الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ملاحظات أولية على تسوية سورية شاملة

ملاحظات أولية على تسوية سورية شاملة

11.01.2017
محمد بدر الدين زايد


الحياة
الثلاثاء 10/1/2017
الجميع منشغل حالياً بما تعنيه عسكرياً وسياسياً التوازنات السياسية الإقليمية والدولية، وبكيفية قراءة ما بعد معركة حلب ودلالاتها، وأخيراً ترتيبات الاتفاق الروسي التركي الإيراني، وحتى الاستعدادات لمؤتمر الآستانة التي لازالت باهتة، ما بين إحساس بالزهو الزائف لدي البعض لما يعتبرونه انتصاراً لمعسكرهم في الأزمة السورية، وإحساس البعض الآخر بالانكسار والهزيمة. وهو ايضاً احساس زائف، فالخاسر الحقيقي من كل ما جرى هو الشعب السوري الذى استخدم كساحة حرب، وتمت سرقة محاولته للتغيير والإصلاح الى نفق مظلم. في كل هذا المناخ البائس ينشغلون بالتوازنات الجديدة، ولا احد ينشغل صدقاً بمصير هذا الشعب، وأي خطة معقدة وطويلة ومكلفة من اجل اعادة إعمار سورية وعودة شعبها النازح المشرد في ارجاء المنطقة والعالم. وقد يرد البعض ان هذا طبيعي، فهذه المسائل وغيرها سيتم بحثها في اطار العملية السياسية الشاملة التي سترعاها روسيا، وسيتقبلها النظام الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة في شكل تدريجي وإن استغرق بعض الوقت، وإن واجه الكثير من الصعوبات، كالتي نراها الآن.
الإشكال في هذا المنطق، انه لا يمكن انجاز مثل هذه التسوية الشاملة من دون ان تكون مقدماتها حاضرة وواضحة، فما زالت التفاعلات تدور حول تسوية بين الذين استطاعوا الاستمرار في حمل السلاح، بمجرد ان يكون اللاعبون الرئيسون هم روسيا وتركيا وإيران هو خير دليل على ذلك، ومجرد ان تكون آخر محاولة لواشنطن لأن تعود لاعباً في هذه الحلبة هي الحديث الأحمق لإدارة اوباما حول تسليح بعض فصائل المعارضة المسلحة بأنواع جديدة من الأسلحة، فإن المعنى يظل واضحاً بأن هؤلاء هم من شاركوا بالقتال المباشر او غير المباشر في عملية القتل العبثية للشعب السوري. لا خلاف على ان اصحاب السلاح والقتل لا يمكن تجاهلهم في اي تسوية شاملة في سورية - ولكن اصحاب المصالح الحقيقية في البلاد يجب ان يشاركوا في شكل حقيقي وفعال لضمان ان تكون التسوية شاملة وحقيقية. جيد ان روسيا اعلنت دعوتها مصر وأطرافاً اخرى للمشاركة في مؤتمر آستانة، ولكن ثمة اسئلة جوهرية يجب ان تفرض شكل ونهج التسوية المطلوبة.
فلا يمكن تصور تسوية حقيقية لا تتضمن استعادة شعب سوريا بلاده ومصيره، تسوية تشمل اعادة الإعمار وعودة النازحين السوريين ولو تدريجاً، وتشمل عملية سياسية حقيقية يستعيد بها المواطن السوري وطنيته وعروبته وأمنه، وتكون قابلة للاستمرار، تبدأ بأسئلة ضرورية وحاسمة حول مدى امكانية العودة الكاملة والمستحيلة الى ما قبل الثورة او الأزمة السورية أياً كانت اختلافات الرؤى، تسوية يجب ان تتعامل مع الشروخ السياسية والطائفية الحادة التي اصابت المجتمع السوري - عندما فتحت ساحته امام كل هذه التدخلات العقيمة، فهي شروخ لا يمكن تجاهلها، ولا يمكن انكار وجود مظاهر خلل طائفي سابقة، ولكن تجربة الحرب الكارثة حدثت فيها تجاوزات واسعة من العديد من الأطراف والطوائف. هنا نشير إلى أنه إذا كان بعض الأطراف والمؤسسات الدولية قد طرح خلال الثورات والتحولات العربية ضرورة تطبيق مفهوم العدالة الانتقالية في مصر وتونس وليبيا وربما حتى اليمن، إلا ان الأمر في سورية اكثر تعقيداً وخطورة بهذا الصدد، وفي شكل يصبح تجاهله بالغ الخطورة على مستقبل اي تسوية جادة في البلاد - فما حدث في سورية، وربما ايضاً في العراق يستحق وقفة خاصة من جميع الأطراف - من اجل محاولة إعادة بناء المجتمع السوري من جديد.
سيلي بعد هذا السؤال الجوهري والكبير وهو: من سيعيد الإعمار، فالذي انفقوا كثيراً لإحداث الدمار لن يكترثوا بإنفاق الفتات على الإعمار والسلام مقارنة بما انفقوه على الحرب.
ومع ذلك لا يمكن تصور انجاز تسوية حقيقية وبحث جاد لإعادة الإعمار من دون مشاركة الأطراف الدولية المانحة، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي ودول الخليج واليابان، وذلك على رغم الضغوط المتنوعة التي تعاني منها هذه الدول، وتعقد من قدرتها على المشاركة الجادة في جهود اعادة الإعمار، بالإضافة الى حماستها المفقودة من ناتج ترفضه لهذه الأزمة.
على ان الحسابات الرشيدة يجب ان تذكر هذه الأطراف جميعاً ان غيابها عن التسوية، وعن اعادة الإعمار، سيزيد من خسائرها النسبية والمتوقعة من شكل التسوية النهائية، وسيبقى ان الإعمار الحقيقي لسورية لن يحققه الا الشعب السوري اذا حول هذه الأزمة الى دروس وعبر، ونجح في اعادة ترتيب احواله وظروفه بلا عودة لظروف ما قبل الأزمة وخلالها.
ربما سيكون هناك اضطرار لمشاركة بعض من حمل السلاح شرط عدم انتمائه الى التنظيمات المتطرفة المدعية الإسلام والتي انتجت خاتمة هذه الأزمة، كما سيكون مفيداً ان تشارك كل القوى السياسية التي ظهرت خلال الأزمة سواء كان لها وجود حقيقي او كرتوني، ولا يمكن خداع النفس وتصور غياب النظام عن هذه التسوية، ولكن الأهم هو مشاركة الكثيرين من ممثلي القوى الاجتماعية والدينية في البلاد - الذين لا يزالون يؤمنون بأن الأولوية لسورية ووحدة شعبها، وأن اعادة ترميم سورية لن يقدر عليها في صورتها النهائية الا الشعب السوري وحده بدعم من المخلصين العرب، وأن عودة سورية ضرورة حتمية لإنقاذ النظام الإقليمي العربي من ثلاثة مشروعات اقليمية لدول الجوار ستكون عاقبتها انهيار ما تبقى من تماسك في هذه المنطقة، ومزيد من الطائفية والتخلف لشعوبها - وأظن انه ليس أمامنا جميعاً الا المحاولة.