الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مطحنة الأبرياء

مطحنة الأبرياء

07.01.2020
افتتاحية الخليج



الاثنين 6/1/2020
380 ألف قتيل ضحايا الحرب في سوريا. الرقم مهول، وهو أقرب إلى الواقع، وليس مجرد تخمين. فسنوات الحرب التسع في سوريا، بكل ضراوتها، وبحجم المشاركين فيها، وبنوعية الأسلحة التي تم استخدامها، عدا عن الفظاعات والوحشية التي تخللتها، تركت هذا العدد الهائل من الضحايا، أكثر من نصفهم من الأبرياء، من بينهم 22 ألف طفل وأكثر من 13 ألف امرأة.
إنها باختصار مطحنة للأبرياء، الذين لا ناقة لهم فيها ولا جمل.. إنها الحرب التي لا ترحم، ولا قيمة فيها للبشر، طالما أن من أوقدوا نارها وشاركوا فيها لا يقيمون وزناً للإنسان بل لمصالحهم.
خلال الحصار الأمريكي للعراق في مطلع تسعينات القرن الماضي، حيث تم حظر الدواء والغذاء عن ملايين العراقيين قيل لوزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك مارلين أولبرايت إن الحصار أودى بحياة مليون طفل عراقي، فردت قائلة "الأمر يستحق ذلك".
بهذه البساطة، نجد إن الحرب ومآسيها لا تعني من يخطط لها ويديرها، فالبشر بالنسبة لهم مجرد أرقام، المهم هي نتيجة الحرب.
يقول الفيلسوف الفرنسي فولتير "من الممنوع أن تقتل لأنه ستتم معاقبتك بسبب هذه الجريمة، لكن في حال قتلت كثيرين من الناس فسوف تنجو من العقاب، بل سيتم تكريمك لأنك بطل في الحرب".
380 ألف قتيل هم عدد الذي تم توثيق وفاتهم خلال المعارك، وفقاً للمرصد السوري المعارض، ولا تضم المحصلة الذين قتلوا تحت التعذيب أو الذين تم اختطافهم وما زالوا مجهولي المصير، ولا عدد الجرحى والمعاقين وهم بمئات الآلاف أيضاً.
ومع استمرار الحرب، فإن العدد لا شك سيرتفع، خصوصاً أن أفق الحلول السياسية يبدو مغلقاً حتى الآن، والقوى المنخرطة فيها من جماعات إرهابية ودول لم تغلق دفتر الموت والتدمير والتخريب، وما زالت أجنداتها مفتوحة طالما أنها لم تحقق أهدافها بعد.
إذا كانت الحرب تعني أن تلتهم الأرض لحوم البشر، فليس هناك ما يردع من يملك القوة ويمارس البطش، أو أن يوقف تعطشه للدم.
ما يجري في سوريا وفي غيرها من ديار العرب من ارتكابات وفظائع هي "جرائم حرب"، و"جرائم ضد الإنسانية" بكل المقاييس الأخلاقية والقانونية والسياسية، ولا بد من معاقبة مرتكبيها والمخططين لها والمشاركين فيها بالمال والسلاح والأفراد، ولا يجوز لهذه الجرائم أن تسقط بالتقادم، أو أن يتم العفو عنها بالتسويات.
هي جرائم موصوفة وموثقة، ومعظمها بالصوت والصورة، خصوصاً تلك الجرائم التي ارتكبتها الجماعات الإرهابية ضد البشر والحجر والحضارة والمقدسات والسلب والنهب والسبي.
بين الدعوة لمعاقبة القتلة والمجرمين وسوقهم إلى المحكمة الجنائية الدولية لنيل عقابهم، وما يجري على أرض الواقع، شيء آخر مع الأسف، لأن القوي هو الذي يفرض قانونه وليس الحق والعدالة.. ويبقى الأبرياء وحدهم وقود الحروب وضحايا الأقوياء.