الرئيسة \  تقارير  \  معهد الشرق الأوسط: سيناريوهات حرب أوكرانيا.. كيف ستؤثر في العلاقات بين روسيا وتركيا؟

معهد الشرق الأوسط: سيناريوهات حرب أوكرانيا.. كيف ستؤثر في العلاقات بين روسيا وتركيا؟

31.05.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
الاثنين 30/5/2022
نشر “معهد الشرق الأوسط” مقالًا للكاتب يوجين كوجان يستعرض فيه أثر سيناريوهات حرب أوكرانيا المحتملة في العلاقات بين روسيا وتركيا وأمن البحر الأسود.
يلفت الخبير في الشؤون الدفاعية والأمنية، والمقيم في تبليسي بجورجيا، في مطلع مقاله إلى أن العلاقات الروسية التركية تستند إلى حد كبير إلى الكيمياء الشخصية والتقارب والثقة بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان، مشيرًا إلى أن الغزو الروسي لأوكرانيا وضع هذه العلاقات الشخصية على المحك.
وفي حين يحافظ الرئيس أردوغان أيضًا على علاقة عمل وثيقة مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وكذلك العلاقات العسكرية التركية الأوكرانية قوية، فقد أصبح – وفق تعبير الكاتب- جليًّا أن أردوغان ليس على استعداد للتضحية بالعلاقات مع بوتين من أجل زيلينسكي. وعلاوة على ذلك، فإن جهود أردوغان للتوسط بين الزعيمين إما رفضها بوتين وإما تجاهلها.
ومع استمرار حرب روسيا في أوكرانيا، فليس هناك ثمة أمر يقيني فيما ستؤول إليه الأمور، لكن الأمر يستحق النظر في مجموعة من الاحتمالات. وتسلط السيناريوهات الثلاثة المعروضة أدناه الضوء على التحديات والفرص المحتملة التي قد يواجهها بوتين وأردوغان، وبدرجة أقل، زيلينسكي اعتمادًا على ما سيؤول إليه الصراع، وكذلك ما هو على المحك فيما يتعلق بدول أخرى في منطقة البحر الأسود.
سيناريوهات حرب أوكرانيا: انتصار روسيا
يوضح الكاتب ما قد يحدث في السيناريو الأول قائلًا: في حال انتصار بوتين في الحرب في أوكرانيا، سوف تطالب روسيا العدوانية بحرية حركة سفنها البحرية عبر مضيق البوسفور والدردنيل. بالإضافة إلى ذلك، سيدعو بوتين تركيا إلى الحفاظ على حيادها الصارم في حالة شن عملية عسكرية روسية في البحر الأسود ضد بلغاريا أو جورجيا أو رومانيا. وقد تذهب موسكو، التي تشجعت حديثًا، إلى حد دفع أنقرة إلى مشاركة موارد الغاز الطبيعي المكتشفة مؤخرًا في البحر الأسود، والتي تطمح تركيا إلى تطويرها واستخدامها للاستهلاك المحلي. وإذا حدث كل هذا، فستصبح تركيا أكثر اعتمادًا على روسيا. ومع ذلك، في مثل هذا السيناريو، قد تخلق عزلة موسكو المتزايدة أيضًا فرصًا جديدة لأنقرة لتعزيز مصالحها في المنطقة.
ويشير الكاتب إلى أن تركيا، وبصفتها عضوًا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لن تستفيد من روسيا (الجريئة والعدوانية) في البحر الأسود وشرق البحر المتوسط. وعلى الرغم من أن الإجراءات الروسية ستزعزع استقرار المنطقة الأوسع، فإنها لن تدفع تركيا مرة أخرى إلى حظيرة الناتو بالنظر إلى حالة الفتور بين تركيا والحلف في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو (تموز) عام 2016. ولم تغفل أنقرة أن أنصار حركة فتح الله جولن وجدوا مأوى لهم في دول الناتو، وأنه ورُغم طلبات تسليمهم، لم توافق أي من الدول على فعل ذلك.
