الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مذكرة هولندية ضد النظام السوري وتلويح بنقل جرائمه بحق الإنسان إلى المحاكم الدولية 

مذكرة هولندية ضد النظام السوري وتلويح بنقل جرائمه بحق الإنسان إلى المحاكم الدولية 

05.10.2020
حسام محمد



القدس العربي 
الاحد 4/10/2020 
في تحرك حقوقي دولي هو الأول من نوعه تجاه القضية السورية، قدمت هولندا بعد 9 سنوات من عمر الثورة السورية مذكرة للنظام السوري، تدعوه من خلالها لأداء مسؤولياته الدولية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان وخرقه للاتفاقية الدولية المناهضة للتعذيب والصادرة في عام 1984 مثل عمليات التعذيب التي نفذها بحق السوريين واستخدام الأسلحة الكيميائية، وتعويض الضحايا عن الأضرار التي ألحقها بهم. 
وأفاد بيان صادر عن مجلس النواب الهولندي، أنه تم تقديم مذكرة إلى البعثة السورية لدى الأمم المتحدة، تدعو فيها النظام إلى محادثات حول انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها في البلاد، وأكد البيان أن النظام السوري خرق اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب لعام 1984 من خلال انتهاكات حقوق الإنسان ضد مواطنيه منذ العام 2011. 
كما طُلب من النظام السوري، وفق وكالة “الأناضول” إعطاء ضمانات لهولندا إزاء وقف عمليات التعذيب وباقي انتهاكات حقوق الإنسان، وعدم تكرارها. وفي تعليقه على الرسالة، قال وزير الخارجية الهولندي ستيف بلوك، إن نظام الأسد مسؤول عن انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا. 
النائب الهولندي، اعتبر كذلك أن التوصل إلى حل سياسي دائم في سوريا يقتضي محاسبة المسؤولين عن تلك الانتهاكات، بموجب القوانين الدولية، ملوحا بنقل ملف انتهاكات النظام السوري لحقوق الإنسان إلى المحاكم الدولية. 
الأسد يرفض 
النظام السوري، من جانبه اعتبر أن الدعوى الهولندية ضده في محكمة لاهاي هي “انتهاك فاضح لتعهداتها والتزاماتها كدولة المقر لهذه المنظمة الدولية ونظامها” كما ذكرت خارجية الأسد: “من جديد تصر الحكومة الهولندية، التي ارتضت لنفسها دور التابع الذليل للولايات المتحدة الأمريكية، على استخدام محكمة العدل الدولية في لاهاي لخدمة أجندات سيدها الأمريكي السياسية واستعمالها منصة للقفز فوق الأمم المتحدة والقانون الدولي”. 
ونقلت وكالة “سانا” عن مصدر في خارجية النظام السوري، قوله إن “الحكومة الهولندية هي آخر من يحق لها الحديث عن حقوق الإنسان وحماية المدنيين، بعد فضيحتها الكبرى أمام الرأي العام الهولندي ودافعي الضرائب من شعبها نتيجة قيامها بدعم وتمويل تنظيمات مسلحة في سوريا تصنفها النيابة العامة الهولندية كتنظيمات إرهابية”. 
رفض الأسد ونظامه للتحرك الحقوقي الهولندي، جاء في الأوقات التي كانت تمنع فيها حكومته المواطنين السوريين العالقين على الحدود مع لبنان، من دخول بلادهم إلا بشرط تصريف 100 دولار أمريكي، وهذا ما علق عليه هادي البحرة، الذي يشغل حاليًا منصب الرئيس المشترك للجنة الدستورية السورية بالقول عبر حسابه في مواقع التواصل الاجتماعي: “الدولة التي ترفض عودة مواطنيها إلى وطنهم، إلا إذا دفعوا لها 100 دولار أمريكي، لا يمكن أن تمثلهم أو أن تكون أداة ممارسة الشعب لسيادته على وطنه. بل تصبح مغتصبة لهذه السيادة، ولحقوق مواطني الدولة”. 
