”؛ حزب الله لم ينتصر عليها في جرود عرسال، وليس هو من أجرى الاتفاق معها بل اللواء عباس ابراهيم-  مدير الأمن العام اللبناني- الذي عقد معها صفقة هشة ليكون دور نصر الله توسل منظومة دمشق لتمرير عناصرها عبر مناطق سيطرتها إلى إدلب. مواجهة حزب الله لم تكن مع داعش. اتفاقه معها منذ أسابيع. وهو يشبه مسرحيات سابقة. ولم ينسَ أحدٌ بعد اتفاقات الإستلام والتسليم في تدمر بين داعش والنظام. الجهة الأساسية التي انتصر عليها حزب الله هي اللبنانيين وإرادتهم.