الرئيسة \  مشاركات  \  قولة الجيش الذي لا يقهر في مقارنة بين ناغورني كراباخ الأذرية وفلسطين المسلمة العربية

قولة الجيش الذي لا يقهر في مقارنة بين ناغورني كراباخ الأذرية وفلسطين المسلمة العربية

14.11.2020
محمد حمادة



مقولة الجيش الذي لا يقهر تدخل في إطار الحرب النفسية التي تهدف إلى تحقيق نتائج استباقية قبل أن تبدأ جيوش الأعداء زحفها نحو أهدافها السرية منها والعلنية، وهو ما فعلتْه أرمينيا مع المسلمين من أذريين وأتراك في القوقاز بهدف إحباطهم، وتدمير أدنى أمل في انتصارهم، أواسترجاع أرضهم ، وبهدف فرض حل الأمر الواقع عليهم!. لا بل إنّ رئيس وزراء أرمينيا المهزوم (نيقولا باشينيان) كان كثيراً ما يردد قبل هزيمته الأخيرة بأنّ جيش أرمينيا لا يقهر.
_ تلك كانت ذات السياسة التي مارستها الصهيونية العالمية مع الفلسطينيين، ومع مَن يحيط بهم من العرب والمسلمين، حين صارت تروّج من خلال العصابات والمذابح والدول العظمى الداعمة لها بأنها على رأس جيش لا يقهر، وبذلك أرسلت لأصحاب الدار رسالةً مفادها أنْ لا حاجة لِأَن تفكروا في استعادة فلسطين، ولا قدرة لكم على انتزاعها، وليس أمامكم سوى الخضوع لمعطيات الأمر الواقع، وما عليكم إلا أن تقبولوا راضخين بالمشاريع التي تطرحها الدول الكبرى و إملاءاتها!. بل هو السلاح الذي استخدمه كافة الطغاة والمجرمين على مدى التاريخ، وفي مقدمتهم الصليبيون والمغول.
ويشاء القدر أن تسقط الخلافة العثمانية، وأن تسقط معها الأمة الإسلامية، وأن تتمزق إلى أقطار، وأنْ تتداعى عليها الأمم كما تداعى الأَكَلَةُ على قصعتها، وأنْ تتقاسم كل أمة منها قطعة أو أكثر، كما يشاء القدر أن تكون الدرة فلسطين في الشام من نصيب اليهود بغطاء ومباركة إنكلترا الأوربية، وأنْ يكون (إقليم كاراباخ) في القوقاز من حصة الأرمن بغطاء ومبادرة روسية سوفييتية. وهكذا بدأت المأساة في كلٍّ من الشام والقوقاز!.
ففي فلسطين بدأ العدوان انطلاقاً من قطعان اليهود على القدس والأقصى وسائر أرض فلسطين بعد احتلال بريطانيا لها، حيث وقعت مذابح يقشعر لهولها الولدان، كانت تلك المجازر كلمةَ السر في تلك المأساة، وظلت منذ ذلك الوقت مفتاح الجرح الدامي الذي ما زال نازفاً حتى اليوم، وما(دير ياسين) وأخواتها، و(مجزرة قانا) ونظيراتها عن مسامع القراء ببعيد، وبذلك شهد التاريخ على نازية اليهود الصهاينة وفاشيتهم.
أما في أذربيجان فقد تحركت قطعان من عصابات مجرمة، لكن من الأرمن الحاقدين نحو أهالي كاراباخ المسلمين، بهدف احتلال أرضهم بعد فترة زمنية من قيام السوفييت بخطوة ضم أذربيجان،وأرمينيا لإمبراطوريتهم، و ذلك بعد أن سخن الروس الأحداث بضم (إقليم كاراباخ)إلى أذربيجان،وضم إقليم (ناخيتشفان) ذي الأغلبية الأذربيجابية المسلمة إلى أرمينيا، وهو ما تعاطت معه عصابات الأرمن لاحقاً، أي يوم أنْ ضعفت قبضة السوفييت على جمهورياتها في العام 1988 من خلال تنفيذ جرائم لم تكتف فيها تلك العصابات الإرهابية الحاقدة بتسطير اغتصابها لأرض الأذريين فحسب، وإنّما ضمت إليه حرق القرى، وتقطيع الرؤوس، وبقر البطون، وقتل الآلاف بدم بارد بينهم نساء وكبار سن وأطفال، فيما اختفت عائلات بكاملها من الوجود، وما (مجزرة خوجالي) في منطقة خوجالي الأذربيجانية في ( (1992/2/26 تحت غطاء ومباركة روسية عن المتابعين ببعيد، وهي المذبحة التي وُثِّقتْ بتثبيت شهادات ( 2213 ) إفادة، ومن بين هؤلاء مئاتٌ نجوا من تلك المذبحة حيث أدلوا بشهاداتهم أمام المدعي العام العسكري في باكو، حيث شارك يومها (الفوج 366 السوفييتي) المتمركز قرب العاصمة خَانْكِنْدِي في الجريمة الكبرى، ليشهد التاريخ على فاشية العصابات الأرمنية ونازيتها وإرهابها.
