الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ملامح الصحافة في سوريا في فترة ما بعد الاستقلال عن فرنسا

ملامح الصحافة في سوريا في فترة ما بعد الاستقلال عن فرنسا

18.06.2020
يمان الدالاتي



نون بوست
الاربعاء 17/6/2020
طوال تاريخ سوريا الحديث لم تكن حركة الإعلام ثابتة أبدًا ولم تستقر على حال واحدة إلا لفترات قصيرة انتهت سريعًا، لكن رغم هذا كانت من أوائل الدول العربية التي لاقت فيها الصحافة ازدهارًا ونشاطًا واسعًا وكانت المحرّك الرئيسي في الكثير من الأحداث السياسية والاجتماعية.
بدايةً من الحكم العثماني وصولًا لاستلام حزب البعث الاشتراكي الحكم ظهرت في سوريا مئات الصحف والمجلات الخاصة والعامة، إلا أن معظمها آلت للزوال لأسباب تختلف حسب المرحلة التي وجدت فيها، فمثلًا، يعود أول عهد السوريين بالصحافة إلى عام 1865 حين كانت سوريا تحت حكم الدولة العثمانية، فصدرت صحيفة "سورية" وهي جريدة حكومية تُنشر باللغة العربية والتركية إلا أنها توقفت بعد خروج العثمانيين من البلاد إثر هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى.
أما على صعيد الصحف الخاصة فكانت صحيفة "الشهباء" التي أسسها هاشم العطار وعمل على تحريرها المفكر عبد الرحمن الكواكبي عام 1877 في مدينة حلب من أوائل الصحف الخاصة، لكن والي حلب ما لبث أن أمر بتعطيلها والحجز على مطبعتها ووضع القائمين عليها تحت الرقابة لأفكارها وتوجهاتها المعارضة لسياسة الحكم العثماني حينها.
ماري عجمي
الأمر لم ينته هنا فقد استمر الحال على هذا المنوال بين صحف وجرائد تقوم وتنتهي حتى بدايات القرن العشرين الذي شهد ثورة حقيقية في عالم الصحافة، حيث ظهرت عشرات الصحف الجديدة أهمّها ربما صدور صحيفة نسائية تعني بحقوق المرأة في الشرق الأوسط كانت تسمّى "العروس" عام 1910 على يد ماري عجمي وهي شاعرة وصحفية سورية، وبلغ عدد الدوريات المطبوعة عام 1920، 31 مجلة و24 جريدة تنشر في كل أنحاء سوريا، واستمر هذا الزخم الصحفي ومرّ بفترات تعتبر أوج نشاطه بالأخص بعد الاستقلال عن الانتداب الفرنسي.
قانون المطبوعات لعام 1949
بعد حصول الجمهورية العربية السورية على استقلالها عام 1946 أُلغي التشريع الإعلامي المطبق خلال فترة الانتداب الفرنسي الذي كانت سمته الأساسية القمع وإصدار القرارات المتلاحقة لتعطيل الصحف ومصادرتها بسبب تحريضها المستمر على النضال للتخلص من الانتداب الفرنسي ليحلّ مكانه قوانين جديدة تتناسب مع قانون المطبوعات رقم 24 الصادر عام 1946 الذي جرى تبديله عام 1949 بالقانون رقم 35 تحت التسمية ذاتها مع تغييرات وتعديلات جديدة.
ينصّ القرار على مجموعة من القوانين التي من شأنها ضبط نشاط المطابع والمطبوعات الدورية الخاصة، فرفع الكثير من القيود على حرية إصدار وتملّك الصحف المستقلة والحزبية، وبلغ عدد المطبوعات في سوريا رقمًا قياسيًا حينها وصل إلى 52 مطبوعة متنوعة.
كانت جهود الصحافة في ذلك الوقت جبارة، ولعبت دورًا كبيرًا في نشر حركات اليقظة والنهضة العربية بشكل عام، فكانت سوريا أيقونة التحرر في كل بلاد الوطن العربي وأصبح صحافيو العصر السوريون أعلامًا معروفين في لبنان مصر وفلسطين، فنقلت الصحف الأحداث ومجريات الأمور في سوريا وما حولها من الدول ورصدت أخبار السياسة والمعارك والبرلمانات.
كانت أبرز الصحف حينها وهنا أعني ذات الصحف التي وجدت في المراحل السابقة مضافًا إليها ما نشأ، وتطور من صحف حديثة وجديدة: نفير سوريا ومرآة الأحوال والجنان وغيرها التي نشطت في العهد العثماني، ومنها الصحف والمجلات الجديدة التي أنشئت حديثًا وعملت بالتوازي مع الصحف والمجلات الأخرى بذات الطريقة ونفس المنهج والفكر الذي ينادي بالحرية والعدالة والمساواة الاجتماعية والتحرر الفكري.
الإعلام في فترة الوحدة بين سوريا ومصر
جاءت الوحدة السورية المصرية عام 1958 وحملت معها للإعلام والصحافة السورية ككل واحدة من أقسى التحديات التي هددت الهدف الأصيل من وجودها، إذ كانت التضحية بمهنية ومصداقية الصحافة واحدة من شروط جمال عبد الناصر لإتمام الوحدة بما في ذلك التضحية بالأحزاب السياسية والبرلمان السوري، فانصاع المجتمع الصحفي والمؤسسة الإعلامية لهذه الاشتراطات كما فعلت القوى السياسية على اعتبار أن الوحدة أهم من الديمقراطية وشكل ذلك أقسى ضربة وجهت لحرية الرأي والتعبير والصحافة تلقاها المجتمع السوري بشكل طوعي.
الوحدة العربية
