الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مسرحية حزب الله الإيرانية الرديئة!

مسرحية حزب الله الإيرانية الرديئة!

04.09.2019
علي حسين باكير


سوريا تي في
الثلاثاء 3/9/2019
في بداية العام ٢٠٠٦، أنهت طهران تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وكان المجتمع الدولي قد قرر أن يزيد من الضغط عليها وأن يحيل ملفّها لاحقاً إلى مجلس الأمن في ظل أجواء تشير إلى أنّ هناك إجماعاً بين القوى الكبرى في المجلس على فرض عقوبات ضدّها –وهو الأمر الذي تمّ بالفعل في نهاية ذلك العام-. وكما هي العادة في حالات من هذا النوع، تلجأ طهران إلى أذرعها الإقليمية لكي تخفف من الضغط عنها وتفتح الباب أمام التفاوض، المساومة، الابتزاز، التهديد...الخ، وفي جميع الأحوال لتبعد شبح الحرب عنها.
في هذا السياق، أوعزت طهران آنذاك إلى حزب الله أن يفتح معركة مع إسرائيل، فبعد أن كان أمين عام الحزب حسن نصر الله قد وعد اللبنانيين في خطاب له بصيف هادئ وسوّق كذباً بأنّ قدرات الحزب العسكرية خلقت معادلة ردع جديدة لإسرائيل وأنّ هذه المعادلة هي التي تمنع تل أبيب من استهداف لبنان، فوجئ اللبنانيون بقيام حزبه باختطاف جنود إسرائيليين دون سابق إنذار، وباندلاع حرب مدمّرة ضدّ لبنان.
نصر الله وبسبب شعور حزبه بفائض من القوة -مقارنة بباقي اللبنانيين- وعدم اضطراره إلى إخفاء تقيّته، أصرّ على تأكيد أنّه مجرّد جندي في جيش الولي الفقيه
كانت هذه هي المرّة الأولى التي يضطر فيها حزب الله –بشكل فج- إلى كشف ولائه الحقيقي للنظام الإيراني حيث تتقدّم أولويات ومصالح إيران على أولويات ومصالح الدولة اللبنانية واللبنانيين. وبالرغم من ذلك، كان لا يزال هناك من يشكك في هذه الأمور، إلاّ أنّ نصرالله وبسبب شعور حزبه بفائض من القوة -مقارنة بباقي اللبنانيين- وعدم اضطراره إلى إخفاء تقيّته، أصرّ على تأكيد أنّه مجرّد جندي في جيش الولي الفقيه –على حد قوله-.
أدت نتائج الحرب إلى إقفال حدود لبنان أمام اللعبة الإيرانية التي يقودها حزب الله. ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن، أي بعد مضي ١٣ عاماً ما تزال هذه الجبهة مع إسرائيل هادئة تماماً بالرغم من قيام تل أبيب بتوجيه مئات الضربات لحزب الله وإيران في الأعوام الأخيرة، وتدمير عدد لا يحصى من شحنات الأسلحة والصواريخ واغتيال عدد لا يستهان به من قادة الحزب العسكريين من الصف الأول والثاني.
يأتي على رأس هؤلاء الذين اغتالتهم إسرائيل منذ العام ٢٠٠٦ وحتى اليوم المسؤول الأوّل والأقدم في العمليات العسكرية في الحزب عماد مغنيّة، ولاحقاً ابنه جهاد مغنية مع سبعة آخرين بينهم قائد القوات الخاصة أو كتائب الرضوان، وأسماء أخرى من بينها سمير القنطار وعلي فيّاض ومصطفى بدر الدين المتّهم بالمشاركة في اغتيال الحريري وحسن الحاج وحسّان اللقيس الذي قُتل أمام منزله في لبنان، فإنّ حزب الله لم يرد على هذه العمليات الإسرائيلية.
طوال تلك المدّة، وبالرغم من التهديد والوعيد وإعطاء الوعود للجماهير بالرد، لم يرد حزب الله على أي من هذه العمليات الإسرائيلية. وبخلاف ذلك، هناك من يريد أن يقنعنا أنّ الحزب قرّر من تلقاء نفسه فجأة أن يرد على اغتيال إسرائيل لعنصرين عاديين من عناصره في سوريا مؤخراً بالإضافة إلى ما قيل عن تحليق طائرتين مسيّرتين في سماء بيروت -إحداهما جرى إسقاطها عبر رميها بالحجارة وفق الرواية اللبنانيّة!- بعملية عسكرية ضد إسرائيل بحجّة خرق إسرائيل للخطوط الحمراء وذلك بعد تسخين إعلامي وكلامي غير مسبوق من قبل الأمين العام.
بيد أنّ تفسير هذا التغيير الذي جرى في سلوك حزب الله خلال الأسبوع الماضي لا يرتبط حقيقية بما يحب البعض أن يسمّيه "تغيير قواعد الاشتباك"، فإسرائيل تستبيح حزب الله بشكل احترافي كلّما استدعاها الأمر لذلك دون أن يشير أي منهما إلى وجود "قواعد إشتباك" أو خرق لهذه القواعد. علاوةً على ذلك، فإنّ الحزب يعلم تماماً أنّه ما كان باستطاعته أن يدفع بجلّ قواته إلى الساحة السورية للدفاع عن نظام الأسد لو أرادت إسرائيل مهاجمة ظهره المكشوف في لبنان منذ العام ٢٠١١.