وكما سمّت عصابات اليهود فلسطينَ باسم إسرائيل نسبة إلى نبي الله يعقوب عليه السلام،وبدّلتْ أسماء القرى و المدن الفلسطينية إلى غير اسمائها، فقد سمّت العصابات الأرمنية كاراباغ وما حولها باسم (آرْتْسَاغْ) التي تعني بالأرمنية(غابة إله الشمس) ، لأن (آر) تعني (إله الشمس)عند قدماء الأرمن!، كذلك غيرتْ من أسماء قرى ومدن الإقليم ومن ذلك العاصمة (خانكندي) فجعلتها (ستيفانا كيرت) _نسبة إلى جنرال روسي يدعى ستيفانا_، وبدلت اسم مدينة شوشا الاستراتيجية إلى شوشي.
وكما حوّلت عصابات اليهود بعض مساجد فلسطين إلى خمارات أو دور عرض للسينما الإباحية أو حظائر للحيوانات، فقد حوّلت عصابات الأرمن الهمجية بعض مساجد كاراباخ إلى حظائر لرعي خنازيرهم، وهدمت أو أغلقت سائرها، وما بقي منها فقد كان لذرّ الرماد في العيون. وإذا كانت بريطانيا قد مكّنت اليهود من (فلسطين)، فإنّ روسيا منذ أيام القيصرية قد مكنت الأرمن من (كاراباغ)، وظلت تلك سياستهم في عهد روسيا السوفييتية، واستمرت على حالها في عهد روسيا الاتحادية. وإذا كانت لندن قد ادّعتْ حق اليهود في قيام دولة يهودية في فلسطين، فإنّ موسكو في عهد زعيمها جوزيف ستالين قد ضمت(إقليم كارباغ) إلى أذربيجان، وأعطته حكماً ذاتياً، ثم عقَّدتِ المشهد بما صنعته في إقليم ناختشيفان، لتضمن من خلال هذه اللعبة القذرة ضعف تلك البلاد الأذرية والأرمنية على حد سواء، وتتأكد من ولاء الفريقين لموسكو وتبعيتهما لها!.
وإذا كانت العصابات اليهودية قد نالت الدعم من بريطانيا وفرنسا وسائر أوربا في وجه الأكثرية الفلسطينية العربية المسلمة، فإنّ العصابات الأرمنية قد تلقت الدعم من روسيا على اختلاف مسمياتها في تاريخها المنصرم خلال قرن مضى، وذلك بغطاء أوربي على حساب الحق الأذري!.
وإذا كان شذاذ الآفاق من يهود الأرض قد تمّ استقدامهم بوسائل الشحن المدفوع الأجر إلى فلسطين، فإنّ الأرمن قد تمّ نقلهم إلى كاراباخ بذات الأسلوب بهدف التلاعب بديموغرافية بنية الإقليم!. وإذا كانت دولة الاغتصاب الظالمة التي يطلقون عليها إسرائيل قد اعتمدت سياسة تشريد قرابة المليون فلسطيني في عدوان 48 فقط، وذلك بغطاء أوربي روسي أممي، فإنّ سياسة إقامة دولة أرمينية في(إقليم كاراباغ) قد اعتمدت سياسة تهجير ما يزيد على المليون من أصحاب الدار الأذريين، ناهيك عن قرابة الثلاثين ألفاً الذين ذهبوا ضحية العدوان الأرمني؛كان أكثرهم من الأذريين!.