الائتلاف المعارض يرحب 
من جانبه، أكد الائتلاف الوطني السوري أهمية الخطوة التي اتخذتها الحكومة الهولندية في العمل على محاسبة المسؤولين عن التعذيب في سوريا، مشيراً إلى “استعداده الكامل للتعاون وفق ما يسمح به القانون، وبما يضمن إيصال هذا الملف إلى محكمة العدل الدولية بأسرع وقت ممكن وإنزال العقوبات بالمسؤولين عن الجرائم في سوريا، والعمل في الوقت نفسه على ضمان وقف ارتكاب المزيد من الانتهاكات وأعمال القتل والتعذيب في سوريا”. 
واعتبر الائتلاف وهو أقوى جسم سياسي معارض، أن الحكومة الهولندية، تدير الملف وفق المعايير الدولية انطلاقاً من بنود اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب والتي صادقت عليها سوريا عام 2004. 
تحرك مهم لكن لا يكفي 
مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، قال لـ “القدس العربي” إن “الخطوة الهولندية نحو تحقيق العدالة في سوريا، ومساءلة النظام السوري والتزامه باتفاقية مناهضة التعذيب، هي خطوة تأخرت تسع سنوات، لكنها ذات تأثير قوي، وكان من الممكن اتخاذ هذا الإجراء منذ عام 2011 من قبل هولندا وبقية الدول، لكن هولندا هي الوحيدة التي فعلت ذلك”. 
وأشار المصدر الحقوقي، إلى أن هذا الإجراء من قبل هولندا، وأن هذه الآلية تسمح باللجوء إلى محكمة العدل الدولية، باعتبار أن هولندا هي من قدمت الشكوى ضد النظام السوري لعدم التزامه بالاتفاقيات الدولية، وهذا يصيب النظام السوري بالعار والمزيد من العزلة والإذلال للأسد. 
تقارير اللجان الأممية مهمة للغاية وفق ما تحدث به لـ “القدس العربي” معللا ذلك، بأن هذه التقارير توثق ما يحدث في سوريا من انتهاكات، وتؤكد في ذات الوقت استمرار الجرائم في البلاد من قبل النظام، وتقارير المحققين الدوليين مهمة، ولكن لا يتم البناء والتحضير للخطوة التالية للحراك الأممي، وهذا ما لا يتم بشكل كافي حتى الساعة، وهنا المقصود محاسبة النظام السوري على جرائمه وعزله دوليا، ومحاسبة الأطراف والدول الداعمة له. فهدف التقارير الأممية هو الانتقال للخطوة التنفيذية من فرض عقوبات أممية وهذا لا يتم بسبب وجود الداعم الروسي الذي يعيق ذلك في مجلس الأمن الدولي وهو المسؤول عن العقوبات. 
كما نوه إلى أن محاسبة مرتكب الجرائم والانتهاكات في سوريا ليست من مسؤولية الشعب السوري فقط، ولا مجلس الأمن فحسب، إنما يفترض أن تكون هناك تحالفات دولية، وحراك أكبر لوضع حد لهذه الجرائم بشكل حقيقي، والوضع الحالي لا يشير إلى وجود أي آمال بردع النظام السوري ولا إطلاق سراح المعتقلين. 
تأثير دولي 
 الباحث في مركز الحوار السوري محمد سالم، قال من جانبه: “من الطبيعي أن يؤثر السياق السياسي على سير الدعاوى الحقوقية على المستوى الدولي، فنحن بالتأكيد لا نعيش في عالم مثالي فيه سيادة حقيقية للقانون الدولي، بل يخدم القانون الدولي كأداة لمحصلة الإرادات الدولية، وبالتالي، من الطبيعي أن تكون بصمات الدول الأكثر نفوذاً كالولايات المتحدة مؤثرة في هذا السياق، وقانون قيصر نفسه الذي تبنته الولايات المتحدة، يستند بطبيعة الحال قانونياً على مسألة ضحايا النظام السوري في السجون”. 
