الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مذكّرات جون بولتون

مذكّرات جون بولتون

29.06.2020
عادل عبد الله المطيري



العربي الجديد
الاحد 28/6/2020
كل الأديان والقوانين تنبذ نقل ما جرى في المجالس الخاصة إلى العلن دون موافقة الأطراف المعنية، التي قد لا تريد الإفصاح علناً عن مواقفها، ولكن الأكثر مأساوية ليس نشر ما قيل في السرّ، ولكن التلاعب به وقطع أجزاء منه، وأحياناً التكتّم على خلفيات الحوار المسرّب، والتي ربما تقلب مضامينه رأساً على عقب.
لنبدأ من كتاب جون بولتون مستشار الأمن القومي السابق للرئيس الأميركي الحالي ترمب، الذي لم يستمر أكثر من عام ونصف في منصبه "2018-2019"، بعد أن أقاله الرئيس بسبب اختلافه مع آرائه!
ومنها موقفه المتشدّد عقب الهجمات المتفرقة على 4 سفن نقل في مياه الخليج العربي وخليج عُمان، وما تلاها من إسقاط إيران طائرة تجسّس أميركية من دون طيّار، من طراز "آر كيو-4 جلوبال هوك"، والتي تُعدّ من أحدث وأهم الطائرات الأميركية من هذا النوع.
كان الرئيس ترمب آنذاك في موقف محرج، فإمّا أن تكون ردة فعله بقدر تصريحاته النارية ضد إيران، أو أن يتراجع بصورة ستظهره ضعيفاً أمام الإيرانيين، وحتى أمام بعض حلفائه الخليجيين، واختار ترمب التراجع وغلّفه بحجج إنسانية!
بالتأكيد لم يعجب بولتون المصنّف من صقور الإدارة هذا التصرّف، وكذلك اختلف مع رئيسه بشدة حول سياساته تجاه "طالبان" وفنزويلا، وأيضاً لم تعجبه علاقة ترمب مع الصين وكوريا الشمالية، وفي النهاية أُقيل -أو بحسب زعمه طلب الاستقالة- فالنتيجة واحدة، وهي خروجه غاضباً من ترمب، ويبدو أن العداء أصبح شخصياً فيما بعد، والدليل توقيت نشر كتابه "الغرفة التي شهدت الأحداث" قُبيل الانتخابات بعدة أشهر. يعتقد البعض أن الحديث عن أسرارأمنية وسياسات خارجية حسّاسة لرئيس ما زال يمارس عمله هو خيانة وطنية، فقد جرت العادة أن يكتب المسؤولون المهمون عن أمور عاصروها بعد انتهاء ولاية المسؤول، سواء كان رئيساً أو وزيراً أو مسؤولاً استخبارياً كبيراً، وليس قبل ذلك.
الحدث الآخر، والذي هو أكثر مأساوية وظلامية من كتاب بولتون، هو التسريبات الأخيرة لما سمّي بـ "خيمة القذافي"، والتي من المفترض أنها اجتماعات خاصة، يقال فيها أمور قد تكون غير مقصودة أو من باب المجاملة أو الاسترسال، أو حتى عدم الدخول في خلاف مع رجل معروف بجنونه، وعدم مقدرة الزعماء العرب أنفسهم على احتوائه. وهنا، أنا لا أبرّر لأحد، ولكن بالوقت نفسه، لا أعطي أهمية حقيقية لعبارات المجاملة لمضيف معتوه وأحولها إلى قضية حقيقية.
وكذلك هي الاتصالات المسرّبة بين الحين والآخر، والتي يتعمد إخراجها عن سياقها وخلفياتها المختلفة، والتي قد تكون تحت أدوار الوساطة أو لجرّ الخصم -القذافي- ومعرفة نواياه.
ختاماً: هناك من لا يعلم أن القذافي في أواخر أيامه بعث بحقيبة مليئة بالأشرطة المسجلة إلى العراقي المقيم بين لندن ودمشق مشعان الجبوري صاحب قناة الرأي العراقية لينشرها في قناته، وقد اعترف الجبوري ببعض الحقيقة في لقاء إعلامي، إذ قال إنه تلقى أموالاً من القذافي عام 2011م، من أجل بثّ رسائله الإعلامية الداعمة للمقاومة ضد الاستعمار، ويقصد ضد "الثورة الشعبية" أيام الربيع العربي.
ولكن المعلومة التي أخفاها الجبوري، أن الاستخبارات السورية علمت بالحقيبة القذافية، وطلبت مقايضتها مع الجبوري مقابل بعض المال، وبالفعل تمّ ذلك، وأصبحت أسرار القذافي في يد البعث السوري ينشر بالتنسيق مع بعض الأنظمة العربية ما يروق له ولهم فقط، وبالتأكيد لن ولم تظهر أشرطة لقيادات عربية أخرى اجتمعت مع القذافي!
يعتقد البعض أن بعض الدول التي تدفع باتجاه عودة الديكتاتور بشار إلى الجامعة العربية وإعادة العلاقات الدبلوماسية معه، هي ربما واقعة تحت ابتزاز هذا النوع من الأشرطة.
الخلاصة: التسجيلات حديث خاص له عدة معانٍ بحسب الظرف والهدف، سجلها "معتوه" هو القذافي ونشرها "مجرم" هو بشار الأسد، وتبنّاها بعض المغفّلين!
التسريبات أسلوب رخيص جداً، ولا تتماشى مع أصول العمل الدبلوماسي.
أخلاقيا ودينياً وقانونياً، لا يمكن تبرير نشر ما دار في المجالس الخاصة، أو ما يجري من حديث بشؤون العمل بين مسؤولين رفيعي المستوى.