الرئيسة \  مشاركات  \  مزايدة في الشعارات .. مناقَصة في القيَم

مزايدة في الشعارات .. مناقَصة في القيَم

29.11.2018
عبدالله عيسى السلامة




الاعتدال مطلوب ، في الأمور، كلّها ، وفي مقدّمتها: الحديث عن القيَم العليا، والمُثل السامية ، والأخلاق النبيلة !
وقد دلّت تجارب البشر، على أن المغالاة ، في الحديث ، عن خلق سام ، أوقيمة عليا .. بسبب ، وبلا سبب ، وراءها سرّ ما ، يتعلّق بشخص المتحدّث !
وممّا دلّت عليه التجارب :
أن مغالاة شخص ما ، في الحديث ، عن الأمانة ، وراءها نقص ، في الأمانة ، لدى المُغالي ! قد يكون نقصاً شديداً ، أوانعداماً تامّاً، في الأمانة ! فقد يكون المُغالي : لصّاً ، أو محتالاً ، يسعى إلى خداع الناس ، ليأمنوه ، فيسرقهم .. أو يسعى ، إلى الظهور، بمظهر الأمين ، لتحقييق مصلحة ما : اجتماعية ، أو اقتصادية ، أو سياسية .. أونحو ذلك !
كما دلّت التجارب ، على أن أكثرالمغالين ، في الحديث عن الشرف ، هم قليلو الشرف ، أو عديموه ، من رجال ونساء !
ودلّت التجارب ، على أن المُرتشين، هم أكثر الناس ، حديثاً، عن العفّة والنزاهة، ونظافة اليد.. وأن الكذابين ، هم أكثر الناس ، مغالاة ، في تمجيد الصدق !
فالقيم العليا ، من : صدق ، وأمانة ، وعفّة ، ونزاهة .. لاتحتاج ، إلى مغالاة ، لدى مّن يتّصفون بها ، بشكل حقيقي ، دائم ، وصادق !
لقد حكم الرفاق البعثيون ، سورية ، أكثر من نصف قرن ! وفي السنوات الأولى من حكمهم - بعد أن كثُر المنتسبون إلى الحزب : ارتزاقاً ونفاقاً - ، نُحّيَ أصحاب المبادئ الحقيقيون ، الصادقون في تمسّكهم بالمبادئ ، برغم ما فيها ، من زيغ وضلال ، وهيمن المرتزقة ، والنفعيون والانتهازيون ، على سائر المفاصل، في الحزب والدولة ، من أعلاها إلى أدناها .. فظهر التناقض العجيب ، بين الشعارات ، التي يرفعها هؤلاء ، وبين تطبيقها ، على الأرض !
وأبرز ماظهر، من عجائب الرفاق ، هو القاعدة الذهبية ، التي التزمَ الجميع ، بالسير عليها ، ولو لم تكن مكتوبة : ارفع الشعار، واعمل بعكسه ! فرفعُ الشعار، يطمئن الرفاق ، على انتماء الفرد، ولو نفاقاً ! أمّا السعي، إلى تطبيقه ، فيخيفهم ؛ لأنه يشكّل خطراً عليهم ، لذا ؛ يَسقط صاحبه ، سريعاً !
رفعوا شعار: الوحدة والحرّية والاشتراكية ، فدمّروا وحدة سورية ، ذاتها ، وسحقوا الحرّية ، بشكل مخيف ، ونهبوا مال الشعب ، باسم الاشتراكية ؛ فاغتنى كبارهم ، وغرق الشعب ، في بئر الجوع والحرمان !
وهكذا شعار: الأمّة العربية الواحدة ، ذات الرسالة الخالدة ، دمّرالأمّة، ومزّقها، وحارب دينها ، الذي هو أسمى رسالة لها ! ولم يُبق لها ، عند الرفاق ، رسالة، حقيقية نبيلة ، جادّة ، تسعى إلى تحقيقها !
ولو اتّسع المجال ، لعرضنا نماذج كثيرة ، وبديعة ، من تناقضات هؤلاء الرفاق ، ومن تناقضات غيرهم، ممّن يعيشون في بلادنا ! والتعميمُ ، غير وارد؛ فالحديث، هنا ، هو: عن نماذج بشرية ، بل ، عن أنماط معيّنة ، من البشر.. ولا يشمل الشرائح البشرية ، كلّها !