الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مدينة حريتان السورية: جبهات قتالية متعددة وأفق مجهول

مدينة حريتان السورية: جبهات قتالية متعددة وأفق مجهول

06.01.2020
أمير رضوان



القدس العربي
الاحد 5/1/2020
رغم سيطرة النظام السوري وحلفائه على كامل مدينة حلب أواخر عام 2016 ما تزال فصائل المعارضة تحتفظ بمواقعها في محيط المدينة غرباً، إذ تسيطر على ريف حلب الغربي وشمالاً تسيطر على أجزاء من ريف حلب الشمالي الواقع على الطريق الدولي حلب-غازي عنتاب.
مدينة حريتان هي أقرب ناحية إدارية لحلب من جهة الشمال، تتبع لها قرى كفر حمرة وياقد العدس وحيان وعندان، ولم يتمكن النظام من حصار شرق مدينة حلب إلا بعد التقدم إلى أطراف حريتان وقطع طريق الكاستلو، الذي كان الشريان الوحيد لمواقع المعارضة داخل حلب آنذاك.
تُحيط بمدينة حريتان كتل أبنية حديثة تأخذ شكل أحياء تابعة لمركز المدينة مثل “الهاراميس، شارع بغداد، قبر الإنكليزي، الملاح” أما قوات النظام فموجودة حول حريتان من ثلاثة محاور هي تل مصيبين شمال شرق المدينة والملاح جنوب شرق المدينة وشمالاً من مشارف قريتَيْ حيان وبيانون المجاورتين، مع محاولات مستمرة من النظام لإحداث تقدم على أحد تلك المحاور.
الحملة الروسية جواً والإيرانية براً خلال حصار حلب وما سبق ذلك، والتي ما زال أهالي المنطقة يتحدثون عنها كأحداث فارقة في تاريخ مدينة حريتان، أدت لقيام النظام باستغلال ذلك الدعم وتحقيق مكاسب ميدانية متعددة، فتمكن بالإضافة لفتح طريق بلدتي نبل والزهراء، من السيطرة على قرية باشكوي شمال شرق حريتان، وعلى أجزاء واسعة من منطقة الملاح، جنوب شرق مدينة حريتان، ليؤمن طريق الكاستلو تماماً من دون محاولات استرداده من جانب المعارضة. كما تقدم مقاتلوه من بلدتي نبل والزهراء ليسيطرون على منطقة الطامورة غرب قرية عندان، ويضغطون أكثر على المساحة التي تسيطر عليها المعارضة في المنطقة، باعتبار أن كل جزء يسيطر عليه النظام سيجعل المنطقة المحيطة به منطقة اشتباك أو على الأقل منطقة مهددة بالقصف. كما حاول النظام التقدم والسيطرة على قرية بيانون أكثر من مرة، ورغم أنها مكشوفة ومنبسطة جغرافياً إلا أن فصائل المعارضة تداركت الموقف وحصّنت مواقعها داخل القرية، لتحافظ على جبهة متماسكة إلى حدٍ ما من أطراف حي جمعية الزهراء بحلب مروراً بجبل شويحنة ومحيط مدينة حريتان ومناطق حيان وبيانون وعندان، تُشكّل خطوطاً متوازية تفصل الشارع الدولي المار بمدينة حلب عن بلدتي نبل والزهراء.
وضع مأساوي
أخبرنا القيادي في الجبهة الوطنية للتحرير محمد حسون عن أحوال المنطقة بالقول إنها تشهد وضعاً مأساوياً من الناحية المعيشية مع نقص السيولة في كل القطاعات، وعن مستقبل المنطقة عسكرياً فهو يستبعد أن يشن الروس والنظام حملة عسكرية في الوقت الراهن، موضحاً أن ذلك بسبب خشية المهاجمين من الوقوع في الاستنزاف، والاعتماد فقط على القصف الجوي للضغط على الفصائل والأهالي، خاصة وأن الأهالي نزحوا مراراً ثم عادوا إلى المنطقة مع كل انخفاض في مستوى الأعمال القتالية. كما لم يستبعد حسون وقوع عمل عسكري على المدى الطويل من جانب النظام والروس باعتبار أن معطيات الميدان والسياسة متغيرة، وأشار أنه لو أراد المهاجمون اقتحام المدينة لحاولوا ذلك إبان قيامهم بحصار حلب الشرقية عام 2016 والحملة الجوية الروسية التي عصفت بمدينة حريتان وبقية خطوط القتال في مناطق كفر حمرة وحيان، لكون ذلك أدى لانهيار العديد من المجموعات القتالية وإصابة العشرات من العناصر، في وقت كانت فيه الاستعدادات الدفاعية بدائية ولم تتطور لحد الصمود أمام الطيران الروسي آنذاك.ويرى خبراء عسكريون أن قوات النظام غير قادرة حالياً على فتح جبهة داخل مدينة بحجم حريتان، لكونها ستقاتل ضد أبناء المدينة ضمن سياسة حرب العصابات التي إن حدثت سوف تستنزف القوات الغريبة المهاجمة. إذ تشير الأرقام إلى فقدان الأخيرة معظم قوتها الميدانية واعتمادها بشكل مطلق على الدعم الجوي الروسي.
القصف الجوي الروسي