وإذا كان العالم ولا يزال يماطل الفلسطينيين منذ أكثر من سبعين عاماً في وعوده لهم بإعادتهم لأرضهم، وإنهاء مأساة تشريدهم التي وزّعتهم في كل أقطار الدنيا، لا سيما بعد أن تضاعف عددهم لأكثر من سبع مرات وفق آخر إحصائية قرأتها عنهم، فإنّ العالم نفسه مازال يماطل المشردين الأذريين منذ قرابة الثلاثين سنة بعد أن انتشروا في أذربيجان وتركيا ودول أخرى منها إيران، لا سيما بعد أن ازداد عددهم أيضاً! وإذا كانت أمريكا تزعم أنها راعية السلام في فلسطين، وتتعهد بإقامة دولة للفلسطينيين ذات سيادة كاملة_حسب زعمها_، حيث ما تزال تتلاعب بعامل الوقت، وبحقوق ومشاعر أصحاب الحق من أبناء فلسطين المتجذرين في أرضهم، وحيث ما تفتأ تستدرجهم إلى معاهداتٍ خبيثة عنوانها السلام، وحقيقتها الاستسلام، وما تبرح تسوّف لهم الوعود تلو الوعود، وتستخدم سياسة التخدير،وقضم الأراضي حتى تفرض أمراً واقعاً تكون الغلبة فيه لليهود_لا قدر الله_ على حساب سحق حقوق الفلسطينيين وسائر المسلمين_لا سمح الله_!، فإنّ أمريكا كررتْ عين السياسة في (إقليم كاراباخ)، ونفذت ذات الدور الذي لعبته هنا في الشام بنسخه هناك في أذربيجان، وذلك إلى جانب روسيا وفرنسا ودول أخرى بما يعرف بمجموعة مِنْسْكْ الدولية_نسبة إلى مدينة مِنْسك في بيلاروسيا التي تم فيها التفاوض على الإقليم_، وهي المجموعة التي ما زالت منذ قرابة الثلاثين سنة تماطل وتراوح ضمن جولات مكوكية لا تسمن ولا تغني من جوع، تزيد من ألم المنكوبين المشردين دون أن تمكّنهم من رؤية ضوء في آخر النفق!.
وكما تآمرت أوربا والأنظمة العميلة في المنطقة على فلسطين والفلسطينيين، وأرسلت سلاحاً فاسداً لمسرحية استعادة فلسطين في ٤٨ التي تم تمثيلها أمام الشعوب العربية والإسلامية في الوقت الذي تم فيه تسليح العصاباتِ اليهوديةَ من نحو عصابة الهاجانا، وعصابة البلماخ (قوة النخبة الضاربة في الهاجانا)، وعصابة الأرغون، وعصابة الشتيرن، حتى زعم اليهود أنهم انتصروا على سبعة جيوش عربية، وأن جيشهم لا يقهر، كذلك فإنّ الدول الكبرى لاسيما روسيا وفرنسا بعد أن خرج من رحم الاتحاد السوفييتي جمهوريات القوميات الأخرى بعد تفككه في العام 1991 والتي كان منها دولتا أذربيجان وأرمينيا، دعمت أرمينيا وأعرضت عن أذربيجان التي انفصلت عن الاتحاد السوفييتي بإمكانيات ضعيفة اقتصادياً وعسكرياً دون أن يمد إليها أحدٌ يد العون، فخسرت بذلك إقليم كاراباخ الذي يمثل 20 %من مساحة دولة أذربيجان التي يعترف بها العالم، وذلك في مقابل مد العالم المسيحي يد العون لأرمينيا اقتصادياً وعسكرياً فربحت الحرب في كاراباخ، و تمكنت من تنفيذ مجازرها وإرهابها في أهلها!.