ويذكر الكاتب أن هناك (مآخذ أوروبية) على أنقرة أبرزها الاتهامات الموجهة من أوروبا لتركيا بـ(قمع المعارضين والمعارضين السياسيين في الداخل) ويذكر الكاتب القضية الأخيرة لعثمان كافالا، الناشط في مجال الحقوق المدنية والمحسن الذي حكمت عليه محكمة تركية بالسجن مدى الحياة دون الإفراج المشروط، ويضيف الكاتب أن هذا لم يحسن العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
ويتوقع الكاتب أنه وفي ظل هذا السيناريو، قد يستمر الوضع الاقتصادي في تركيا في التدهور وقد لا تتحقق جميع الوعود التي قطعها أردوغان وحكومته بشأن تحسين الاقتصاد، لافتًا إلى أنه وبرغم عدم قدرة روسيا على تقديم الدعم المالي الفوري لتركيا نظرًا إلى تأثير العقوبات الاقتصادية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا وغيرهم من البلدان ذات التفكير المماثل، فإنها مع ذلك قد ترسل سياحها وتفتح أسواقها بصورة أكبر للشركات التركية، بما في ذلك في أعمال البناء، الأمر الذي قد يساعد جزئيًّا على الأقل في تخفيف مشكلات أردوغان الاقتصادية.
وبالإضافة إلى محفزات زيادة التجارة والسياحة، قد تُوقِّع روسيا وتركيا أيضًا عقدًا لتسليم دفعة ثانية من أنظمة الدفاع الصاروخي “أس-400”، بما في ذلك تفاصيل معينة وغير محددة تتعلق بنقل التكنولوجيا إلى تركيا. وعلاوة على ذلك، ستكون روسيا مستعدة لتقديم خصم على الغاز لتركيا. ومن خلال هذه الإجراءات، تهدف روسيا إلى تعزيز إبعاد تركيا عن بقية الناتو بينما يحاول بوتين الحفاظ على علاقات ودية مع أردوغان، وقد يعرض على الزعيم التركي مجال نفوذ مشترك في جنوب القوقاز. ومن شأن مبادرة “3 الاثنين 30/5/2022 3” والضغط على جورجيا للإذعان للمخطط الذي قدمته تركيا وروسيا أن يبدد أي آمال في انضمام جورجيا إلى الهياكل الأوروبية الأطلسية.
ويضيف الكاتب أخيرًا، في حالة انتصار روسيا في الصراع، قد تنتهي على الأرجح العلاقات العسكرية بين تركيا وأوكرانيا وستتوقف مبيعات تركيا لأنظمة الأسلحة إلى أوكرانيا تمامًا.
السيناريو الثاني: روسيا تخسر الحرب
وينتقل الكاتب للسيناريو الثاني، وهو خسارة روسيا للحرب، متوقعًا أن يكون للخسارة الروسية في أوكرانيا عواقب واسعة النطاق. فكما حدث مع تفكك الاتحاد السوفيتي السابق، فإن الهزيمة العسكرية يمكن أن تؤدي إلى انهيار الاتحاد الروسي. ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تغييرات مزلزلة في جميع أنحاء القارة الأورآسية، مما يؤثر في ميزان القوى الأوسع مع إزالة أو تقليل التهديد العسكري لدول مثل جورجيا ومولدوفا وبلغاريا ورومانيا.
ومع ذلك، فإن هزيمة من هذا القبيل ليست نتيجة حتمية لأن الرئيس بوتين وحكومته سيسعون جاهدين لتجنبها بكل الوسائل الممكنة، بما في ذلك التعبئة العسكرية الشاملة. ومن المرجح أن يكون لحرب الاستنزاف التي قد تستمر عدة سنوات عواقب وخيمة على الصعيدين العسكري والاقتصادي، ومن غير المرجح أن تنجح الدبلوماسية لأن بوتين لديه ازدراء عميق للمفاوضات الدبلوماسية.
وينوِّه الكاتب إلى أن الأمر الواضح هو أن هزيمة روسيا في الحرب ستعزز موقع تركيا الإستراتيجي في البحر الأسود وجنوب القوقاز. وكان هذا ولا يزال هدفًا للرئيس التركي أردوغان، الذي يسعى لتوسيع نفوذ أنقرة في الجمهوريات التركية السوفيتية السابقة.
 ومع ذلك، وحسب ما يؤكد الكاتب، فإن قادة مثل هذه الدول، حتى تلك التي لها علاقات وثيقة مع تركيا، مثل الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، سوف يقاومون على الأرجح جهود أنقرة إذا تمادت في ذلك. وكذلك يبدو واضحًا أيضًا أنه وفي ظل السيناريو الثاني، ستتوسع العلاقات العسكرية بين تركيا وأوكرانيا وتستمر في الازدهار.