شوارع المدينة شاهدة على حجم الدمار غير المسبوق، ومقاطع الفيديو للقنابل الفوسفورية المضيئة التي ألقاها الطيران الروسي فوق المدينة مراراً وبشكل مكثف، حازت على شهرة عالمية كمؤشر على هول الحرب الدائرة في سوريا، وضراوة القصف الجوي الروسي، حينها برز دور منظمة الدفاع المدني “الخوذ البيضاء” بمدينة حريتان، وأخذت صور متطوعيها أثناء إزاحة الأنقاض وإنقاذ الجرحى تنتشر كالنار في الهشيم، وحازت جهودهم على تعاطف أهالي المدينة على وسائل التواصل الاجتماعي.
ولم تفلح المنشورات التي ألقاها الطيران المروحي من سماء المدينة في ثني من تبقى من الأهالي عن معركتهم، حيث كانت تتضمن أرقام هواتف للتواصل مع النظام إما لـ “تسوية الأوضاع” أو لإمداد مخابرات النظام بمعلومات عن الفصائل، ودعوة المقاتلين في المدينة لتسليم أنفسهم، في إطار دعاية إعلامية دأب النظام على تسويقها طيلة حربه في محافظة حلب، مضمونها أنه المُخلص لأهالي المنطقة من شبح إرهاب يتهددهم.
تعرضت مدينة حريتان للحصار مرة واحدة عندما وقع اقتتال بين هيئة تحرير الشام وحركة نور الدين الزنكي في ريف حلب الغربي قبل أشهر، فانقطع بذلك طريق الإمداد الوحيد للمدينة من الجهة الغربية، كما روى لنا أحد سكان المدينة كيف اضطرت الفرق الاسعافية حينها لتبديل ثلاث سيارات إسعاف كي تنقل طفلاً مصاباً من حريتان إلى إدلب مروراً بمنطقة الاشتباك.
يرى مراقبون أن من يسيطر على منطقة حريتان ومحيطها يمتلك نقاطاً متقدمة قرب مركز حلب، وموقعاً مميزاً على الطريق الدولي الواصل بين حلب وتركيا، كما يملك موطئ قدم قرب بلدتي نبل والزهراء المواليتين للنظام، وعندما عجزت قوات النظام والميليشيات المرتبطة بإيران عن السيطرة على هذه المنطقة لجأت لطريق بديل التفت خلاله شرق مدينة حريتان مسيطرة على قرى رتيان ومعرستة الخان وماير مطلع عام 2016 بعد معركة خسرت خلالها الميليشيات المهاجمة المئات من مقاتليها والعشرات من آلياتها الثقيلة، لكنها تمكنت من فتح الطريق نهاية المطاف، وإيصال الإمدادات لبلدتي نبل والزهراء المحاصرتين في ذلك الوقت.
سيناريو الاستنزاف
تجولنا في المدينة التي تشهد مؤخراً هدوءا حذراً، فالقصف خفت وتيرته بشكل ملحوظ خلال الأسابيع القليلة الماضية مع استمرار تحليق متقطع للطيران الحربي الروسي وطائرات الاستطلاع والتجسس، أما الفصائل الموجودة فهي هيئة تحرير الشام المسيطرة على المنطقة بشكل أساسي، بالإضافة لفيلق الشام ومجموعات محلية مرتبطة بالجبهة الوطنية للتحرير التابعة للجيش الوطني.
وقال القيادي الميداني في فيلق الشام سعيد حسناتو لـ”القدس العربي” إن عملهم مستمر على مدار الساعة لفتح طرق إمداد متعددة وحفر أنفاق وخنادق.
وأضاف أن أعمال التحصين والتدشيم التي تشهدها المنطقة تحاول تجنيبها سيناريو الاستنزاف الذي يفرضه الطيران الروسي في أي معركة، مشيراً إلى أن ذلك يتم وفق سياسة “الأخذ بالأسباب”. في سياق تحول المعارضة إلى وضعية الدفاع في حربها ضد النظام.
وأردف بأن الأنفاق تؤمن لمقاتلي المعارضة خطوط إمداد وتنقل سهلة، فيما لو قام الطيران الروسي باستهداف الطرق البرية التقليدية والمكشوفة.
لم يستطع أحد من سكان المدينة أو نخبها العسكرية والفكرية التكهن بمصيرها بشكل واضح، فلا أحد يعلم أولويات الروس وإمكانيات قوات النظام لخوض معركة مكلفة كهذه، لكن الجميع منهم متفق على أن المدينة تشهد تحصيناً غير مسبوق من جانب المعارضة، لعلمهم أن المدينة لا تحمل أهمية بالغة بالنسبة للضامن التركي، كأهمية مدن ينشط فيها الأتراك مثل عفرين واعزاز وجرابلس، ولسان حالهم يقول: “فلنقلع شوكنا بأيدينا”.
ومع أن الجيش التركي وضع نقطة مراقبة في منطقة عندان المجاورة لحريتان غرباً، إلا أن تجربة نقاط المراقبة أثبتت عدم فاعليتها عموماً مع سيطرة قوات النظام على بلدة مورك شمال حماة، وفي عندان ذاتها حيث تعرضت نقطة المراقبة التركية لقصف متكرر من مدفعية النظام في نبل والزهراء، وبالتالي فالمزاج الشعبي لا يرى أن التعويل على نقطة المراقبة في المنطقة ذا قيمة كبيرة.
 