امتناع حزب الله عن الرد على إسرائيل طوال تلك المدّة لم يكن مراعاةً لوضع لبنان أو خوفاً عليه بالدرجة الأولى
ومن نافلة القول أنّ امتناع حزب الله عن الرد على إسرائيل طوال تلك المدّة لم يكن مراعاةً لوضع لبنان أو خوفاً عليه بالدرجة الأولى، بدليل أنّ وضع لبنان الآن هو أسوأ ممّا كان عليه سابقاً، فإنّ كان الحزب قد امتنع عن الرد خوفاً على البلد، فالأجدر أن تكون الحاجة إلى ذلك اليوم أكبر من أي وقت مضى، وهو ما يطرح بدوره السؤال التالي عن الوضع الحالي: ما العنصر الذي صنع الفرق؟ باختصار شديد، إيران.
خلال السنوات الماضية، كانت إيران منخرطة في مفاوضات سرية مع الإدارة الأمريكية، تلاها غضّ إدارة أوباما الطرف عن التوسع الإقليمي غير المسبوق لطهران في المنطقة منذ عهد الإمبراطورية الصفوية، وأخيراً التوصل للاتفاق النووي معها. بمعنى آخر، فقد كانت إيران تحصل على ما تريد، ولذلك لم يكن يهم عدد أو نوع الضربات التي يتلقاها حزب الله أو قادته من قبل إسرائيل طالما أنّ طهران تحصل على ما يؤمّن مصالحها من الإدارة الأمريكية في المنطقة. أمّا اليوم، فقد اختلف الأمر، وتعاني إيران من ضغط شديد بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات اقتصادية عليها.
ولأنّ إسرائيل كانت قد قامت مؤخراً بأوسع عملية استهداف لمصالح إيران -من الناحية الجغرافية- وصولاً حتى العراق وذلك مروراً بسوريا ولبنان، فقد شعرت طهران أنّها مضطرة إلى الرد تحت وطأة خسارة أذرعها الإقليمية لقيمتها التهديدية في حسابات أعدائها. لكن هذا الوضع شكّل معضلة لإيران على اعتبار أنّ استخدام هذه الأذرع مقيّد في هذه الظروف وليس كما كان عليه الأمر في العام ٢٠٠٦ وذلك لأسباب كثيرة سبق وشرحناها في مقال في شهر مايو/أيار الماضي تحت عنوان "هل تستطيع إيران استخدام أذرعها هذه المرّة؟"
أمام هذا الواقع، كان أمام إيران حلّان، إمّا أن تصمت مجدداً مع ما يعنيه التصاعد في الضربات الإسرائيلية لمصالحها الإقليمية من تقويض لقدراتها وهيبتها ودورها، وإمّا الرد -شكلياً- من خلال حزب الله -باعتباره أقوى أذرعها الإقليمية وأقربها من الناحية الجغرافية على إسرائيل- بشكل يحفظ له ولإيران ماء الوجه ويوحي للجماهير بأنّ الحزب استعاد هيبته وقدرته، ويرسل رسالة سياسية أيضاً إلى إسرائيل بأنّ طهران لا تريد الحرب. وهذا ما حصل بالفعل يوم الأحد الماضي.
الظهور الإعلامي المكثّف للأمين العام قبل يوم الأحد كان يهدف إلى إيصال هذه الرسالة بالتحديد إلى إسرائيل، وعليه فإنّ ردّه لم يكن على مقتل عنصرين من عناصره ولا على طائرات من دون طيار -تم إسقاطها بالحجارة وفقاً للرواية المناصرة له-، وإنما بالنيابة عن إيران. وما جرى لاحقاً هو بمثابة مسرحيّة ضمنت للطرفين إيصال رسائل إلى الجهات المعنيّة مع بقاء المعادلة كما هي لصالح تل أبيب. إسرائيل قصفت داخل لبنان قبل وبعد العملية -١٠٠ قذيفة وغارات جويّة وإجراءات أخرى-، وستبقى تفعل ذلك بحجّة استخدام إيران للحزب، وحزب الله أوهم قاعدته والمتعاطفين معه داخل لبنان وخارجه بأنّه قادر على أن يفرض إرادته على إسرائيل.
في ٢٨ أغسطس، قامت إسرائيل -باعتراف مواقع إعلامية محسوبة على حزب الله- بإفراغ ثكنة 'افيفيم' وأماكن أخرى، واستخدمت دمى في عربات مدرعة تقوم بدوريات على الحدود. وبعدها بعدّة أيام، قام حزب الله بتنفيذ ضربته الوهمية معلناً أنّه استطاع من خلالها تدمير عربة وقتل وجرح عناصر فيها. ما لبث أن تبيّن فيما بعد أنّ هذه الضربة تمّ تنفيذها –ويا لها من مصادفة- على طريق ثكنة 'افيفيم' -التي تمّ إفراغها مسبقاً-، وقد كشفت إسرائيل أنّه لم يسقط لها أي جنود -لا جرحى ولا قتلى-، وأنّ ما جرى هو أنّه قد تمّ إيهام حزب الله بذلك من خلال استخدام دمى وتنفيذ عملية إجلاء مصابين وهميّة لإقناع الحزب بأنّه نفّذ ما يريد!