الرئيسة \  واحة اللقاء  \  معضلة إدلب السورية

معضلة إدلب السورية

25.09.2018
عبدالله السويجي


الخليج
الاثنين 24/9/2018
محافظة إدلب التي تقع شمالي سوريا، أو كما يسمّونها المحافظة الخضراء، لاحتضانها ثلاثة ملايين شجرة زيتون، باتت تتسيّد المشهد الإعلامي السوري والعربي والعالمي، والأهم من كل ذلك، تتسيّد اهتمام السياسة التركية، نظراً للقرب الجغرافي والتهديد الذي تستشعره تركيا من الأحزاب الكردية، مثل حزب العمال الكردستاني، والحزب الكردي الديمقراطي وغيرهما. وتخشى تركيا أيضاً من أن يقوم جيش النظام السوري بالهجوم على المحافظة، بصفتها آخر المحافظات المتبقية تحت سيطرة المسلحين، ومن بينهم جبهة النصرة و"داعش" وغيرهما، وبالتالي تتسبب بهجرة كبيرة نحو تركيا. وفي السياق ذاته، تناقلت وسائل الإعلام قيام تركيا ببناء جدارين عازلين على طول الخط المحاذي لمناطق سيطرة جيش النظام، بهدف عزل المحافظة كلياً عن مناطق سيطرته. ووفق صحيفة الوطن السورية، فإن حجم الشاحنات التي تحمل الجدران والتي تجاوز عددها في شهر يوليو الماضي 300 شاحنة، فإنها تهدف إلى بناء جدار عازل يحيط بمحافظة إدلب بكاملها، تمهيداً لما يمكّن تركيا من ضم إدلب إلى ولاياتها، أو حمايتها من عملية مرتقبة لجيش النظام السوري.
ويبدو أن روسيا استشعرت أهداف السياسة التركية، فلجأت إلى التفاوض معها والتوصّل إلى اتفاقية عمّمتها على أعضاء مجلس الأمن. وتتضمّن الاتفاقية الإبقاء على منطقة خفض التصعيد في إدلب وتحصين نقاط المراقبة التركية، وإقامة منطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب على امتداد التماس مع الجيش والجماعات المسلحة بحلول 15 أكتوبر، ويتضمّن الاتفاق سحب السلاح الثقيل من هذه المنطقة في العاشر من الشهر المقبل، إضافة إلى القضاء على الجماعات المتطرفة، وستقوم القوات التركية والشرطة العسكرية الروسية بدوريات لمراقبة المنطقة منزوعة السلاح، أما الجانب الروسي فسيتخذ كافة الإجراءات اللازمة لضمان تجنّب تنفيذ عمليات عسكرية وهجمات على إدلب. وعلى وجه السرعة رفضت عدة فصائل مسلّحة الاتفاق وحذّرت من أي عملية سحب سلاح منها، وأنها ستتصدى لكل من سيقوم بذلك.
قبل التوصل إلى هذا الاتفاق الروسي - التركي، وبعد إعلان جيش النظام عن قرب عملية عسكرية لاستعادة محافظة إدلب من المسلحين، وبدء الطائرات السورية والروسية بقصف مواقعهم، حذّرت الولايات المتحدة وأصوات أوروبية من الهجوم ومن تداعياته التي ستؤدي إلى كارثة إنسانية، وبدأ الحديث عن إمكانية استخدام النظام السوري للغاز السام في مواجهة المسلحين، وهدّد ترامب أنه سيشن هجوماً كاسحاً على جيش النظام السوري إذا ما قام بالهجوم واستخدم الغاز السام.
الملاحظة الأولى بشأن الاتفاق الروسي - التركي هي غياب جهتين، وهما الطرف السوري والطرف الإيراني، وكلاهما لاعبان رئيسيان في الحرب السورية، ما يعني أن اللاعبين الرئيسيين قاما بعقد الاتفاق، وهما روسيا التي تمثّل الجانب السوري أيضاً، وتركيا التي تمثّل المسلحين. والملاحظة الثانية التي تساوي الأولى أهمية، هي أن الولايات المتحدة وأوروبا وربما تركيا لا تريد عودة جيش النظام السوري لإحكام قبضته على محافظة إدلب، وهي أرض سورية، ما يعني أنه لا نيّة لإنهاء ظاهرة المسلحين والتطرف في المنطقة.
الملاحظة الثالثة تنطوي على تناقض في الاتفاق، حيث يشير إلى القضاء على المجموعات المتطرفة، علماً أن المسلحين جميعاً ينتمون إلى هذه المجموعات إلا نسبة قليلة منهم، ومن بينهم التنظيمات الكردية التي تعتبرها تركيا إرهابية، والسؤال هو ماذا لو رفضت التنظيمات المسلّحة تسليم أسلحتها الثقيلة؟ هل سيتم التعامل معها عسكرياً؟ فإذا تم ذلك ستنشأ بالضرورة أزمة نزوح، وهو الذي تخوّفت منه الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية.
الملاحظة الرابعة تكمن في الموقف الأمريكي المتناقض الذي يمنع الهجوم على المسلحين المتطرفين في محافظة إدلب من جهة، ومن جهة أخرى يقول إنه دفع المليارات لجماعات في سوريا لا يعرف من يكونون.
تركيا التي طالما دعمت التنظيمات المتطرفة، مثل "داعش" وجبهة النصرة، لن توافق على القضاء عليهم، فهم ذراعها المسلّحة التي تراهن عليها في تمرير سياساتها، وتركيا أيضاً لن تقوم بالانسحاب من الأراضي السورية بحجة التصدي لتهديدات حزب العمال الكردستاني، وبالتالي، حتى ينجح الاتفاق فإن على روسيا الوقوف إلى جانب تركيا ضد الأكراد، وهو أمر غير مطروح، وروسيا أيضاً لن تقبل بوجود مقاتلين متطرفين في إدلب إلى ما لا نهاية، ولهذا فإن الاتفاق يعتبر مرحلياً، وهو تكتيك أكثر منه استراتيجياً، وكلا الموقفين الروسي والتركي ما هما إلا مناورة من أجل شيء أكبر ستكشفه الأيام القليلة القادمة.