أما أكذوبة الجيش الذي لا يقهر فقد تبخرت في كل من فلسطين وأذربيجان، فأما فلسطين فقد تمكن أحرارها ومجاهدوها من تحقيق معادلة الرعب بينهم وبين الصهاينة بالرغم من إمكانيات الفلسطينيين المحدودة، و بالرغم من تآمر الجميع عليهم بما فيهم بعض أصحاب الدار، لا بل فرضوا قواعد جديدة للمعركة منها تذكير اليهود في صبيحة كل يوم بأنهم غرباء عن هذه الأرض، وبأنهم مهزومون ومرفوضون حتى لو وقفت إلى جانبهم معظم أنظمة وديكتوريات العرب والمسلمين والعالم، كما حقق مجاهدوا فلسطين انطلاقة رائدة في تطوير سلاحهم بأيديهم حتى نجحوا من توسيع مداه إلى درجةٍ اقتربوا فيها من تهديد عاصمة عصابة العدو تل أبيب، كما انتصروا عليه في (قطاع غزة) في كافة المعارك التي خاضها العدوّ معهم، لا سيما في المعركة الأخيرة معلنين أن أول الغيث قطرة، وأن آخر الطريق هو في تحرير القدس وسائر أرض فلسطين من البحر إلى النهر، وأن المعركة ليست معركة حدود، وأنّها معركة عقيدة ووجود، وأنّها ليست معركة جيل واحد وإنما هي معركة أجيال، وأنّنا لن نَكِلَّ من المقاومة والجهاد والاستشهاد، ولن نملّ حتى يعودَ الحق إلى أصحابه، ويرجعَ الليث منيع بابه، وأنّنا سنسلم الراية لجيلٍ راسخٍ يأتي بعدنا على نحو ما استلمناها من جيل كريم رفعها قبلنا، وأما الأذريون فقد حققوا في أربعين يوماً من القتال_انتهت في _2020/11/10 ما لم تحققه(مجموعة مِنْسْكْ الدولية)في ثلاثين عاماً، وذلك بعد نجاحهم في رفع مستواهم الاقتصادي بسبب عائدات النفط الذي أخذوا يصَدّرونه إلى روسيا،وتركيا، والكثير من دول العالم، وبعد رفع مستواهم العسكري على خلفية تطور وضعهم الاقتصادي، مما مكنهم من تطوير جيشهم، والإنفاق على قواتهم، والارتقاء بنوعية أسلحتهم، لاسيما في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وهو ما أظهره تقرير في العام 2018 صادر عن مركز (تحليل الاستراتيجيات والتقنيات) في موسكو جاء فيه أنّ الإنفاق العسكري على الجيش الأذري ارتفع من( 700 مليون دولار) في العام 2007 إلى قرابة الأربعة ، مليارات دولار في العام 2013 وكذا بفضل الدعم التركي المعنوي والمادي،سياسياً وإعلامياً وعسكرياً، حيث تدفقت عليهم الصناعات الدفاعية التركية التي غيرت من موازين المعركة، وحولتها من حرب تقليدية إلى حرب إلكترونية متطورة في المقام الأول بفضل طائرة بيرقدار التركية، وسائر الطائرات المسيرة، حيث يعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في تركيا منذ أكثر من عشرين عاماً نقطةً فارقة في تغيير مجرى الصراع لصالح الأذريين، أمّا الجيش الأرمني الذي أشاع بين الأذريين بأنه لا يقهر فقد قُهِر، وأما جنوده الذين كانوا يستكبرون على جيرانهم الأذريين باستعلاءِ أكذوبةِ أصحاب الجيوش التي يزعمون بأنها لا تقهر فقد قهروا وذلوا وهزموا واستسلموا وفروا من أمام الأذريين في المعارك كالفئران لا يلوون على أحد في شتى منعرجات الفيافي والقفار، بالرغم من طبيعة كاراباخ الجبلية، وحصونها الطبيعية التي تسهل عليهم الصمود والاحتماء، وتحديداً في معارك تحرير مدينة شوشا _جوهرة أذربيجان_ حيث سقطت بيد الأذريين بالرغم من كونها مبنية على قمة جبال يصل ارتفاع بعض مواقعها إلى 1600 م عن سطح البحر، وبالرغم من كونها محاطة بجرف صخري من ثلاث جهات، وبالرغم من التسليح الروسي والإيراني والصهيوني للجيش الأرمني، ولعصابات الانفصاليين الأرمن في الإقليم!.
