الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مقاربة روسية مُحدثة لشرق الفرات في سوريا

مقاربة روسية مُحدثة لشرق الفرات في سوريا

07.09.2020
رستم محمود



 النهار العربي  
الاحد 6/9/2020 
ربما كان لمذكرة التفاهم التي وُقعت بين مجلس سوريا الديموقراطية وحزب الإرادة الشعبية السوري أن تُعتبر واحداً من الأحداث التفصيلية في المشهد السوري، خصوصاً بين مختلف القوى المعارضة، لولا الصورة المشتركة التي ظهرت فيها رئيسة الهيئة التنفيذية للمجلس إلهام أحمد إلى جانب الأمين العام لتنظيم الإرادة قدري جميل، وبينهما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف؛ الذي بعث رسالة روسية واضحة، تقول حرفياً: "روسيا راعية هذا الاتفاق، أو على الأقل راضية عنه، وتعترف بالموقعين عليه، كشركاء سياسيين في مستقبل سوريا".  
 بنود المذكرة حملت ملامح الرؤية الروسية التقليدية للمسألة السورية، لكن مع بعض الإشارات الواضحة للاعتراف بخصوصية حالة شرق الفرات، مع ما يتضمنه ذلك من إقرار بالحقوق القومية لأكراد سوريا. 
 إذ أكدت المذكرة على الوحدة الجغرافية والمجتمعية لسوريا، وهي جملة افتتاحية أُريد منها استبعاد أي سِهام قد تطال المذكرة، مثيلة لما تم توجيهه للتوافقات السياسية بين القوى السياسية الكردية السورية، والتي كانت برعاية أميركية. لكن المذكرة أكدت إلى جانب ذلك على تنوع المكوّنات الاجتماعية والقومية والدينية السورية، معتبرة أن اللامركزية هي ضمانة التوازن في سوريا.  
 لكن أهم بندين في المذكرة، اللذين تظهر عليهما علامات القراءة الروسية لما يجب أن يؤول إليه مستقبل تلك المنطقة، يظهران في الاعتراف بأن الإدارة الذاتية الحالية لشرق الفرات ضرورة مُلحة، ما يوحي بأن موسكو لن تنحاز إلى أي توافق سياسي وعسكري جديد مع تركيا، قد تعرض تركيا عبره تنازلات سياسية لفتح علاقة سياسية ما مع النظام السوري، مقابل سعي النظام لتحطيم إدارة شرق الفرات "الكردية". 
 المسألة الأخرى تمثلت في رؤية الملف العسكري. إذ قالت المذكرة بعبارات رنانة إن الجيش السوري هو المؤسسة الوطنية العامة التي ينحصر بها السلاح، وعليها ألا تتدخل في السياسة، لكنها أضافت مديحاً لقوات سوريا الديموقراطية التي شاركت في معركة مواجهة الإرهاب، معتبرة أنها يجب أن تنخرط في الجيش السوري مستقبلاً، وفق آليات وصيغ محددة. 
 هذا التفصيل الأخير، كان بمثابة رسالة روسية ثلاثية الأبعاد، إلى كل من تركيا والنظام السوري، الفاعلين الرئيسيين اللذين يحاولان سحب كل شرعية من هذه القوات، التي صار حجمها يوازي حجم جيش النظام السوري تقريباً. لكنها أولاً كانت رسالة لقوى المعارضة السورية، بالذات الائتلاف السوري المعارض، الذي أعلن رئيسه معارضة تامة لهذه المذكرة، قائلاً في تصريحات إعلامية: "نرفض أي اتفاق سياسي مع أي تنظيم إرهابي". رئيس الحكومة السورية المؤقتة عبد الرحمن مصطفى أتم ما صرح به الحريري: "أن سبب رفض الاتفاق يعود إلى أسباب أهمها، موقفنا من الأطراف المتفقة، وثانيها الجهة الوسيطة والراعية، وثالثها حول المضمون". أي أن قوى المعارضة السورية تعتبر هذه المذكرة موجهة لها تماماً.  
