الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مسرحية انتخابات “الأسد” الباهتة.. دلالاتها وتداعياتها

مسرحية انتخابات “الأسد” الباهتة.. دلالاتها وتداعياتها

30.05.2021
هيومن فويس


هيومن فويس 
السبت 29/5/2021 
– انتخابات الأسد مسرحية باهتة فاشلة، هدفها تجميل وجه نظام قتل وشرد الملايين، وإظهاره بمظهر المستقر المستعد للاندماج بالنظام الدولي مجدداً 
– وزير خارجية النظام فيصل المقداد قال إن الانتخابات التي يجريها نظامه “أفضل آلاف المرات من الانتخابات الأمريكية”! 
– بدل الدعاية لنفسيهما، والترويج لبرنامجهما الانتخابي، قام المرشحان الآخران، محمود أحمد المرعي وسلوم عبد الله، بإجراء لقاءات تلفزيونية كرساها لمديح منافسهما بشار الأسد ونظامه 
– تداول سوريون فيديوهات مسرّبة من مركز اقتراع، يظهر فيها مسؤول الصندوق وهو يملأ الاستمارة عن الناخب، ويضعها بالصندوق عنه، فيما تظهر علامات الرعب واضحة في وجوه المواطنين 
– بالنسبة إلى الأسد، تشكل الانتخابات حالة مصيرية، لأن نظامه قائم على فكرة الأبدية، ويعتبر أن البلاد مزرعة له، والانتخابات على ضحالتها، تشكل الوسيلة المناسبة لتكريس ذلك 
تشهد سوريا صراعا انتخابيا عنيفا، فريدا من نوعه وشكله، ليس بين المرشحين للرئاسة، ولا حول السباق الانتخابي. بل يحتدم وطيسه بين النظام وداعميه من جهة، والمعارضة السورية وخلفها المجتمع الدولي الرافض لهذه الانتخابات من جهة أخرى. 
ويتمحور الصراع حول شرعية هذه الانتخابات سياسيا وأخلاقيا، وتأثيرها على ديمومة النظام. 
وبينما يصر نظام الأسد على إجراء انتخابات رئاسية شكلية تعيد تدوير بشار الأسد رئيسا للنظام لمدة 7 سنوات مقبلة، ويعتبر مجرد حصولها دليلا على شرعيته، تبذل المعارضة جهودا مضنية لإقناع الرأي العام بأن هذه الانتخابات مجرد “مسرحية سمجة فاشلة” لا قيمة لها، ولن تسهم في إعادة الشرعية لنظام فقد مبررات وجوده أساسا. 
لم يكلف نظام الأسد نفسه عناء القيام بالدعاية الانتخابية، إذ لم تسبق الانتخابات التي جرت في مناطق سيطرته حملات انتخابية، أو منافسة بين المرشحين لكسب أصوات المواطنين. ولم يقم حتى بانتظار الإجراءات الشكلية المتعارف عليها في الانتخابات، بل ذهب مباشرة إلى فرض أجواء احتفالية، من خلال الخيم الانتخابية التي نظمتها الأفرع الأمنية لتطغى على المشهد، وسط غياب كامل للمرشحين الآخرين. 
وزير خارجية النظام فيصل المقداد أعلن، في تحد صارخ للأمم المتحدة والمجتمع الدولي الذي رفض هذه الانتخابات الهزلية، ضاربا عرض الحائط بجميع القيم الديمقراطية والإنسانية، أن الانتخابات التي يجريها نظامه “أفضل آلاف المرات من الانتخابات الأمريكية”! 
** ظاهرة مديح المرشح المنافس والترويج له 
بدل الدعاية لنفسيهما، والترويج لبرنامجهما الانتخابي، قام المرشحان الآخران، محمود أحمد المرعي وسلوم عبد الله، بإجراء لقاءات تلفزيونية مع قنوات مقربة من النظام، كرساها لمديح منافسهما (!) بشار الأسد ونظامه. 
وبحسب “الأناضول”، التي رصدت حسابات المرشحين على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن سلوم عبد الله الذي لم يسمع باسمه غالبية السوريين، يتابعه على تطبيق “إنستغرام” 33 شخصا معظمهم من أفراد عائلته، فيما يتابعه على “فيسبوك” 300 شخص فقط. 
أما أحمد المرعي، فإن الصفحة التي أطلقها على “فيسبوك” لدعم حملته الانتخابية تحظى بمتابعة 100 شخص، فيما يتابعه على صفحته الشخصية في الموقع ذاته نحو 3 آلاف. 
وهذا دليل آخر على أن انتخابات الأسد ليست سوى مسرحية باهتة فاشلة، هدفها تجميل وجه نظام قتل وشرد الملايين من مواطنيه، وإظهاره بمظهر المستقر المستعد للاندماج بالنظام الدولي مجدداً. 
** انتخابات صورية هزلية 
غالبية السوريين يعترضون على تسمية ما يقوم به نظام الأسد بـ “انتخابات”، باعتبار أن ما كان يجري زمن حافظ الأسد استفتاء وليس انتخابات، إذ لم يكن هناك مرشح سواه، وعلى المواطن أن يقول نعم أو لا! 
أسس الأسد الأب نظاما تبوأ من خلاله منزلة قدسية فوق بشرية، وهو نظام يستكثر على الشعب السوري إظهار مرشح يظهر بمظهر الند ولو بشكل صوري. 
