الرئيسة \  واحة اللقاء  \  معركة حلب!

معركة حلب!

23.02.2016
د. خالص جلبي



الاتحاد
الاثنين 22/2/2016
قبل نشوب الحرب العالمية الثانية توجه الفيزيائي (فيرنر هايزنبيرج) على ظهر باخرة إلى أمريكا الشمالية. كان ذلك في شهر أغسطس 1939م تماما مثل شهر فبراير الحالي 2016م الحامي حول حلب في سوريا حالياً. قال الرجل في كتابه (الجزء والكل ـ حوارات في الفيزياء النووية) قبل العاصفة يفعل المرء ثلاثاً كما هو المسافر في السفينة حين تباغتها العاصفة؛ شد الحزام تهيئة أطواق النجاة ووداع من تحب لأنها قد تكون اللحظات الأخيرة قبل الغرق.
فعل الرجل بنفس القواعد الثلاث؛ أخذ عائلته إلى الجبال. قال قد تكون النجاة حين تتهدم المدن الألمانية كما نشاهد في سوريا الأسد هذه الأيام، ثم حمل نفسه لمقابلة صديقه (انريكو فيرمي) الإيطالي الذي فر من الفاشية؛ فبنى للأمريكيين الفرن (المفاعل النووي) الذي منه يستخرجون ما يشاؤون من قنابل ذرية!
في المقابلة التي يرويها في كتابه سأله فيرمي كيف ترى الأمور؟ قال هي سحب الحرب قادمة لاشك فيها ولا ريب.
هذا الفصل من كتاب فيرنر هايزينبيرج (تصرف الأفراد حيال الكارثة) جذبني جدا أكثر من نظريته حول مبدأ اللايقين أو الاحتمال في حركة الإلكترون، وهو فصل من فلسفة علم النفس الاجتماعي أكثر من الفيزياء النووية ومشاكلها يقينا أو احتمالا.
أتذكر من القرآن شيء من هذا القبيل حيث وجه الكتاب نظرته نحو فهم حركة التاريخ والبشر وهدايتهم إلى السلوك الصحيح أمام خيارات الفناء أحياناً كما هو حال نظام الأسد في سوريا.
ما تقدمت به يلقي الضوء عما سيحدث في حلب في الأيام القادمة ونحن هنا أمام الأفكار التالية: الأولى: العقل العلمي مفتوح على كل الاحتمالات بمعنى أن كل شيء قابل أن يحدث على نحو معلق يصعب الجزم فيه واليقين. هذا هو قدر التاريخ من حركة وصراعات البشر. الثانية قد ينتصر الثوار في المدينة التاريخية فتكون قاصمة الظهر للنظام "البعثي" الدموي وتنتقل المعركة من الشمال إلى الجنوب زحفا باتجاه عاصمة الأمويين. وقد يحدث العكس ـ وهو الأرجح ـ من انتصار النظام المدجج بالسلاح، مع الأسلحة والخبرة الروسية، التي يحاول فيها القيصر الروسي بوتين تحويل سوريا إلى غروزني موسعة. هذا إن استطاع؛ فهنا المواجهة مختلفة عن قتال الجيب الشيشاني الصغير. نحن هنا أمام تكنولوجيا عاتية، في مواجهة ثوار يحتاجون لتدريب عال ومعدات متطورة، مقابل تدخل دولي يريد أن يحقق انتصار طرف على طرف، كما يريد ولمصلحته هو، أكثر من الطرف المنتصر، طالما كان التموين بالسلاح ليس من صناعة الثوار. حالياً في معركة حلب لو وضع سلاح متقدم ضد الطيران لتغير ميزان المعركة بموجب التكنولوجيا المتقدمة. هذا يظهر مأساة الحرب الحقيقة عارية صادمة، أن من يخوض الحرب يستطيع أن يبدأها، ولكن نهايتها ليست في يده بسبب مد السلاح ونوعيته وكميته.
هنا تقوم الدول العظمى بدور إجرامي لا أخلاقي، لأنها تنصر من تشاء من خلال السلاح. هنا من ينتصر قد لا يكون هو الطرف الأحق بالنصر.
نماذج هذه كثيرة عبر التاريخ. لعل الحرب العراقية الإيرانية هي النموذج الصارخ؛ حيث كانت ثلاثون دولة تمد الطرفين بالسلاح بحيث يتحقق الاحتواء المزدوج كما كانوا يسمونه. أي لا ينتصر طرف على آخر.
حاولت إيران بالقرابين البشرية أن تحقق النصر حتى وصلت الأمور إلى استخدام الأسلحة الكيماوية كما فعل بشار في سوريا. ينقل عن رستم غزالة المقتول بعد مقتل أئمة المخابرات في 18 يوليو 2011، قوله سنعمل في حلب ما يترك مذبحة حماة نزهة أمامها. الأب دمّر حماة بقتل عشرات الآلاف، (أقلها عشرون ألفا والبعض يرفع الرقم حتى أربعين ألفا بمسح نصف المدينة في 27 يوماً عجافاً. الأمر الثالث والأخير في قناعتي أن النظام قد يربح معركة حلب وينسحب الجيش الوطني الحر، ولكن الثورة السورية لن تقف عند معركة أي مدينة. أعجبني تعليق يقول إن النظام الأسدي دمّر حمص، ولكنه لم يزد الثورة إلا اشتعالاً، ولم يزدد هو من الشعب السوري إلا بعداً، ولم يزد الثورة إلا مزيداً من التصميم على تدمير نظام "البعث" مرة واحدة وللأبد.