الرئيسة \  واحة اللقاء  \  معركة الرقة... و "القيادة من الخلف"!

معركة الرقة... و "القيادة من الخلف"!

30.05.2016
محمد مشموشي


الحياة
الاحد 29/5/2016
معركة الرقة السورية أميركية بامتياز، كذلك هي معركة الفلوجة في العراق. ولأنه لا يمكن أن تكون مصادفة أن تطلق الرصاصة الأولى فيهما في وقت واحد، فهما تطرحان أكثر من علامة استفهام، لا سيما بالنسبة إلى الرقة، في ظل ما هو معروف عن القوى التي تنفذها على الأرض وفي الجو من جهة، وعن التعطيل المتعمد للمفاوضات السياسية بين النظام والمعارضة في "جنيف3" من جهة ثانية.
فلم يعد خافياً أن الرئيس الأميركي باراك أوباما يريد تحقيق "إنجاز" ما قبل انتهاء ولايته مطلع العام المقبل، بل خصوصاً قبل انتخابات بلاده الرئاسية في تشرين الثاني(نوفمبر) ومرشح حزبه الديموقراطي فيها، وأن هذا "الإنجاز" لا بد أن يكون خارجياً، على خلفية ما لحق به وبإدارته من اتهام بالوهن أو حتى بالعجز والتفريط بدور أميركا العالمي خلال الأعوام الماضية.
آخر ما قام به أوباما، في هذا السياق، كان نجاحه قبل أيام في قتل قائد "طالبان" الملا أختر منصور، بعد اغتياله زعيم "القاعدة" أسامة بن لادن في فترة ولايته الأولى. هذا على صعيد الأمن ومحاربة الإرهاب في العالم، أما في السياسة الخارجية، فيكفي في رأيه إنهاء أكثر من نصف قرن من العداء مع كوبا، وأقل منها بقليل مع ايران، وأخيراً فتح صفحة سياسية- اقتصادية مع فيتنام. وليس مبالغة القول أن المعركة التي يخوضها في الرقة كما تلك التي تتم في الفلوجة ليستا بعيدتين عن ذلك.
لكن الأسئلة التي تثار هنا تتعلق بالمنطقة، وبمستقبل سورية تحديداً، وما يمكن أن تكون إدارة أوباما تخطط له في نهاية عهدها.
ذلك أن "قوات سورية الديموقراطية" التي تنفذ معركة تحرير الرقة على الأرض بدعم وغطاء جويين من الولايات المتحدة، هي أساساً قوات "حماية الشعب الكردي" التي أعلنت قيادتها قبل مدة ما وصفته ب "حكم ذاتي" للأكراد في المناطق الواقعة الى الشرق والشمال من سورية. أكثر من ذلك، لم يكتفِ الناطق باسمها بالحديث عن تحرير الرقة من "داعش"، بل أضاف إليها مثلث بلدات تل أبيض وعين عيسى وتل السمن التي توصف بأنها "عرى وصل وفصل" بين المناطق التي يفترض أن تشكل أراضي "الحكم الذاتي" الكردي في حال وضعه قيد التنفيذ. ولم يكن الناطق يحتاج الى زيادة في الوضوح، عندما قال أن كل منطقة يتم تحريرها ستسلم الى المجالس المحلية... أي بعبارة أخرى الى مجالس "الحكم الذاتي" الكردي من دون غيرها.
كذلك فإن إدارة أوباما لم تخفِ يوماً أنها تؤيد، بل تموّل وتسلّح وتدرّب، "قوات سورية الديموقراطية" بدعوى أنها تثق بها في حربها ضد "داعش" و "جبهة النصرة"، على رغم اعتراض تركيا المتكرّر على ذلك انطلاقاً من علاقة الحزب الكردي الذي يقودها ب "حزب العمال الكردستاني" التركي وزعيمه عبدالله أوجلان، فضلاً عن اعتراض ما تسميه واشنطن قوى المعارضة المعتدلة التي كانت درّبت بعض مقاتليها ثم توقفت. وللطرفين هذين، كما لبلدان عربية وازنة(السعودية ومصر والأردن ودول الخليج) مواقف معلنة، ليس برفض"الحكم الذاتي" الكردي في سورية فقط، انما قبل ذلك برفض مجرد التفكير في تسوية في هذا البلد العربي على أساس تقسيمه عرقياً أو طائفياً أو مذهبياً. هل في ذهن أوباما، وهو يسعى إلى تحقيق "إنجاز" داخلي أميركي في الخارج، أن يمرّ ذلك عبر تقسيم سورية على أرض الواقع قبل تقسيمها في الدستور والقانون؟ وأين يقف من هذا الاحتمال نظام بشار الأسد الذي طالما تحدث عن "سورية المفيدة" وكان يقصد بها دمشق وامتداداتها الى حمص ثم جبال العلويين على ساحل البحر الأبيض المتوسط؟
تحاول واشنطن، كما "قوات سورية الديموقراطية"، أن تبرر موقفها بالقول أن فصائل تركمانية وعربية تشترك مع القوات الكردية في معركة الرقة، وأن هدفها هو فقط تحريرها من تنظيم "داعش" وإرهابه. ولكن ألا يعني العكس تماماً قول وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وقبله تسريب معلومات روسية، ان التسوية في سورية قد لا تكون ممكنة إلا من خلال تقسيمها الى دويلات عرقية وطائفية ومذهبية، بينما توكل معركة الرقة الى قوى سياسية وعسكرية سبق أن اقتطعت لنفسها "دويلة" سمتها حكماً ذاتياً للأكراد؟
"القيادة من الخلف"
في موازاة ذلك، لاحظت صحف وأجهزة إعلام أميركية أن أوباما، على رغم التردد الذي وسم سياسته تجاه الأزمة السورية، لم يتورّع عن إنشاء مطار عسكري لقواته في منطقة الرميلان السورية قرب الحسكة، كما أنه استبدل إرسال قوات أميركية بما وُصِف ب "مرتزقة" أجانب دفع أموالاً مالية طائلة لتجنيدهم وتدريبهم قبل نقلهم الى المنطقة، هذا فضلاً عن "القوات الخاصة" الأميركية (250 خبيراً في الرميلان) من أجل تنفيذ ما اعتبره "القيادة من الخلف" في سورية، كما في العراق وأي بلد يتطلب تدخلاً أميركياً في منطقة الشرق الأوسط.
لا حاجة للقول إن سياسة أوباما هذه، خلال سنواته الثماني في البيت الأبيض، أدت الى تراجع تلو الآخر، ليس في بلد واحد إنما على امتداد المنطقة العربية من الخليج الى المحيط.
في العراق حتى الآن، كما في معركة الفلوجة الحالية، لم تفعل هذه السياسة في السابق ولن تفعل، إلا أنها قدمت وستقدم بلاد الرافدين هدية مجانية الى ايران.
وفي سورية، كما هي معركة الرقة الآن، لا يبدو أن نتيجة هذه السياسة ستكون مختلفة: تقسيم الدولة الواحدة الى "دويلات" عرقية وطائفية ومذهبية، لتكون لكل طامع في الإقليم حصة فيها.
و "الحبل على الجرّار، يقول المثل الشعبي العربي، إذا استمرت هذه السياسة