ورث بشار الحكم عن والده في العام 2000، وورث معه تلك الهالة القدسية التي فرضها أبوه على نظام الحكم في سوريا. لكن الأسد الابن اضطر للتخفيف منها، تماشيا مع الصورة التي تم تسويقه من خلالها، صورة الرئيس الدكتور المدني العصري المنفتح على الآخرين. 
وتم تعديل نتائج الانتخابات بناء على ذلك، فقد أعلن أن نتيجة الانتخابات بمناطق النظام عام 2014 بلغت نسبة 88,7 بالمئة، عوضا عن نسب 99,9 بالمئة التي كان يسجلها أبوه. 
الانتخابات الأخيرة (26 مايو/ أيار 2021) أجريت في مناطق سيطرة النظام، على الرغم من غياب أكثر من نصف المواطنين الذين حولهم النظام إلى نازحين ولاجئين. وبحسب أرقام الأمم المتحدة. فإن نحو 6.6 ملايين سوري أصبحوا لاجئين منذ عام 2011، فيما نزح 6 ملايين وأكثر من 700 ألف سوري، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) . 
وقد تداول السوريون فيديوهات مسرّبة من مركز اقتراع، يظهر فيها مسؤول الصندوق وهو يملأ الاستمارة عن الناخب، ويضعها بالصندوق عنه، فيما تظهر علامات الرعب واضحة في وجوه المواطنين. 
** مقاطعة داخلية للانتخابات 
شهدت المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، تظاهرات حاشدة رافضة لمسرحية الانتخابات، بدأت من درعا، حيث تجمّع العشرات في ساحة المسجد العمري الذي انطلقت منه شرارة الثورة السورية في مارس/ آذار 2011، رافعين شعار “لا مستقبل للسوريين مع القاتل”. 
ثمة شبه إجماع لدى السوريين، بمختلف شرائحهم وانتماءاتهم، بمن فيهم مؤيدو نظام الأسد، على أن انتخابات النظام، كانت على الدوام، مسرحية هزيلة سيئة الإعداد والإخراج، حتى أصبحت مادة للتندر والسخرية. 
** سوريو المهجر ينددون بانتخابات الأسد الصورية 
اعتبرت الجاليات السورية في المهجر، كما غالبية السوريين، أن الانتخابات الصورية التي يجريها النظام، تسيء إلى سوريا وتاريخها وشعبها الذي ضحى بالغالي والنفيس من أجل حريته وكرامته. 
وأكدت أن الانتخابات الحقيقية لا بد أن تتم بعد اعتماد دستور جديد يضمن حرية المواطن، وحقه في الاختيار الحر النزيه. 
واعتبر المجلس السوريّ البريطانيّ أن إجراء أي انتخابات خارج إطار قرار مجلس الأمن 2254 هي انتخابات غير شرعية ولا مصداقية لها، خصوصاً مع ترشّح رأس النظام، بشار الأسد، المُدان بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في سوريا. 
** رفض دولي لانتخابات الأسد 
وشكك وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، في بيان مشترك، بنزاهة الانتخابات الرئاسية الأخيرة في سوريا. 
وكذلك فعلت هيئة الشؤون العالمية بكندا، إذ استنكرت إجراء النظام لهذه الانتخابات، وسط انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي. 
من جانبه، أكد وزير الخارجية التركي تشاووش أوغلو، أن “أي انتخابات في سوريا يجب أن تكون بموجب المسار السياسي كي تتسم بالشرعية”. 
أما الأمم المتحدة، فأعلنت أنها غير منخرطة في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في سوريا، مؤكدة أهمية التوصل إلى حل سياسي وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2254. 
** هل تعزز الانتخابات شرعية الأسد؟ 
بالنسبة إلى الأسد، تشكل الانتخابات حالة مصيرية، لأن نظامه قائم على فكرة الأبدية، ويعتبر أن البلاد مزرعة له، والانتخابات على ضحالتها، تشكل الوسيلة المناسبة لتكريس ذلك. 
وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن الانتخابات ليست ضرورة قصوى تقتصر على النظام وحده، بل إن الروس والإيرانيين يبدون أكثر إصرارا على إجرائها، فأي حل أو مسار آخر غير الانتخابات سيشكل مشكلة إضافية جديدة لهم، فيما هم عاجزون عن تقديم أي حل أو حتى رؤية لحل للأزمة السورية، سوى اللعب ببطاقة استمرار الأسد في الحكم، على الرغم من كل شيء. 
** خلاصة 
شكل اختيار بشار الأسد مدينة دوما، للإدلاء بصوته، استفزازاً صارخاً لمشاعر ملايين السوريين، وتحدياً واضحاً للمجتمع الدولي، الذي أعلن عدم اعترافه بتلك الانتخابات. 
رمزية مدينة دوما، كبرى مدن الغوطة الشرقية للعاصمة السورية دمشق، التي استرد نظامه السيطرة عليها عام 2018، بعد ارتكاب مجزرة الغازات الكيماوية السامة، ما اضطر قوات المعارضة السورية لتسليمها، دلالة أخرى بأنه ونظامه لا يولي أي اهتمام لتصريحات وأقوال غير مدعمة بالقرارات الحازمة والأفعال. 
المصدر: الأناضول