الرئيسة \  واحة اللقاء  \  معضلة تركية أُخرى في فنزويلا؟

معضلة تركية أُخرى في فنزويلا؟

06.02.2019
علي حسين باكير


العرب القطرية
الثلاثاء 5/2/2019
تشهد فنزويلا مؤخراً أسوأ أزمة سياسية في تاريخ البلاد، فيما يبدو أنّه محاولة انقلابية تتمظهر على شكل أزمة دستورية، تتم على نار هادئة، مترافقة مع تدهور غير مسبوق للوضع الاقتصادي والأمني. في ١٠ يناير الماضي، أدى الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، اليمين الدستورية لولاية ثانية، فيما اعتبر خوان غايدو رئيس البرلمان -الذي تسيطر عليه المعارضة- أنّ مادورو مغتصب للسلطة، ما أدى إلى نشوب نزاع بين الجانبين أخذ منحى درامياً مع تنصيب الأخير نفسه رئيساً بالوكالة للبلاد في ٢٣ يناير، مترافقاً مع دعم غربي، لا سيما من الولايات المتّحدة الأميركية التي بدأت فرض عقوبات على فنزويلا للضغط على مادورو للرحيل.
ومع تفاقم النزاع الداخلي بدأت الدول في فرز مواقفها هي الأخرى. لم تتأخر السلطات التركية في التعبير عن موقفها، وعلى الفور أعلنت الرئاسة التركية بعد يوم واحد فقط عن إجراء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتصالاً هاتفياً بنظيره الفنزويلي مادورو، عبّر له فيه عن مساندته ودعمه، ووقف تركيا إلى جانبه، فيما صدرت تصريحات رسمية للمتحدث باسم الرئاسة التركية، وكذلك لوزير الخارجية، تعبر عن موقف أنقرة الرافض للتدخلات الخارجية والانقلابات. هناك من يشير إلى أن السلطات التركية تسرّعت في اتخاذ قراراها بالمراهنة على حصان مادورو في هذه المعركة، دون الوقوف على حيثيات المشهد بشكل جيّد. لكنّ آخرين يجادلون بأن تركيا لم تكن تمتلك أي خيار آخر في هذا الصدد، إذ ليس باستطاعة أنقرة دعم أي انقلاب عسكري في أي بقعة من العالم، بغض النظر عن الشخصية التي سيأتي بها الانقلاب. وبهذا المعنى، فالموقف المتعلق بالمحاولات الانقلابية إنما ينبع من تجربة ذاتية، مفادها أن لا انقلاب عسكري جيد، وذلك انطلاقاً من واقع أن تركيا دولة شهدت أكثر عدد من الانقلابات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، وتعرف تماماً ماذا يعني ذلك.
هناك بُعد آخر للمسألة أيضاً ويتعلق برد الجميل إلى الرئيس الفنزويلي الذي وقف إلى جانب الحكومة التركية المنتخبة ضد المحاولة الانقلابية الفاشلة التي جرت في يوليو من العام ٢٠١٦. القيادة التركية تجد نفسها ملزمة من الناحية الأخلاقية على الموقوف إلى جانب الرئيس مادورو، سيما مع تطوّر العلاقات بين الجانبين، حيث كان مادورو قد زار تركيا عام ٢٠١٧ ثلاث مرات، وجرى توقيع كثير من الاتفاقيات المشتركة بين الجانبين في مجالات مختلفة سياسية واقتصادية وعسكرية.
على المستوى الاقتصادي، زاد حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال العام ٢٠١٨ أكثر من ٦ أضعاف حجمه عن عام ٢٠١٧. خلال الأشهر التسع الأولى من العام الماضي، قامت فنزويلا بتصدير ما قيمته حوالي ٩٠٠ مليون دولار من الذهب إلى تركيا. ومع فرض واشنطن عقوبات اقتصادية على فنزويلا، فإن هناك احتمالاً عالياً في أن تتدهور المكاسب الاقتصادية التركية من العلاقة الناشئة مع كاراكاس، لا سيما مع تحذيرات مسؤولين أميركيين من أن تخرق أنقرة هذه العقوبات.
لذلك، وبغض النظر عن مصير مادورو، وما إذا كانت الحكومة التركية قد ذهبت بعيداً في دعمه بشكل مبكّر، فإن العقوبات الأميركية على فنزويلا قد تعقّد المشهد التركي مجدداً، ليس لناحية تأثيرها على العلاقات الاقتصادية بين أنقرة وكاراكاس فقط، وإنما على العلاقات التركية - الأميركية ربما.;