صدرت خلال فترة الوحدة الممتدة بين عاميّ 1958- 1961 عدة قوانين لتنظيم وسائل إعلام الدولة الواحدة "الجمهورية العربية المتحدة" وحرصت تلك القوانين على فرض القيود لتحقيق توجه مركزي لأجهزة الإعلام يواكب مسيرة الخط السياسي الذي اختطه الحكم آنذاك، فكان كل ما يُنشر أو تقدمه الصحف يعتبر بمثابة مدعّم للأفكار والقوانين الحكومية التي تفرضها السلطة التي منحت لنفسها الحق الكامل في التدخل بكل شاردة وواردة في حركة النشاط الإعلامي ووسائله، وكلاهما يعمل من حيث الجوهر على تسخير الصحافة ووسائل الإعلام والنشر لتسييد أفكار الوحدة ومفاهيمها السياسية والإيديولوجية وضمان سيطرتها التامة على صناعة الرأي العام والوعي الشعبي.
فاحتكرت الدولة وسائل الإعلام كافة وألغت حق تملك الصحف إلا للسلطة ومن تراه أهلًا للالتزام بمواقفها وخطوطها الحمر، كما فرضت رقابة مشددة على دور النشر والمطابع الخاصة والجرائد والمجلات التي تصدر بشكل دوري، كما تم منع بعض المجلات الخارجية من الدخول المؤقت والدائم عندما كانت تنشر أو ما يفسر أنه انتقاد لسياساتها.
واحد من بين أهم الأشياء التي أفضت إليها تلك القوانين، تأسيس الهيئة العامة للإذاعة في الجمهورية العربية المتحدة بأمر جمهوري رقم (717) سمّيت "إذاعة الجمهورية العربية المتحدة" وأُلحقت مباشرة برئاسة الجمهورية ودمجت فيها الإذاعة المصرية والمديرية العامة للإذاعة السورية.
الإذاعة والتليفزيون
في الـ3 من فبراير/شباط عام 1947 بثّت إذاعة دمشق لأول مرة بصوت الأمير يحيى الشهابي معلنًا "هنا دمشق" لتكون ثاني إذاعة تأسست في الوطن العربي بعد إذاعة "صوت العرب" في القاهرة، كانت الانطلاقة خجولة وتضمنت الكثير من محاولات إثبات الوجود ومن ثم تحولت لإذاعة وطنية.
كانت بداياتها في مبنى استؤجر بشارع بغداد حيث احتلت الإذاعة منه الطابق الأرضي ومن ثم انتقلت إلى المقر الجديد للإذاعة في شارع النصر قرب القصر العدلي في دمشق، ولم يكن البث في البداية يغطي سوى أماكن محدودة من سوريا، لكن تم لاحقًا تركيب أجهزة إرسال في كل المحافظات، ومن ثم تم تقوية البث ليغطي كل أنحاء المحافظات والقرى.
كانت إذاعة دمشق من الإذاعات السبّاقة في الوطن العربي، فتميّزت بحرصها الكبير على الالتزام باللغة العربية وأخرجت الكثير من مشاهير الغناء كفيروز وعبد الحليم حافظ وغيرهم، واستطاعت خلال السنوات الأولى من تأسيسها أن تواكب الأحداث العامة في الوطن العربي في تلك الفترة والتعبير عن أحوال الناس ومعيشتهم وطرح مختلف القضايا الاجتماعية، من خلال أعمال درامية، كما شهدت انطلاقة أول صوت نسائي، هدى شعراوي التي كانت تطرح وتناقش مشاكل وحقوق المرأة العربية في ذلك الوقت.
عند مجيء الوحدة العربية بين سوريا ومصر عام 1958 كان للإذاعة نصيب كبير من التغييرات التي طرأت بالتساوي على شكل الإعلام ككل، إذ تواءمت مع إذاعة القاهرة التي كانت حينها من أكبر الإذاعات العربية، فغلب على محتواها الترفيه والمسابقات أكثر من البرامج المعنيّة بمناقشة الشأن العام وأخبار المنطقة السياسية والمجتمعية.
أما التليفزيون السوري فتأسس بالتزامن مع شقيقه المصري في زمن الوحدة بين مصر وسوريا، في الـ23 من يوليو/تموز 1960، بدأ إرساله مساءً من قمة جبل قاسيون في دمشق، حيث أقيمت أول محطة بقوة منخفضة تبث بالأبيض والأسود استمر إرسالها ساعة ونصف فقط واعتمد في بداياته على عناصر فنية من الإذاعة السورية بعد إرسالها في دورات تدريبية قصيرة، وكانت الأعمال التليفزيونية السورية الأولى تعتمد على فصول تمثيلية وسهرات مسرحية تبث مباشرة على الهواء، فقدم لقاءات مع كبار الفنانين السوريين والعرب وكوّن سجلًا موسوعيًا من أهم التسجيلات العربية.
 التلفزيون السوري
في عهد الانفصال الذي امتد من عام 1961 إلى عام 1963 حاولت السلطة الانفصالية الحاكمة أن تمنح حرية للصحافة وأن تُعيد الملكية الخاصة للصحف مع احتفاظها بالإذاعة والتلفاز من أجل توجيه الإعلام من خلال هاتين الوسيلتين، فتم إنشاء أول وزارة للإعلام في تاريخ البلاد، إذ كانت وسائل الإعلام الجماهيري قبل هذا التاريخ تحت إشراف وزارة الإرشاد القومي أو من الإدارات المتخصصة لدى مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية، وجعل هذا المرسوم مهمة وزارة الإعلام استنادًا إلى المادة الثانية "استخدام جميع وسائل الإعلام لتنوير الرأي العام وترسيخ الاتجاهات القومية العربية في البلاد ودعم الصلات مع الدول العربية والدول الصديقة وفقًا لسياسة الدولة.