تطويق المنطقة
 
مصدر عسكري في المدينة أكد لنا أن النظام يعمل على تطويق المنطقة من محورين هما جبل عندان – الطامورة وجبل شويحنة – معارة الأرتيق، لكون دائرة الحصار قريبة من الاكتمال في هذا المحور أكثر من أي محور آخر، لكن المصدر أشار في الوقت ذاته إلى سعي فصائل المعارضة لإفشال هذا الاحتمال عبر تدابير فضّل كتمها باعتبارها معلومات أمنية.
التجول في شوارع مدينة حريتان لمشاهدة الأنقاض، أو سؤال أحد أبناء المدينة عن الوضع، يُشعرك بفارق زمني تأريخي بين ما قبل وما بعد الحملة الروسية، التي شنها الطيران الروسي عام 2016 ملقياً 3000 صاروخ فراغي وآلاف أخرى من القنابل العنقودية والفوسفورية فوق المنطقة مدمراً بها أجزاء واسعة من المدينة، وفي ذلك الوقت فرغت المدينة تماماً من سكانها ومعظم مقاتليها، ولم تتوقف تلك الحملة حتى أغلقت شوارع المدينة بركام الأبنية المنهارة، وعطّلت المرافق العامة والخدمية بشكل لم يعهده سكان المدينة منذ العام 2011.
والمفارقة أن المدينة المدمرة بمعظم أحيائها، عادت لتستقبل النازحين من الغوطة وحمص وأرياف حماة وإدلب بدون مقابل مادي، تزامناً مع عودة نشاط المجلس المحلي والدفاع المدني، ودخول بعض المنظمات للمنطقة لتحاول إعادة تنشيطها مجدداً.