وبالنتيجة يستبعد الكاتب في ظل مثل هذا السيناريو، أن يخرج الاقتصاد التركي من حالة الركود على الرغم من جهود الرئيس أردوغان لتحسين العلاقات مع دول الخليج الغنية ودعمها المالي اللاحق لتعزيز الاقتصاد التركي. وطالما أن الرئيس أردوغان يتبع سياسته الاقتصادية غير التقليدية ولا يستمع إلى نصيحة الاقتصاديين، فمن المرجح أن يبتعد المستثمرون الأجانب بينما يستمر الشعب التركي في تحمل عبء الديون المتزايدة وارتفاع التضخم.
ومع ذلك، من المرجح أن تستمر العلاقات التجارية والاقتصادية الروسية التركية كما كانت من قبل في هذا السيناريو وستمضي روسيا قدمًا في بناء محطة أكويو للطاقة النووية في تركيا.
السيناريو الثالث: حالة الجمود
يصل الكاتب إلى السيناريو الثالث والأخير، حالة الجمود العسكري، موضحًا أنه وفي ظل هذا السيناريو، سنشهد ظهور ما يسمى بالصراع المتجمد آخر في قلب أوروبا والذي يسعى فيه كل طرف لكسب الوقت لإضعاف الجانب الآخر واغتنام الفرصة للخروج من الحرب قويًّا. وستظل تركيا تنزف اقتصاديًّا، وستُهمَّش دبلوماسيتها، وستعاني من اضطرابات سياسية محلية. وبعبارة أخرى، ليس هناك جانب مضيء يلوح في الأفق فيما يخص روسيا وأوكرانيا وتركيا.
ويقول الكاتب إن السيناريو الثالث، مع بعض مساوئه على روسيا، هو أيضًا مسار مألوف للرئيس بوتين وإدارته، ذلك أنهم يواجهون وضعًا مماثلًا في أبخازيا وبقايا ناجورنو – كاراباخ وأوسيتيا الجنوبية وترانسنيستريا، ويعرفون جيدًا كيفية التعامل مع تلك الحالة دون الاستسلام لضغوط المجتمع الدولي.
ويُعد هذا السيناريو من دون شك السيناريو الأسوأ لأوكرانيا بالنظر إلى الإنهاك المتنامي للغرب وتضاؤل قدرته على التحمل رغم استمراره في تقديم المساعدة الاقتصادية والعسكرية. وسيقول بوتين على الأرجح إن روسيا انتصرت في الحرب الوطنية العظمى على الرغم من الخسائر البشرية الهائلة والتكاليف الاقتصادية الفادحة، وأن روسيا أصبحت قوة عظمى على المسرح الدولي، ومن ثم، فإن التضحيات والتكلفة النهائية للنصر لها ما يبررها، وأن روسيا ستنتصر في نهاية المطاف. وتعني حالة الجمود أيضًا أن روسيا ستظل تُشكِّل تهديدًا للدول المحيطة بالبحر الأسود، ومن ثم يتعين على الحكومتين البلغارية والرومانية أن تظل يقظة وتعزز إنفاقها الدفاعي.
ويختم الكاتب مقاله بالقول إن العلاقات الروسية التركية تستند إلى تفاهم متبادل على ضرورة الحفاظ على التوازن بأي ثمن، مشيرًا إلى أن السيناريو الأول يُسلِّط الضوء على الجَزَر الذي يُبدي بوتين استعداده لتقديمه لأردوغان في حالة انتصار روسيا في الحرب ضد أوكرانيا.
وكذلك يُظهر أن تركيا ستواصل الابتعاد عن حلف الناتو لأن أردوغان ليس مستعدًّا لتغيير سياسته الداخلية. أما السيناريو الثاني فيحمل بعض المزايا لتركيا، لكن هذه المزايا تستند إلى توقعات غير واقعية في أنقرة. في حين يُسلِّط السيناريو الثالث الضوء على أوجه عدم اليقين المستقبلية وعجز المجتمع الدولي عن إجبار روسيا على الاستسلام. وستُزيد مثل هذه النتيجة الأمور سوءًا فيما يتعلق بتركيا وأوكرانيا، على وجه الخصوص، وكذلك ستظل تُشكِّل تهديدًا لبلغاريا ورومانيا عمومًا.