وأضاف في تصريحات أدلى بها لـ “القدس العربي” “لكن قانون قيصر في الحقيقة له دوافع ومحركات ضمنية سياسية متعددة، من ضمنها تشديد الخناق على إيران، وأنصارها، بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، وذات الأمر ينطبق على الدعاوى ضد نظام الأسد، فالمناخ السياسي الدولي ملائم لمثل هذه الدعاوى، والنظام السوري الآن يخضع لضغوط كبيرة متسقة مع قانون قيصر والضغوط القصوى على إيران”. 
التحرك الهولندي، شهد ترحيبا كذلك من 42 منظمة من منظمات المجتمع المدني في سوريا، وأشارت المنظمات في بيان لها إلى ضرورة دعم الدول لهذه الخطوة واتخاذ خطوات مشابهة. 
ومن شهادة المدير العام للمركز السوري للإعلام والحرية، المحامي مازن درويش أمام المحكمة الإقليمية في كوبلنز الألمانية، لتسليط الضوء على التطور السياسي في سوريا وطريقة تعامل السلطة والأجهزة الأمنية مع حركات المعارضة، قوله: “وسائل التعذيب الأساسية كانت موجودة قبل 2011 كبساط الريح والدولاب والتعذيب بالكهرباء والشبح، ومنع الرعاية الصحية والانتهاكات ضد النساء، الاختلافات الوحيدة كانت في الأعداد والهدف من التعذيب. في البداية، كان الهدف هو انتزاع الاعترافات. بعد عام 2011 تحول الهدف إلى وسيلة انتقام وتدمير المحتجزين نفسيا وتصفيتهم”. 
العدل والجنايات 
الخطوة الهولندية تجاه النظام السوري، دفعت المحامي السوري ميشيل شماس لشرح الفروق بين محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية، وكتب شماس عبر حسابه في منصات التواصل الاجتماعي: أن محكمة العدل الدولية تختص بالفصل في النزاعات الدولية أي بين دول وليس أفراد، كالمنازعات على الحدود، أو مخالفة اتفاقية دولية، وهي تحاكم دولا وليس أفراداً، وتصدر أحكاماً بالتعويض للدولة الشاكية أو تترك أمر التعويض للاتفاق بين الدولة الشاكية والمشتكى عليها، وهي لا تصدر أحكاماً جزائية مثل التوقيف أو السجن. وهي أقرب للمحاكم المدنية. 
وإذا لم تنفذ الدولة حكم المحكمة تستطيع الدولة المحكوم لها طلب تنفيذه من مجلس الأمن وهنا الطلب مرهون بموافقة تسعة أعضاء وعدم استخدام الفيتو. 
أما محكمة الجنايات الدولية فهي تختص بمحاكمة مرتكبي أشد الجرائم المحتملة جسامة بمقتضى القانون الدولي، أي جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان، والمدعي العام لديها يملك سلطة إصدار مذكرة توقيف دولية، والمحكمة تحكم بالسجن على الأفراد  كما تحكم بالتعويض للضحايا. 
بالعودة إلى الشكوى الهولندية فهي تبقى خطوة رمزية لن توقف التعذيب في سوريا، وحتى تصل الشكوى إلى محكمة العدل الدولية وتصبح قضية، قد يحتاج الأمر إلى ما يقارب الخمس سنوات، فضلاً عن ذلك لن تستطيع المحكمة اتخاذ إجراءات كالكشف على أماكن الاعتقال والتوقيف في سوريا على اعتبار أن سوريا قد تحفظت على المادة 20 من اتفاقية مناهضة التعذيب التي تتيح أمكانية القيام بجولات تفتيشية مفاجئة لمراكز الاحتجاز وللسجون.