الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "مقاومة" الأمريكيين في سوريا… ضد من؟ 

"مقاومة" الأمريكيين في سوريا… ضد من؟ 

14.10.2020
إيلي عبدو



القدس العربي 
الثلاثاء 13/10/2020 
 لا يمانع النظام السوري، رغم ضعفه وفقدانه القدرة على المبادرة، عن استثمار وعي السنّة المعادي للغرب، في اختراع "مقاومات" يجيّرها لصالحه، ويحيلها ورقة تفاوض. والاستثمار، هذا، قد يكون ممكناً في شرق الفرات، حيث تتواجد قوات أمريكية، هدد الرئيس السوري قبل فترة بمواجهتها بـ"مقاومة شعبية" والأخيرة ليست سوى إحالة لعشائر عربية، توترت علاقاتها مع الإدارة الذاتية الكردية، ما ولّد صدامات واقتحام حواجز. 
بمعنى أن النظام قد يذهب نحو استغلال المشكلات المزمنة بين العرب والأكراد، في تلك المنطقة، جاعلاً الأمريكيين هدفا لـ"المقاومة" عبر مستويين، مباشر يتصل بالوقائع، حيث الأمريكيون يدعمون الأكراد في كيانيتهم، وغير مباشر يتصل بالوعي، حيث الغرب "عدو" و"محتل" وجب مواجهته وطرده من بلادنا. والوعي هذا، رغم ما يوحي به من حمولة سياسية، لكنه خال تماما من السياسة، إذ يقوم على تصور ديني تاريخي سلبي حيال الغرب، معطوف على ركاكة يسارية قومية مهجوسة بمفاهيم الحرب الباردة. 
 
انخراط أي عشائر في شرق الفرات في "مقاومة" الأمريكيين، لا ينطلق من مشروع واضح يعود بالنفع عليها، بل من آخر يستثمر في وعيها 
 
 صحيح أن النظام لا يملك حوامل مؤيدة له، في تلك المنطقة، لكن شروط "المقاومة" المراد تأسيسها تعمل بميكانيزمات المستويين السابقين، بمعزل عن الموقف من النظام. هكذا، يمكن بناء رواية عن "المقاومة" تعمل بالضد من مصالح أهلها، وتجعلهم متأخرين عن أي مقترح للحكم في المنطقة، يضمن لهم حيثية ووجودا وفاعلية، ويجعلهم جنودا يحاربون، بدون أن يعرفوا، لصالح نظام طالما قمعهم وهمّشهم. وهنا وجب استعادة تجربة سنّة العراق في "مقاومة" الأمريكيين، بعد 2003 التي دعمها النظام السوري سياسياً ولوجستياً، بهدف إفشال مشاريع سياسية، قد تؤثر في طبيعة النظام في دمشق، وتودي به. و"المقاومة" تلك، نتج عنها، تأخر دخول السنّة في العملية السياسية في العراق، ما تسبب بخسائر فادحة، كذلك الارتباط ودعم جماعات متطرفة، لا تعود سوى بالضرر على مكون يملك وعيا قابلا للاستثمار من قبل الخصوم. وعليه، فإن انخراط أي عشائر في شرق الفرات في "مقاومة" الأمريكيين، لا ينطلق من مشروع واضح يعود بالنفع عليها، بل من آخر يستثمر في وعيها، لأخذها بالضد من مصالحها، وهذه المصالح، تستوجب، بناء تفاهمات مع الأكراد، تتيح للسنّة في المنطقة المشاركة في الحكم ضمن الإدارة الذاتية مثل كل المكونات، وهذا يتطلب تنازلا، بقبول التخلي عن وهم الدولة المركزية، والانخراط في تجربة تأسيس كيانات تضمن للجماعات حقها في تقرير مصيرها، مع مراعاة حقوق بقية الجماعات، وإشراكها في القرار بالفعل لا بشكل صوري. والتنازل الأهم لضمان نجاح هذه التجربة، يجب أن يأتي من أكراد الإدارة الذاتية، عبر إتاحة المجال لكافة المكونات، لاسيما السنّة للمشاركة في الحكم، وليس معاملتهم كمواطنين درجة ثانية وثالثة. 
الأكراد مسؤولون، عبر تقديم عرض سياسي جدي، عن عدم تحوّل سنّة شرق الفرات، لـ"مقاومة" عبثية ضد الأمريكيين، الذين بطبيعة الحال يفكرون بالانسحاب، كما أن السنة أنفسهم مسؤولون عن فهم مصالهم، والعمل من أجلها، وليس ضدها.