 مراقبون للمشهد السوري، بالذات من حيث أدوار واستراتيجية روسيا البعيدة المدى فيه، أجمعوا على أن هذه الخطوة الروسية إنما تتقصد السير بثلاثة اتجاهات في الآن عينه: فهي من جهة تسعى لأن تكرّس أشكال الوجود الروسي غير العسكري في سوريا، بالذات على المستوى السياسي. الأمر الثاني يتعلق بمحاولة إضعاف تركيا وحلفائها السياسيين، في سوريا والإقليم، وأن هذا الأمر يتطلب المزيد من الاعتراف والتعاون مع أكراد سوريا. أخيراً فإن روسيا تسعى لأن لا تنحصر شبكة المتعاونين معها في الملف السوري بالنظام السوري وحده.  
 معهد وارسو للدراسات وصف المساعي الروسية في شرق الفرات بأنها "محاولة لتحسين مكان وضع القدم على السلّم". ذكر المعهد في قراءة مطولة للمشهد أن الوجود الروسي نتج من تراجع وغض نظر أميركي منذ شهر تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2019، وأن الولايات المتحدة مستعدة لمنح روسيا المزيد من الأحمال السورية. لكن الطرف الروسي لاحظ أن وجوده في تلك المنطقة، التي تُقدر بقُرابة ثُلث سوريا، وبالرغم من هذه الموافقة الأميركية، إلا أنه لا يملك فاعلية موضوعية على الأرض، بالذات سياسياً مع القوى الفاعلة والنافذة هناك. وأن روسيا تسعى جاهدة لترتيب أوضاع علاقتها هناك، بما يتجاوز الحضور العسكري المحض.  
 الكاتب والباحث التركي فهيم تاشتكين، حلل في مقالة تفصيلية في موقع دراف التركي هذه التوجهات الروسية في شرق الفرات. إذ اعتبر أنها محاولة للتودد للأكراد السوريين، لتوجيه رسالة إلى تركيا تقول بأن الحل في سوريا لا يمكن أن يكون صفرياً في جميع المستويات. فمثلما تطالب تركيا بأن يغادر النظام السوري الحليف لروسيا موقع الصفر السياسي، فإن موسكو قد تطالب تركيا بالاعتراف بالقوى الفاعلة على الأرض، ومنهم الأكراد، نسبياً على الأقل.  
 الكاتب التركي أضاف أنه حصل على معلومات مؤكدة تقول بأن الطرف الروسي سيعرض على الراعي الأممي لعملية السلام السورية غير بيدرسون مشاركة مجلس سوريا الديموقراطية في المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة، بما في ذلك اللجنة الدستورية السورية، وأنها ستمارس ضغوطاً في ذلك الاتجاه. 
مؤشرات ذلك توضحت من خلال التسريبات الروسية عن بنود ما سيناقشه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال زيارته المرتقبة قريباً لدمشق، إذ تضمنت لأول مرة بندناً خاصاً عن منطقة شرق الفرات.  
مصادر خاصة من داخل الإدارة الذاتية الكردية، أكدت لـ"النهار العربي" أن هذا المسعى الروسي يحمل رغبات روسيا بمزيد من الاعتراف والتعاون مع الإدارة الذاتية في شرق الفرات. فالشركات الاقتصادية الروسية قد تندفع عما قريب للاستثمار والاستفادة من الفرص الاقتصادية في تلك المنطقة، التي تُعتبر الأغنى بالثروات الباطنية والزراعية. وأن روسيا تريد لتلك العلاقة مع هذه المنطقة أن تدخل في خدمة المزيد من التعاون مع النظام السوري، الذي يعاني من تفاقم أوضاعه الاقتصادية بعد قانون قيصر. بمعنى أن الرؤية الروسية تتضمن في أحد بنودها المزاوجة والمبادلة بين المكاسب الاقتصادية وما يناظرها من اعتراف سياسي. وهو أمر لا تعترض عليه الإدارة الذاتية، لكنها فقط تسعى لأن يكون ذلك عبر توافق روسي أميركي، حتى لا تظهر الإدارة وكأنها تخلت عن تحالفها مع الولايات المتحدة.