لقد أخفقت الحلول السياسية في إقليمي(فلسطين) و (كاراباخ) في كلٍّ من الشام وأذربيجان، لتسقط بذلك مقولة الحل السلمي الوحيد الذي لا سبيل لغيره وفق ما يزعمون، والذي تضيع فيه الحقوق في ظل نظام دولي منافق غير محايد، ومماطلةِ دول كبرى تحت سقف هيئة أمم تَمَكَّن منها اليهود، وفي ظل التفاف تلك الدول على ثوابت الشعوب بهدوء حتى تتعب الشعوب المستضعفة وتملّ وترضى بفتات الحلول، أو تنتفض وتنتزع حقها بيدها من مخالب جلادها، وإلا فماذا صنع اتفاق أوسلو لفلسطين،وما تلاه من اتفاقيات فاسدة؟. وهل جلب للمنطقة وأهلها غير الخزي والضياع والذل والهوان والعار؟. وماذا حققت هُدَنُ وقف إطلاق النار بين أذربيجان والحكومة غير المعترف بها دولياً في (إقليم كاراباغ)، بعد أنْ تجاوزت الثلاثمائة هدنة منذ بداية العدوان، أي بمعدلٍ وسطيٍّ يزيد عن الهدنة الواحدة في كل عام؟. ومن العجيب أنّ اتفاق أوسلو المشئوم الخاص بفلسطين وُقِّعَ ، في العام 1993 وأنّ الاتفاق الأول لوقف إطلاق النار في كاراباخ المزعوم وُقِّعَ في ، العام 1994 أي دخل المخدوعون من الطرفين في ردهات الحلول السياسية المظلمة التي لا أُفق لها مطلقاً، وذلك في فترة زمنية متقاربة، وبمدة زمنية واحدة تقريباً، لذلك ما كان من أصحاب النظرة العميقة من الفلسطينيين والأذربيجانيين إلا أن ركلوا تلك الاتفاقيات بأقدامهم، كلٌّ في موقعه، فانتصر الأذريون نصراً مؤ زرا بالأمس بفضله تعالى على عصابات الأرمن الإرهابية، بينما انتصر الفلسطينيون خلال الفترة السابقة انتصارات جزئية على هذه الجبهة أو تلك على عصابات قطعان اليهود الإرهابية، في انتظار النصر الساحق الكامل الذي يعلن فيه اليهود استسلامهم توطئة لهزيمة الصهيونية العالمية على غرار ما أعلن الأرمن هزيمتهم، وفي انتظار أن يرفع اليهود الصهاينة الراية البيضاء في كلّ مكان من أرض فلسطين على غرار ما رفع الأرمن رايات الاستسلام في كل مكان من أرض كاراباغ، وإنّه لَيومٌ آتٍ، يقيني بقدومه أقوى من يقيني بسطوع شمس هذا اليوم الذي أتقلب فيه، وكل آتٍ قريب، وإنّ موعدهم فجر النصر الذي لا نشك فيه، أليس الفجر بقريب؟.
وصدق العلامة (محمد الغزالي) المصري_رحمه الله_ حين قال بكل ثبات: (لا أدري من سيسقط أولاً: هل ستسقط إسرائيل أولاً، ثم تنهار من حولها كافة الدول التي دارت بفلكها، وربطت مصيرها بها؟. أو هل ستسقط أولاً دولٌ عاشت تضحك على شعوبها ردحاً من الزمن، فتنهار بانهيارها إسرائيل بعد أن اعتمدت عليها في حمايتها؟.)_بتصرف بسيط_. وإذا كانت عصابات اليهود في فلسطين قد منعت وصول الفلسطينيين المهجرين إلى أرضهم، ومنعت تواصل أبناء الشام مع أبناء مصر عن طريق الجسم السرطاني الذي يدعونه إسرائيل، ومنعت وصول السوريين واللبنانيين والأردنيين وسائر الشاميين والأتراك والمسلمين إلى القدس الشريف إلا تحت سيف مقصلتهم، ومنعتهم من الوصول إلى سواحلنا في حيفا ويافا وسائر سواحل وأرض فلسطين، فإنّ أرمينيا قد قسمت أذربيجان بسكين خريطتها الجائرة إلى قسمين، فمنعت اتصال باكو بخاتشيفان، ومنعت تركيا من الوصول إلى عمقها الإسلامي القوقازي الذي يصل تعداد المسلمين فيه إلى ما يقارب الثمانمائة مليون مسلم، ولذا كانت البادئة في عدوانها الأخير على أذربيجان،ظنا منها أنّها قادرةٌ على تهديد إمدادات الطاقة التركية التي تغذي تركيا انطلاقاً من أذربيجان،وظناً من أسيادها أنهم بذلك سيخنقون تركيا لكي تنقلب على رئيسها أردوغان، فإذا بالسحر وقد انقلب فجأة على الساحر، وإذا بانتصار الأمس وقد أفسد كل حسابات وتطلعات (ييرفان) وأسياد )ييرفان)، بحيث يعد توقيع اتفاق الاستسلام من قبل(ييرفان) أول انتصار مدوٍّ لتركيا منذ مائة عام، لا سيما وأنّ تركيا وروسيا تفردتا بوثيقة استسلام أرمينيا بعيداً عن أمريكا وفرنسا وسائر مجموعة منسك، ولا سيما وأنّها وثيقة تنص على فتح ممرٍّ آمن لأول مرة بين باخيتشيفان وسائر أراضي أذربيجان وصولاً إلى سائر دول القوقاز بعد أن حرمت الدول الكبرى تركيا من هذا الحق مدة قرنٍ من الزمان، مما يؤكد على أنّه ممرٌّ تركي بالدرجة الأولى وبامتياز ، وفي المقابل فالاتفاق هو أسوأ هزيمة تنزل بالأرمن منذ أن انقلبت على الدولة العثمانية وأسست دولتها، وهو استسلام بكل ما تعنيه الكلمة من معنى وأبعاد، ولن تتوقف تداعياته عليهم ، وبالذات على رئيس وزرائهم (نيقولا باشينيان).
أما من كان يشكك بدقة ما أقول فلينظر إلى الأرمن كيف اجتاحت جموعهم الغاضبة البرلمان الأرمني في (ييرفان)، وكيف حطمت ما حطمت من تجهيزاته، وكيف اعتدت على رئيسه، متهمة باشينيان بالخيانة العظمى، وهو الذي لم يعد يعرف أحد أين يختبئ، ولا من أين يدلي بتصريحاته التي صار يطلقها من خلال صفحته على الفيسبوك بما في ذلك تغريداته التي يبثها على الهواء مباشرة. وإذا كان اليهود قد أتقنوا تمثيل دور الضحية،وهم الجناة الذين يرهبون شعبنا الفلسطيني كل يوم، فإنّ الأرمن_الذين خانوا العثمانيين، وانقلبوا بأسلحتهم العثمانية على أولياء أسيادهم من حكام بني عثمان، فأعملوا البندقية والسكين في القرى الإسلامية ذبحاً وتشريداً وقتلاً لصالح روسيا التي اشترتهم_، أخذوا يزعمون بعد ذلك أن الأتراك هم الذين نفذوا فيهم المذابح فيما صاروا يروجون له بمصطلح (مذابح الأرمن) الذي تبنت روايته الصليبية الغربية، ومن ثم أعادوا لاحقاً ذات المأساة في أهلنا في(إقليم كاراباخ)، ثم أخذوا في معركة الأيام الأخيرة يقصفون المدن الأذرية_وفي مقدمتها غَنْجَا_ بالصواريخ الباليستية، ثم كالنائحة والثكلى صاروا يزعمون أن القوات الأذربيجانية تتعمد قصف المدنيين الأرمنيين متبرئين من قصف غنجا وغيرها!.
ولا أدري هل يقصف الجيش الأذري مدنه، أو هل يصوب قذائف مدافعه نحو مدن بلاده تاركاً جبهة العدو في حالة أمان واسترخاء؟!. وواللهِ لو أنّ الأذريين أرادوا أن يثأروا لمذابح الأرمن في حقهم وحق العثمانيين والأتراك والمسلمين خلال عشرة عقود مرت لفعلوا و لقصفوا طوابير سيارات مدنيي الأرمن الهاربة من شوشا إلى أرمينيا عبر طرق جبلية وعرة كانت مرصودة من قبل طائراتهم ومسيراتهم، لكنهم ليسوا إرهابين، لأنّ تعاليم دينهم ونبيهم محمد صلى الله عليه وسلم تحجزهم عن استهداف المدنيين. لقد أسقط الفلسطينيون في الشام أسطورة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر، كما أسقط الأذريون في كراباخ أسطورة الجيش الأرمني الذي لا يقهر، علماً أن كلا الجيشين اليهودي والأرمني يقومان على عقيدة دينية، وبوسعك أن تتابع تطوّع الأرمن في العالم كله لصالح نصرة أرمينيا في حربها مع أذربيجان لتدرك دقة ما أقول، ولتتعرّف على حجم الهزيمة التي منيت بها أرمينيا في هذه المعركة الفاصلة، والتي لن تكون شيئاً أمام هزيمة واستسلام اليهود القادمة المدوية بإذن الله في فلسطين، والتي سيصل مداها إلى كل أرض، وسيتردد صداها في كل بيت من بيوت الدنيا، وفي الختام أقول للمرجفين: فانتظروا فإنّا منتظرون، وتربصوا فإنّا واثقون.

كتبه محمد حمادة
مدير مركز البيت الشامي للدعوة والدراسات.
 1442/3/24 الموافق ل 2020/11/10